رايت رايتس

أوبنهايمر وأينشتاين..علاقة قوية ومعقدة

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 8 دقيقة قراءة
8 دقيقة قراءة
روبرت أوبنهايمر وألبرت أينشتاين

“الآن جاء دورك لمواجهة عواقب إنجازك”.

- مساحة اعلانية-

هذه الجملة قالها عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين لزميله روبرت أوبنهايمر في واحد من المشاهد الختامية لفيلم “أوبنهايمر” الذي يحكي كيف أصبح الأخير “أبا” القنبلة الذرية في أربعينيات القرن الماضي من خلال ترؤسه مشروع الحكومة الأمريكية الذي أطلق عليه اسم “مشروع مانهاتن”.

في هذا الفيلم، يظهر أينشتاين في المرحلة الأخيرة من حياته، عندما كان يعمل هو وأوبنهايمر بمعهد برينستون للدراسات المتقدمة، حيث شغل الأخير منصب مدير المعهد بين عامي 1947 و1966.

- مساحة اعلانية-

لقد كان أينشتاين وأوبنهايمر اثنين من أهم العلماء في ذلك الوقت، لكن كانت هناك اختلافات مهمة بينهما، فيما يتعلق بفهم كل منهما للفيزياء وبالطريقة التي كان كل منهما يعتقد أن باستطاعته خدمة العالم أو إيذائه.

“لقد كنا زميلين مقربين وكنا إلى حد ما صديقين”، هذا ما قاله أوبنهايمر في مؤتمر عقد في باريس عام 1965 بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لرحيل أينشتاين.

في الفيلم، يجعل المخرج كريستوفر نولان عالمي الفيزياء ينخرطان في حوارات، رغم كونها خيالية، إلا أنها تعكس العلاقة بينهما، وتعكس سعي أوبنهايمر المثقل بالأعباء إلى الحصول على النصح والإرشاد من أينشتاين الذي يظهره الفيلم بمظهر أبوي.

- مساحة اعلانية-

صحيح أنه في الواقع كانت هناك اختلافات مهمة بينهما، ولكن كلاهما كان يكن قدرا كبيرا من الاحترام للآخر.

يلعب توم كونتي دور ألبرت أينشتاين في حين يلعب كيليان مِرفي دور روبرت أوبنهايمر في الفيلم الذي أخرجه كريستوفر نولان.

حياتان متوازيتان

عندما تخرج الشاب روبرت أوبنهايمر وتخصص في الفيزياء النظرية في عشرينيات القرن الماضي، كان أينشتاين قد فاز بالفعل بجائزة نوبل للفيزياء، كما كان شخصية مهمة في وسط العلم والعلماء، بفضل نظرية النسبية العامة التي صاغها عام 1915، وغيرها من الأعمال التي أثرت على عالم الفيزياء الأمريكي.

وسط الاضطهاد المتزايد لليهود في ألمانيا، غادر أينشتاين أوروبا واستقر في برينستون بولاية نيو جيرسي عام 1932، حيث واصل أبحاثه.

بعد ذلك بعدة سنوات، في أغسطس/آب عام 1939، وقع أينشتاين على خطاب موجه إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين دي روزفلت وكتبه زميله ليو سيلارد، الخطاب نبه البيت الأبيض إلى أن ألمانيا قد تطور قنبلة ذرية نتيجة للتقدم العلمي الذي أحرزته تلك الدولة الأوروبية في مجال الانشطار النووي لليورانيوم.

ويعتقد أن ذلك أدى إلى البدء في مشروع مانهاتن، والذي عينت الحكومة الأمريكية أوبنهايمر رئيسا له عام 1942، وكان حينها واحدا من أبرز العلماء في ذلك المجال.

الخطاب الذي كتبه سيلارد ووقع عليه أينشتاين أُرسل إلى الرئيس روزفلت في عام 1939

وفقا للعديد من المصادر، لم يتم إشراك أينشتاين، الذي كان يبلغ من العمر 64 عاما آنذاك، في المشروع بسبب أصوله الألمانية وأفكاره اليسارية. لكن المفاهيم المختلفة لنظريات الفيزياء بينه وبين أوبنهايمر كان لها أثر هي الآخرى على ذلك القرار.

يقول كل من كاي بيرد ومارتين جاي شِروين في كتابهما الذي يروي سيرة حياة أوبنهايمر: American Prometheus: The Triumph and Tragedy of J. Robert Oppenheimer (الذي يستند إليه فيلم كريستوفر نولان) إن عالم الفيزياء الأمريكي كان ينظر إلى أينشتاين بوصفه “قديسا حيا راعيا للفيزياء، وليس كعالم منخرط في العمل والبحث”.

حاول نولان أن يصور طبيعة العلاقة بين الاثنين في فيلمه. يقول المخرج في حوار مع صحيفة ذا نيويورك تايمز: “رأيت العلاقة بينهما إلى حد كبير كعلاقة الأستاذ الذي حل محله شخص أصغر سنا وتولى عمله”.

هل شارك أينشتاين في ابتكار القنبلة النووية؟

مع بدء مشروع مانهاتن، يصور الفيلم أوبنهايمر كعالم تساوره شكوك بشأن مدى وحجم الأثر الذي قد يحدثه تفجير قنبلة ذرية كتلك التي كان يعكف على تطويرها. يذهب العالم الأمريكي لاستشارة أينشتاين.

بيد أن ذلك لا يعدو كونه من نسج خيال المخرج، لأن تلك الحوارات التي تظهر في الفيلم لم تجر على أرض الواقع.

يشرح نولان في حواره مع الصحيفة قائلا: “من بين الأشياء التي غيرتها هي أن أوبنهايمر لم يستشر أينشتاين في ذلك الأمر، بل استشار أرثر كرومبتون الذي كان يدير فرع مشروع مانهاتن بجامعة شيكاغو”.

وأضاف نولان: “لكن أينشتاين هو الشخصية التي يعرفها الجمهور”.

عمل أوبنهايمر بين عامي 1943 و1945 في مختبر لوس ألاموس في ولاية نيو مكسيكو، على بعد آلاف الكيلومترات من برينستون. ليس واضحا ما إذا كان الفيزيائي الأمريكي قد عقد أي اجتماعات أو مشاورات مع أينشتاين.

لكن في عام 1965، علق أوبنهايمر نفسه على مزاعم أن أينشتاين أسهم بطريقة ما في ابتكار سلاح الدمار الشامل ذاك، حيث قال في مؤتمر باريس الذي عقد في ذلك العام: “مزاعم أنه شارك في ابتكار القنبلة الذرية، في رأيي، خاطئة”.

ويرى أوبنهايمر أن الخطاب الذي أُرسل في عام 1939 إلى الرئيس روزفلت للفت انتباهه إلى قدرات ألمانيا على تطوير قنبلة ذرية لم يكن له تأثير يذكر على الحكومة الأمريكية.

إنه أحمق

بعد الاختبار الناجح الذي أجري على أول قنبلة ذرية، واجه أوبنهايمر مشكلة أخلاقية تتمثل في استخدام أعماله في صنع سلاح دمار شامل، وليس فقط على سبيل التهديد، كما تبين من خلال تفجيري هيروشيما وناغازاكي عام 1945.

العديد من العلماء، ومن بينهم أينشتاين وسيلارد وغيرهما أدانوا إلقاء قنابل ذرية على مدن يابانية، إذ إنهم اعتبروا أن البلاد كانت بالفعل قد هُزمت جزئيا.

يحاول أوبنهايمر في فيلم نولان إقناع حكومة واشنطن بالحاجة إلى الحد من استخدام التقنية التي طورها. لكن السياسيين ينقلبون عليه ويثيرون علامات استفهام حول علاقته السابقة بالشيوعيين، ويعتبرون أنه يشكل خطورة على الأمن القومي، وهو ما يضطره إلى الإدلاء بشهادته أمام لجنة حكومية.

يتطرق نولان في الفيلم إلى العبء الذي شعر به أوبنهايمر بسبب تداعيات القنبلة

يروي بيرد وشِروين في كتابهما أن أينشتاين أخبر أوبنهايمر بأنه “لا ينبغي أن يواجه حملة شرسه لأنه خدم بلاده بشكل جيد”، وفق محادثة كانت فيرنا هوبسون سكرتيرة عالم الفيزياء الأمريكي شاهدة عليها.

وقال له أينشتاين: “إذا كانت هذه هي المكافئة التي تعرضها عليك الولايات المتحدة، ينبغي أن تدير ظهرك لها”.

غير أن هوبسون زعم أن أوبنهايمر “كان يحب أمريكا”، وأن حبه لها كان “عميقا كحبه للعلم”.

وقال أوبنهايمر لهوبسون إن “أينشتاين لا يفهم ذلك”.

كان العالم الحاصل على جائزة نوبل يرى أن أوبنهايمر لا ينبغي أن يتوقع الكثير من واشنطن. وقد أخبر سكرتيرته، مشيرا إلى أوبنهايمر بإصبعه بعد تلك المحادثة: “إنه أحمق”، وفق بيرد وشِروين.

بصفته مديرا لمعهد برينستون، أمر أوبنهايمر بتركيب هوائي في منزل أينشتاين لكي يتمكن من سماع حفلات الموسيقى الكلاسيكية في نيويورك والتي كان يحبها كثيرا، وفق بيرد وشِروين

رغم خلافاتهما، كان كلاهما يكن مشاعر الإعجاب والاحترام للآخر، كل على طريقته.

فقد قال أينشتاين في وصف أوبنهايمر إنه كان “رجلا بارعا بشكل غير عادي، وكان تعليمه متعدد الفروع”، وإنه كان معجبا به “لشخصه وليس لخبرته في الفيزياء”.

في المقابل، عندما تحدث أوبنهايمر بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة أينشتاين ومرور خمسين عاما على صياغته لنظرية النسبية العامة، فإنه احتفى بإسهامات ذلك العبقري الألماني الأصل بطريقة غير مألوفة.

“أعمال أينشتاين الأولى رائعة الجمال، ولكنها مليئة بالأخطاء”، هكذا قال أوبنهايمر في باريس، شارحا أن عملية تجميع أعمال أينشتاين التي شارك فيها استغرقت 10 سنوات من التنقيح.

شارك هذه المقالة
ترك تقييم