“فورست سيتي” مدينة بحرية شبه خاوية في ماليزيا بتكلفة 100 مليار دولار

الديسك المركزي
13 دقيقة قراءة
13 دقيقة قراءة
فورست سيتي

يسلك الزائر طريقاً ملتوياً بين مزارع النخيل والضواحي المتمددة لكي يصل إلى تلك البلدة الجميلة التي تقع قبالة ساحل جنوب ماليزيا، ويمكن أخيراً رؤيتها خلف قمم الأشجار، وهي جزيرة صناعية ذات مبانٍ شاهقة تحيط بها مياه زرقاء.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=4]

كُتب على لافتة: “مرحباً بكم في فورست سيتي”، وتمثل هذه القطعة من الأرض رهاناً قوياً على ازدهار قطاع العقارات الصيني، الذي قد يخسر زخمه سريعاً مع نُذُر الانهيار التي تخيم على السوق.

إذا قدت سيارتك لبضع دقائق أخرى؛ ستجد نفسك بين صفوف من أبراج بيضاء تصطف على جانبي شوارع المدينة شبه المهجورة، ويسير القائمون على رعاية المساحات الخضراء، وهم يعتمرون قبعات واسعة الحواف، على الأرصفة التي تخلو من المارة جيئة وذهاباً فيما يشذبون الشجيرات.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=3]

يتمركز حراس يرتدون قبعات حمراء اللون عند نقاط تفتيش أمنية ويراقبون حركة مرور السيارات، ولا تشاهد إلا قليلاً من سكان البلدة البالغ عددهم تسعة آلاف، هذا ليس أمراً غير عادي بالضرورة بالنسبة لماليزيا، حيث يتجنب كثير من الناس الخروج خلال حر منتصف النهار. لكن فورست سيتي بُنيت لتضم أكثر من عشرة أمثال عدد قاطنيها حالياً.

خلال أقل من عقد واحد، واجهت تلك المدينة الخاصة التي تقع على الناحية الأخرى من الخليج قبالة سنغافورة العديد من التحديات، بما فيها قضايا لها علاقة بالقواعد التنظيمية ومقاومة سياسية وجائحة على مستوى العالم.

بينما تنفض المدينة عن كاهلها تداعيات فيروس “كوفيد-19″، فهي تخاطر بأن تنجرف في دوامة سوق العقارات الصينية التي تتسارع فيها وتيرة التقهقر.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=5]

مشاكل مالية

ترفض “كانتري غاردن هولدينغز”، الشركة العقارية الصينية التي تطور فورست سيتي، التلميحات بأن المشروع مهدد بالخطر وتقول إنه جاهز ليؤتي ثماره أخيراً، لكن المشاكل المالية التي تواجه “كانتري غاردن” وغيرها من المطوّرين الصينيين المثقلين بالديون زادت من مخاوف حدوث أزمة أوسع نطاقاً من شأنها أن تقتطع حصة كبيرة من ثاني أكبر اقتصادات العالم، وهذا يلقي بظلال الشك على مصير “فورست سيتي”.

يصطف عدد لا يُحصى من المجمعات العقارية الفاخرة على امتداد ساحل جنوب شرق آسيا، لكن “فورست سيتي” تشتهر بضخامة حجمها وجرأتها، وكانت رؤية “كانتري غاردن” تنطوي على بناء أربعة جزر صناعية في المضيق الصغير بين ماليزيا وسنغافورة، ثم تطوير مدينة صديقة للبيئة من شأنها أن تجتذب أثرياء من مختلف أنحاء العالم.

سيتطلب بناء المدينة عقوداً وستتكلف مليارات الدولارات وستوفر مساكن لـ700 ألف شخص، إذا حققت “كانتري غاردن” الخطط التي أعلنت عنها، فسيصبح حجم “فورست سيتي” نصف حجم منطقة مانهاتن في مدينة نيويورك تقريباً من حيث كل من المساحة وعدد السكان.

تنطوي رؤية شركة التطوير العقاري على أن سكان “فورست سيتي” سيكونون أناساً يبحثون عن منزل ثان أو يودون استثمار أموالهم أو الأمرين معاً. تتوقف جاذبية المدينة على طقس ماليزيا الدافئ على الدوام وتكاليف المعيشة الرخيصة نسبياً وقرب المدينة من سنغافورة، بالإضافة إلى كونها تقع على مسافة قصيرة بالسيارة من عدد من المدن الآسيوية الكبيرة الأخرى.

شكاوى وانتقادات

بدأت “كانتري غاردن” تستصلح الأراضي في مطلع 2014، وسرعان ما بدأت المطوّرة العقارية تجلب المشترين المهتمين جواً، وكان أغلبهم من الصين، اشترى عدد منهم شققاً سكنية في مبانٍ شاهقة ما تزال قيد الإنشاء، وهو ما كان إحدى الممارسات الشائعة في ذروة ازدهار قطاع العقارات في الصين، وكان بإمكانك أن تعثر على شقة مكوّنة من غرفتين للنوم مقابل نحو 165 ألف دولار، وهو مبلغ كبير للغاية بالنسبة للأسر الماليزية العادية، التي يبلغ دخلها السنوي نحو 16400 دولار. لكنه أرخص من نظيره في شنغهاي أو بكين.

بعد ستة أشهر فقط، أوقفت “كانتري غاردن” عملية إنشاء الجزيرة بعد أن قالت الجهات الناظمة في ماليزيا إن الشركة لم تدرس التداعيات البيئية للمشروع كما ينبغي، وقدمت الحكومة السنغافورية بعدئذ شكوى للسلطات الماليزية مفادها أنها لم تُبلغ بالأمر، وأعربت عن قلقها بشأن التأثيرات الممكنة على المناطق المتاخمة لفورست سيتي.

في 2018، انتقد مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، المشروع وقال إنه “بُنيَ خصيصاً للأجانب” وليس في متناول يد أغلب سكان البلاد من الناحية الاقتصادية، ونقلت تقارير إخبارية محلية قوله آنذاك: “بإمكانهم شراء عقارات، لكننا لن نمنحهم تأشيرات ليعيشوا هنا”. دفع ذلك “كانتري غاردن” لأن تشرع في محادثات مع الحكومة حول كيفية بناء بعض المنازل للماليزيين.

واجهت خطط “كانتري غاردن” بعض التعقيدات أيضاً بسبب التشديد الحكومي الصيني على مواطنيها الراغبين في شراء عقارات خارج البلاد، وأدى ذلك إلى مخاوف من فشل المشروع بين بعض من قد اشتروا شققاً في “فورست سيتي”، بسبب تركيزه الواضح على المشترين الصينيين.

جاءت الجائحة بعد ذلك وأوقفت كل المشروعات، وسحبت “كانتري غاردن” العمال من المشروع، وهرب عدد كبير من السكان الأجانب إلى “فورست سيتي”.

مخاوف جديدة

بعد رفع القيود المفروضة على السفر بسبب الجائحة هذا العام، بدت “فورست سيتي” وكأنها بدأت أخيراً تلتقط أنفاسها، لكن “كانتري غاردن” تخلفت عن سداد مستحقات إصداري سندات مقومة بالدولار في مطلع أغسطس.

تراجع زخم اقتصاد الصين وأثقلت ديون ضخمة كاهل شركات التطوير العقاري، ما دفع عدداً من المراقبين لتوقع تباطؤ أوسع نطاقاً في قطاع العقارات، وأدى حجم “كانتري غاردن”، التي تملك ثلاثة آلاف مشروع إسكان وكانت يوماً أكبر المطوّرين العقاريين في الصين، إلى بروز مخاوف من أن الأزمة التي تشهدها الشركة قد تنتقل سريعاً إلى الاقتصاد.

رغم كل شيء، فإن “كانتري غاردن” قالت إن “فورست سيتي” لا تواجه أي مشاكل.

قال سيارول إزام شريف الدين، المسؤول التنفيذي في “كانتري غاردن”: “لا نعتقد أن المشروع فاشل”، بنت المطوّرة العقارية إلى الآن جزيرة من أصل أربع جزر مخطط لها، إلى جانب ما يكفي من الأبراج الشاهقة والمنازل المكوّنة من طابق واحد لإسكان نحو 100 ألف شخص، وكل هذا بسرعة فائقة.

قال سيارول: “بعيداً عن هذا المشروع، أين يمكن أن تجد مشروعاً ضخماً على مساحة 700 فدان يكتمل بناؤه خلال سبع سنوات؟”.

قال تشيو ليبنغ، وهو زميل سيارول ونائب الرئيس الإقليمي في “كانتري غاردن”، إن 80% من الوحدات السكنية في الجزيرة، البالغ عددها 26 ألف وحدة، قد بيعت، وأوضح أن المشروع قد وفّر عدداً من الوظائف في المنطقة.

وقال: “للنجاح معانٍ كثيرة”.

قال إدوارد غليكمان، الذي عمل سابقاً أستاذاً في كلية الأعمال بجامعة نيويورك ويقدم الآن استشارات للمستثمرين المؤسسيين، إن معدل المبيعات في المدينة البالغ 80% يُعتبر إنجازاً مرحلياً قوياً، لكن على فورست سيتي أن تأخذ أيضاً في الاعتبار التكاليف الهائلة التي يتطلبها استصلاح الأراضي، وهي تكاليف لا تتطلبها أغلب المشروعات المشابهة. رفض ليبنغ تقديم تفاصيل بشأن أوضاع الشركة المالية، ولا توجد معلومات متاحة للعامة من شأنها أن تسمح بتقييم أداء الشركة بشكل مستقل.

بناء مجتمع

ما يزال على “فورست سيتي”، أن تثبت قدرتها على أن تصبح مجتمعاً حقيقياً، قال سيارول، إن هناك أشخاصاً من 38 دولة مختلفة يملكون عقارات هنا، وأغلبهم من الصينيين.

لكن ثمة فرق بين امتلاك وحدة سكنية في مكان ما وبين السكن فيه، فمن لديهم ما يكفي من المال لشراء شقة في الخارج هم على الأرجح مالكون غائبون وليسوا أشخاصاً يملكون مسكنهم الرئيسي فقط.

كان افتتاح فرع لـ”شاتوك-سانت ماريز”، التابعة لمدرسة داخلية مرموقة يقع مقرها الرئيسي في ولاية مينيسوتا، في 2018 أحد أبرز التطورات.

قالت سيرينا رحمن، التي تُدرّس السياسة البيئية في جامعة سنغافورة الوطنية وتدير مركزاً لعلوم المواطنين في فورست سيتي، إن المدرسة هي قلب المدينة النابض في الوقت الحالي.

وقالت: “إنها تلعب دوراً قوياً جداً في جلب سكان جدد (للمدينة)”، ويرتاد نحو 200 طالب المدرسة، وتصل رسوم الدراسة إلى 36 ألف دولار سنوياً.

قال ليبنغ إن “كانتري غاردن” ستركز في المستقبل القريب على جذب أنشطة الأعمال إلى المنطقة الصناعية المبنية على البر الرئيسي شمالي فورست سيتي مباشرة.

في الوقت الحالي، تبدو المدينة ذات كثافة سكانية منخفضة، وأشار ليبنغ أيضاً إلى نجاح منتجع الغولف الذي أنشأته “كانتري غاردن”، والذي يضم ملعبين للغولف يحتوي كل منهما على 18 حفرة، ويقع على مسافة قصيرة بالسيارة داخل الجزيرة. قال ليبنغ إن المنتجع يجذب نحو 75 ألف زائر سنوياً.

تكلفة مرتفعة

قال محمد نجيب رزالي، الأستاذ المشارك في جامعة التكنولوجيا في ماليزيا الذي يركز على قطاع العقارات، إنه إذا توقف المشترون الأجانب عن المجيء؛ فلا يُرجّح أن يشتري السكان المحليون شققاً بدلاً منهم، وبلغ متوسط صفقات العقارات الماليزية في 2022 نحو 450 ألف رينغيت ماليزي (97 ألف دولار)، أي ما يكفي لشراء أصغر الوحدات المعروضة للبيع حالياً في “فورست سيتي” فقط.

لكن إذا خفضت الشركة الأسعار؛ فسيُلقي ذلك بمزيد من ظلال الشك على قدرة “كانتري غاردن” على استعادة ما استثمرته فيها.

مصاعب “كانتري غاردن”: الجيد والسيئ والأسوأ

قال بعض الوكلاء العقاريين، إن “فورست سيتي” ستجتذب شيئاً فشيئاً سكاناً من سنغافورة ممن يبحثون عن إيجارات رخيصة، نظراً لرفع القيود المفروضة بسبب الجائحة، وشهدت المدينة زيادة في أعداد الزوار المحليين والسنغافوريين.

في أغسطس، قال أنور إبراهيم، رئيس الوزراء الماليزي، إن فورست سيتي ستُعتبر منطقة مالية خاصة، ما يمنح سكانها عدداً من المميزات، من بينها منح تأشيرات متعددة الدخول، وإتاحة إجراءات التأشيرات السريعة للموظفين من ذوي المهارات ممن يذهبون إلى أعمالهم في سنغافورة، وضريبة موحدة على الدخل تبلغ 15% للعاملين من أصحاب الشهادات.

وتيرة هادئة

في أحد أيام يونيو، كان أحد حاملي الأمتعة العاملين في فندق “مارينا هوتيل” في فورست سيتي، الذي يبلغ عدد الغرف فيه 283 غرفة، يقف متكئاً على منضدة بعدما رحلت مجموعة كبيرة من الزوار الصينيين كانت قد أبقت الجميع مشغولين لبضعة أيام، وكانت ردهة الاستقبال الفخمة هادئة.

قال حامل الأمتعة، إنه استقبل نحو 20 ضيفاً حتى ذلك الوقت يومها.

في مركز التسوق في آخر الشارع، تسير جموع أمام واجهات المتاجر الخاوية وصولاً إلى متاجر التجزئة الوحيدة المفتوحة، وهي متاجر المشروبات الكحولية المعفاة من الضرائب، هذه هي أحد الإعفاءات القليلة التي تحصل عليها فورست سيتي، وهي عامل جذب كبير في دولة تفرض ضرائب على المشروبات الكحولية تعتبر من الأعلى عالمياً.

ماليزيا تسهل ممارسة الأعمال لتعزيز الاستثمار الأجنبي

حين أرخى الليل سدوله على فورست سيتي، بدأ الممشى الذي يقع على شاطئ البحر يضج بالحياة، وجلست مجموعات من العمال المهاجرين، مثل حراس الأمن وحراس الأرض وعمال البناء، على بعض المقاعد وهم ينظرون إلى أضواء سنغافورة المتلألئة عبر الخليج، وكانوا يتحدثون باللغات البنغالية والهندية والإندونيسية.

غابة من الخضرة والخرسانة

قال بعض من مرتادي الشاطئ إنهم يعيشون في فورست سيتي، وعرضت امرأة من إندونيسيا صوراً لمسكنها في وسط غابة الخضرة والخرسانة هذه، وقال بنّاءان هنديان إنهما يعيشان في برج قريب، وقال مواطن بنغلاديشي، كان قد سرق ثلاث عبوات من جعة “غينيس” من متجر السلع المعفاة من الضرائب في عصر ذلك اليوم، إنه يسكن على بُعد بضعة مبان منهما.

العديد من الأشخاص في تلك المجموعة موجودون في المدينة منذ أعوام، حتى خلال الجائحة، إذ يعيشون ويعملون ويبثون الحياة في تلك المدينة التي وصفها رئيس “كانتري غاردن” السابق يوماً ما بأنها “جنة، الحياة فيها غاية تبتغى”.

نظراً لمتوسط الرواتب في المنطقة، لا يُرجّح أن أي شخص متواجد على الشاطئ تلك الليلة كان يملك شقته، ولم تتضح هوية المالكين، لكن تدور بعض الشائعات بأن عدداً منهم لم يأتِ بعد ليستلم المفاتيح.

المصدر: Bloomberg Business week

تم وضع علامة:
شارك هذه المقالة
ترك تقييم