وثائق بريطانية: مبعوث القذافي وصل البحرين وطالب بطرده الإنجليز

الديسك المركزي
11 دقيقة قراءة
11 دقيقة قراءة

اختار الرائد عبدالسلام جلود نائب رئيس الوزراء الليبي، مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1971 موعداً لدخول طائرته الخاصة أجواء الخليج من دون تنسيق مسبق مع العواصم الخليجية آنذاك.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=4]

ووفق روايته الشخصية يذكر أن الزيارة بدأت من الإمارات العربية المتحدة، فالسعودية، والكويت والبحرين وقطر، وكانت محطة جلود الأخيرة العاصمة العراقية بغداد.

وجلود هو عسكري ليبي من مواليد 1944 ينتمي إلى قبيلة المقارحة، تبوأ مناصب قيادية رفيعة بعد انقلاب معمر القذافي على الملكية في ليبيا 1969. ومنها عضو مجلس قيادة الثورة في بلاده، ورئيس الوزراء في الفترة من 16 يوليو (تموز) 1972 إلى الثاني من مارس (آذار) 1977، كما اعتبر الرجل الثاني في ليبيا بعد العقيد القذافي، إذ تولى عديداً من المهام قبل عزله وإبعاده في 1992 عندما بقي تحت الإقامة الجبرية حتى قيام الثورة التي أطاحت النظام، وحينها أعلن انشقاقه عن نظام القذافي، وظهر في الزنتان (جنوب) قبل أن ينتقل إلى العاصمة القطرية الدوحة.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=3]

وحول الزيارة المثيرة للجدل، يشير جلود في مذكراته التي تحمل عنوان “الملحمة”، إلى أنه حين انسحبت بريطانيا من الخليج العربي عام 1971، واحتلت إيران جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى الإماراتية التي لا تزال أبوظبي تطالب بها حتى اليوم، “كان رد فعل ثورة الفاتح شديداً… توجهت على الفور إلى الخليج العربي… وجدت دول الخليج من السعودية حتى (العراق) قد سيطر عليها الخوف من شاه إيران (محمد) رضا بهلوي، فاقترحت أن يقوم الوطن العربي بعمل مشترك ضد بريطانيا باعتبارها المسؤولة قانونياً عن هذا القرار وأن نقوم بعمل عسكري لاسترداد الجزر، لكن السعودية ودول الخليج عارضت الفكرة”.

لكن وثائق وزارة الخارجية البريطانية تنفي رواية عبدالسلام حول معارضة دول الخليج لفكرة القيام بعمل عسكري ليبي لاسترداد الجزر، ويبدو أنه قد نسي ما قاله مساء يوم السادس من ديسمبر (كانون الأول) عند لقائه بالقيادة البحرينية في المنامة.

حين قال “إن مصر وسوريا وليبيا ناقشت العمل العسكري المحتمل على الجزر، لكنها قررت أنها لا تستطيع مواجهة إيران وإسرائيل.

- مساحة اعلانية-
[bsa_pro_ad_space id=5]

ومع ذلك وافقت الدول الثلاث على إيجاد خطة عمل مشتركة لإحداث أكبر قدر ممكن من المتاعب لإيران في المنطقة وأماكن أخرى”.

وعن ذلك يضيف البريطانيون أن “البحرينيين ربما قد سمعوا تصريحات جلود واختاروا الصمت، إذ يعتقد أمير (البحرين) أنه إذا تم اتباع هذه الخطة يمكن أن تؤثر الأحداث سلباً على الاستقرار والأمن في الخليج”.

من رجل ثوري إلى مسؤول فوضوي

تؤكد مذكرات المسؤول الليبي تجاوزه الأعراف الدبلوماسية وأحيانا السلوك والخلق العربي في احترام الضيوف ، قائلاً “فوجئت بأن إمارات الخليج، حكاماً ومواطنين كانوا ينظرون إلى الإنجليزي على أنه (إله على الأرض).

 لما وصلت إلى مطار أبوظبي، فوجئت بالعسكريين الإنجليز يرتدون الملابس العسكرية (الشال) والعقال الخليجي فوق رؤوسهم، وحين دخلت قاعة الاستقبال وجدت مجموعة من العسكريين الإنجليز فطردتهم من القاعة.

وكنت أريد من خلال طردهم أن أقول لهؤلاء إن الإنجليزي ليس (إلهاً على الأرض) وإنه مستعمر”.

ويمضي في سرد مزاعم أنه أصيب كل من كان في القاعة بالذهول وهم “يشاهدونني أطرد العسكريين الإنجليز، وبدت الدهشة والحيرة على وجوههم، ثم توجهت إلى القصر للقاء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقد أقام مأدبة غداء، وكان حشد من المواطنين خارج القصر.

وما إن انتهينا من تناول الطعام وغادرنا القاعة حتى انهالوا على بقايا الطعام”.

وحول الإعلام العربي وعدم تغطية تصريحاته الدعائية، يقول “أدليت بتصريحات أكدت فيها عروبة الخليج العربي، بيد أن وسائل الإعلام السعودية ودول الخليج لم تنشر هذه التصريحات”.

وكانت جريدة “الرأي العام” الكويتية أجرت مقابلة صحافية مع جلود في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) 1971، أي قبل يومين من زيارة جلود للعاصمة البحرينية، المنامة، حيث زعم أن قوات المظليين الليبية كانت مستعدة للانتقال إلى الخليج لإحباط عمليات الإنزال الإيرانية، وأن الحكومة العراقية منحتهم الإذن بالمرور عبر البصرة، لكن (بعض الناس في الخليج رفضوا)”.

ووفق التقرير البريطاني السري عن الزيارة، الذي يحمل في الأرشيف البريطاني رقم 271109Z بتاريخ 29 ديسمبر 1971، فإن قيادة الجيش الوطني الليبي وبعد اطلاعها على مقابلة جلود، أصدرت بياناً، نفت فيه ما جاء على لسانه حول ممانعة بعض الدول الخليجية ومعارضتها لإرسال فدائيين للخليج، مؤكدة أن القوات لم ترسل بسبب عدم وجود مناطق للهبوط!

وجاء في التقرير ما نصه “أصدر الجيش الوطني الليبي بياناً ينفي فيه رفض دول الخليج قبول القوات الليبية، ويدعي أن عدم وصولها كان بسبب عدم وجود مناطق هبوط”.

ويكشف التقرير البريطاني أن الدعاية الإعلامية الليبية لدعم حاكم رأس الخيمة، الشيخ صقر بن محمد القاسمي لم تتجاوز التصريحات الدعائية، إذ يقول “لم تكن هناك إشارة إلى إرسال قوات ليبية أو إلى أي دعم مادي آخر لرأس الخيمة في تقارير اجتماع نائب الحاكم مع العقيد القذافي في 13 ديسمبر (1971) ومع ذلك، أعرب الشيخ صقر في رسالته إلى القذافي عن أمله في أن تدافع ليبيا عن عروبة الجزر كما لو كانت جزءاً لا يتجزأ من ليبيا”.

ويشير تقرير آخر إلى أن جلود وبعد تصريحاته النارية ضد الإنجليز وتحميلهم مسؤولية كل ما حدث للجزر الإماراتية ومطالبة الدول العربية بمقاطعة بريطانيا ومعاقبتها، يرسل رسائل سرية إلى المسؤولين الإنجليز، يتراجع فيها عن كل ما صرح به حول قضية الجزر.

ويضيف “رولاند أوف لونرو الذي عاد من القاهرة، أمس، اتصل هاتفياً ببارسونز اليوم وكان يحمل رسائل شخصية من جلود. أحدها هو أننا يجب أن نتجاهل تماماً أي شيء قاله عن الاستيلاء الإيراني على جزيرة طنب، وقد أدلى بتصريحاته للتسجيل وتحت بعض الضغط العاطفي ويجب أن ننسى هذه التصريحات”.

على عكس رواية جلود تروي لنا الوثائق البريطانية، أن رئيس قسم الشؤون العربية في وزارة الوحدة والشؤون الخارجية الليبية، أحمد بو خيال، قاد الوفد الليبي إلى الخليج قبل زيارة جلود المثيرة من العام نفسه، وتحدث إلى السفير البريطاني لدى ليبيا بحرارة عن الاستقبال الذي حظي به، خصوصاً في مملكة البحرين.

كانت مملكة البحرين قد انتهت في ذلك الوقت لتوها من الاحتفال بمناسبة الانضمام رسمياً إلى منظمة الأمم المتحدة وأعلنت عن تشكيل أول مجلس للوزراء عام 1971 وذلك بعد حصولها على حق العضوية في المنظمة باعتبارها دولة مستقلة.

وكان جلود مناهضاً للوجود البريطاني في منطقة الخليج العربي ويرى أنهم تعمدوا عرقلة التنمية في المنطقة كوسيلة لإطالة أمد بقائهم ونفوذهم.

وخلال اجتماعه بوزير خارجية البحرين آنذاك، الشيخ محمد بن مبارك الخليفة، طالب بطرد الإنجليز من وزارة الدفاع البحرينية، وحين علم أنه لا وجود لهم هناك، صار يستفيض بالنصح لقادة البحرين بطردهم من أجهزة الشرطة على سبيل المثال، كما سنرى لاحقاً في تفاصيل الوثيقة.

تزامنت زيارة جلود إلى البحرين مع وصول السفير الإيراني منوشهر سبهبدي، الذي كان ينوي تقديم أوراق اعتماده إلى أمير البحرين الشيخ عيسى بن خليفة آل خليفة، باعتباره أول سفير إيراني لدى المنامة.

أقحم جلود نفسه بطبيعة استقبال السفير الإيراني ورفض بشدة وجود علاقات دبلوماسية بين البحرين وإيران وأنه لا ينبغي للبحرين أن تعتمد أوراق السفير… وكانت إيران قد باشرت افتتاح سفارتها وتعيين أول سفير لها في أغسطس 1971 بعد نشر إعلان إقامة علاقات سياسية بين البلدين على مستوى السفارات في طهران والمنامة.

تداخلات جلود واجهت رداً بحرينياً حاسماً إذ قال وزير الخارجية البحريني الشيخ محمد بن مبارك الخليفة للضيف القادم من ليبيا، إنه لن يكون من المعقول أن تتجنب دولة البحرين علاقات طبيعية مع جارة لها أهمية مثل إيران.

أصر جلود على فرض إملاءاته وتقديم النصائح الثورية حتى بعد عودته إلى ليبيا كما يتضح من الوثيقتين السريتين أدناه.

واعتبرت وثيقة سرية بريطانية أن تأثير الزيارة كان ضعيفاً ووجد قادة البحرين في جلود شاباً ساذجاً بخاصة أن معظم الوزراء الذين تحدث إليهم خلال الزيارة كانوا أكبر منه سناً.

في الوثيقة الأولى خاطبت السفارة البريطانية لدى البحرين بتاريخ 14 ديسمبر 1971 مرجعيتها في بريطانيا.

وقالت “قد يكون من المفيد أن نضيف إلى برقية المقيم السياسي رقم 979 بتاريخ التاسع من ديسمبر 1979 في شأن زيارة نائب رئيس الوزراء الليبي الرائد جلود، إلى البحرين، أن تأثير جلود كان ضعيفاً هنا.

قد يكون معظم الوزراء البحرينيين الذين تحدث معهم كانوا أكبر منه سناً، ووجدوه شاباً بسيطاً جداً. قالوا إنه تحدث بهراء زائد في مهاجمة بريطانيا وإيران ومواقف هاتين الدولتين في دول الخليج (العربي) بما في ذلك البحرين”.

وأضافت “عندما سمع (جلود) أن سفيراً إيرانياً كان على وشك تقديم أوراق اعتماده إلى الأمير، أصر على أنه لا ينبغي السماح بذلك تحت أي ظرف من الظروف.

وعلى الرغم من أن وزير خارجية البحرين الشيخ محمد بن مبارك أقنع جلود بأنه لن يكون من المعقول أن تتجنب البحرين العلاقات الطبيعية مع جارة مهمة مثل إيران، فإن جلود أرسل في ما بعد أن وصفه الأمير ببرقية قبيحة يقول فيها، إنه لا ينبغي استقبال السفير”.

لماذا سعدت المنامة بالزيارة المستفزة؟

ولفتت الوثيقة إلى أنه “من جهة أخرى، كان البحرينيون سعداء للغاية بالزيارة، على الرغم من أنهم كانوا غاضبين من وصول جلود من دون سابق إنذار. یعتقد رئيس الوزراء، الشيخ خليفة أن جلود وأمثاله یقومون بمثل هذه الرحلة المفاجئة حتى يفوتوا الفرصة على أعداء محتملين لهم”.

أما الوثيقة السرية الثانية، فتضمنت مواقف الحكومة الليبية التي اتسمت بالثورية والتدخل خارج حدود الدولة في عديد من البلدان العربية إذ عبر نائب القذافي عن موقف بلاده الرافض لبريطانيا واسترسل في تقديم نصح إلى المسؤولين البحرينيين وتفاجأ بمعلومات خاطئة حملها إلى البحرين عن الوجود البريطاني.

وشكلت زيارة عبدالسلام جلود إلى البحرين فصلاً آخر من مغامرات خاضها القذافي ومسؤولون التفوا حوله وتعهدوا له بالإخلاص في تنفيذ أفكاره وأجندة اتسمت بالغرابة، بعيداً من الدبلوماسية والسبل المعهود بها في العلاقات الدولية.

المصدر: “اندبندنت عربية”

شارك هذه المقالة
ترك تقييم