كانت لدى أوليفر كينز قناعة راسخة بأن كون المرء طفلاً وحيداً هو رفاهية، وكان يرفض فكرة “متلازمة الطفل الوحيد”. لكن الاعتناء بأمه المسنة وإنجابه طفلين دفعاه إلى إعادة التفكير في ذلك
خلال الأيام التي أعقبت وفاة والدي، لاحظت امرأة في سني تقريباً في البناء الذي يقطنه والداي في شبه جزيرة آيل أوف دوغز في لندن، كانت تدفع والدها الواهن العجوز على كرسي متحرك إلى المصعد، بينما كنت أواسي أمي الغارقة في الحزن خلال صعود الدرج.
في ظهيرة يوم ما، وبعدما اطمئن كلانا على الشخص الذي كان اعتنى به قبل عقود من الزمن، صادفتها على السلالم. وبادرتها بالسؤال: “أنت ابنة وحيدة لوالديك، صحيح؟”.
جلسنا وتجاذبنا أطراف الحديث حول الوقائع الجديدة الغريبة في حياتنا. أردت البكاء حتماً، لا أذكر إن فعلت ذلك حقاً، ثم ذهب كل في سبيله، لم أرها مرة أخرى.
على حد ما أذكر، لطالما كانت لدي قناعة راسخة بأن كون المرء طفلاً وحيداً هو نعمة رائعة. على مر السنين، طمأنت كثيراً من الناس الذين اتخذوا خيار “واحد وكفى” (المبدأ الذي تتبناه أكثرية العائلات في أوروبا، وفقاً لبيانات من عام 2021) بأن أطفالهم سيكونون على ما يرام.
كنت متعصباً لهذه الفكرة ومؤمناً بها كما لو كنت سياسياً ذا مصلحة من تحقيقها. آمل ألا يكون من العجرفة القول إن التحدي الأكبر الذي يواجهه الشباب في العشرينيات من عمرهم المنتمون إلى الطبقة المتوسطة في المملكة المتحدة يكون في بعض الأحيان البحث عن التحدي بحد ذاته.
بالنسبة إلي، تجلى التحدي قطعاً في محاولتي إقناع الناس أن الأطفال الوحيدين ليسوا مجموعة من غريبي الأطوار المأسويين الذين يمضون وقتهم في التفكير بغضب وبمزاج وحيد وكاره للمجتمع بكل المشكلات النفسية التي تسببت بها أمهاتهم.
كان دفاعاً هشاً، لكن يمكنك التأكد من أنني سأظهر عدوانية مضحكة كلما قال لي أحدهم “لا يبدو عليك أنك طفل وحيد”.
على نحو مثير للدهشة، تسود معظم الافتراضات التي تحملها تلك العبارة المخيفة منذ العصر الفيكتوري، وعلى الأرجح كان لعالم نفس الأطفال، جي ستانلي هول، التأثير الأكثر خبثاً في تلك الروايات المراوغة حول الأطفال الوحيدين، حيث خلقت كتاباته في أواخر القرن الـ19 فكرة الطفل الوحيد برمتها، المدلل والضعيف الذي غالباً ما يكون عرضة لإصابته بالنرجسية.
وصل هول إلى حد وصف إنجاب طفل وحيد “بالمرض”، وتشمل الآراء الأكثر تطرفاً من تلك الحقبة مخاوف سيسيل ويليت كانينغتون من أن الأطفال الوحيدين سيكبرون ليصبحوا “مبتلين ببنية جسدية ضعيفة”، أو فكرة سيغموند فرويد القائلة إن الأطفال الوحيدين محكومون بأن يصبحوا منحرفين أخلاقياً.
بالتأكيد، أنا أعتبر مذنباً وفقاً للتهمة الأخيرة. مع ذلك، وبينما بذل المجتمع جهداً على مستوى عالمي لتحسين فهم مجموعات الأقليات خلال السنوات الـ 125 التي أعقبت كتابات هول، فإن تلك الرواية السامة القائلة إن الأطفال الوحيدين مدللون ومنعزلون وأنانيون، لا تزال وجهة النظر السائدة بشكل محبط.
وكما ذكرت في بداية مقالي، أنا ابن وحيد أعتني حالياً بأمي المسنة، مع كل ما يترتب على ذلك من مسؤوليات وقلق فردي.
لم يكن هناك مفر من هذا السيناريو بالنسبة إلي بالطبع، لكن ما لم أتخيله أبداً، بعدما صرت أنا وآخرون حولي آباء، هو مدى التغير الذي سيطاول رؤيتي للموضوع.
على سبيل المثال، أرى الآن كيف أن وصمة العار التي ترافق الأطفال الوحيدين تؤدي إلى أكثر من مجرد التسبب بمشكلات للأطفال أنفسهم. ويصبح الناس غريبين بشكل مدهش عندما تصطدم خيارات أحدهم الأبوية مع التجارب التي عاشها.
فالشريكان اللذان أنجبا طفلاً واحداً يتعرضان بشكل منتظم للهمز واللمز والتدقيق وحتى المجابهة من قبل البالغين الذين يريدون معرفة مرتبة الشقيق الافتراضي المقبل لطفلهم، وحالما تنجب المرأة طفلاً يبدو المجتمع مخولاً لمعاملتها كخط إنتاج، وليس كشخص.
الوقاحة التقليدية هي التي تثير أعصابي عندما تحدث في محيطي، ولا سيما إن كنت تعلم أن الإجابة تنطوي على مشكلات طبية، وصدمة، وملايين المخاوف المالية التي تثقل كاهل الأهل. صدقاً، لو كانت لديك أي شكوك، لا تسأل فحسب.
على كل حال، فإن الجزء غير المتوقع حقاً الذي على الاعتراف به هنا، هو أنني مذ أصبحت أباً، ليس لطفل واحد فقط بل لاثنين، بات بإمكاني إدراك الطرق التي انطبقت علي فعلاً بعض الافتراضات الغريبة قليلاً كطفل وحيد.
ربما تسببت حقيقة أنني أمضيت طفولتي برفقة البالغين بنضوجي بشكل سريع قليلاً؟ كنت شاباً هادئاً “يتصرف مثل أب” في سن الـ15.
كان أول اسم مستعار استخدمته كمنسق موسيقي (دي جيه) هو “سيد سلامة”، المستوحى من الاحترام الفائق لكل ما يتعلق بالصحة والسلامة.
لم أقدم على أي فعل متمرد حتى صرت في 34 تقريباً، وتدفعني مشاهدة طفلي وهما يرميان بنفسيهما من على الأشجار للتساؤل أيضاً عما إذا كنت أتجنب المخاطرة كثيراً؟ تجعلني رؤيتهما وهما يتقاتلان أتساءل عما إذا كان بإمكاني استيعاب آليات المواجهة في سن أصغر؟
لذا، إن كنت واحداً من عديد من الآباء الذين أقنعتهم سابقاً حول روعة إنجاب طفل واحد، أعتذر عما مضى، فقد أكون تسرعت بعض الشيء.
ما زلت مقتنعاً بأن أطفالكم سيكونون سعداء للغاية على كل حال، بينما تصبح عائلات الطفل الواحد القاعدة الطبيعية، باتت نهاية هراء جي ستانلي هول ووصمة عار الطفل الوحيد قريبة بالتأكيد.
علاوة على ذلك، أحثكم على الاستفادة منا الأشياء التي لم أدرك أنها فاتتني حتى وقت قريب.
ابذلوا قصارى جهدكم لتحيطوا أطفالكم الوحيدين بأكبر عدد ممكن من أقرانهم، وشجعوهم أيضاً على أن يسيطروا مجتمعين على البالغين في منزلكم، إذ سيتعرفون من خلال ذلك على معنى أن يكونوا في موقع المسؤولية.
ابذلوا جهوداً استثنائية لجعلهم يشعرون أنهم يمتلكون زمام القرار وشجعوهم على المغامرة، ولا تقوموا بخنقهم وحمايتهم من الأمور السيئة فقط لأنكم تستطيعون فعل ذلك معهم بشكل أفضل مقارنة بالأطفال الذين لديهم أشقاء.
حاولوا قدر ما تستطيعون تعويدهم على طلب المساعدة (فهم سيحتاجونها) وبأكثر الأساليب إمتاعاً. وبحق السماء، ابذلوا جهداً خارقاً لتعليمهم كيف يتحملون المسؤولية. ففي نهاية المطاف، قد يصبحون، وحدهم، مسؤولين عنكم.