صبيحة الحادي عشر من شهر سبتمبر/ أيلول من عام 2001، قام تسعة عشر عنصراً من تنظيم القاعدة باختطاف أربع طائرات ركاب وقاموا عمدًا بصدم اثنتين منها في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي والثالثة اصطدمت بمبنى البنتاغون في أرلينغتون في ولاية فيرجينيا.
انهار البرجان في نهاية المطاف بسبب الأضرار التي لحقت بهما، بعد أن علم ركاب الطائرة الرابعة المختطفة بالهجمات قاوموا الخاطفين فسطقت الطائرة في حقل فارغ في غرب بنسلفانيا على بعد حوالي 20 ميلاً من واشنطن العاصمة وقتل جميع ركابها.
لكن قبل هذه الهجمات الانتحارية الدامية والتي أدت إلى مقتل 2977 شخصا، شهد التاريخ العديد من الهجمات الانتحارية لكن بأدوات مختلفة.
سيكاري
يعتقد أن أولى العمليات الانتحارية التي شهدها التاريخ كانت من قبل مجموعة من المتعصبين اليهود الذين أشاعوا الرعب في أوساط الرومان واليهود عقب احتلال الرومان للقدس.
كان هؤلاء المتطرفون يعرفون باسم “سيكاري” وتعني حملة الخناجر الصغيرة حيث كانوا يخبؤون خناجرهم الصغيرة تحت ملابسهم حتى يصبحوا بجوار الجنود الرومان أو اليهود الذين تعاونوا مع الرومان فيضربون اعناقهم غالبا بهذه الخناجر رغم يقينهم أن مصيرهم الموت على يد الجنود الرومان الآخرين.
فرت الجماعة إلى قلعة مسداه قرب البحر الميت بعد مطاردتهم وملاحقتهم في القدس، وعاشت الجماعة في القلعة لفترة من الزمن إلى أن قضى الرومان عليها بعد حصار القلعة. بعد دخول الرومان اليها تبين أن كل أفراد الجماعة والبالغ عددهم نحو الف شخص قد اقدموا على الانتحار.
نشطت هذه المجموعة ما بين عامي 66 إلى 73 الميلاديين.
رعب الحشاشين
ثاني أهم جماعة شنت عمليات انتحارية عبر التاريخ وانتشرت عنها الكثير من القصص والأساطير هم أتباع حسن الصباح، احد غلاة الطائفة الاسماعيلية.
اتخذ حسن الصباح قلعة ألموت الواقعة في إيران حاليا بعد الاستيلاء عليها عام 1090 مقرا لقيادة مجموعة من المهاجمين المحترفين الذين اعتمدوا على الخديعة والشجاعة الفائقة في تنفيذ عملياتهم.
استمر اتباع حسن الصباح الذين يعرفون بالحشاشين في نشر الرعب والخوف في أوساط الحكام المسلمين والصليبيين في المنطقة بفضل الطرق المرعبة التي كان يصفي بها معارضيه، ومن بين اشهر العمليات التي نفذها الحشاشون اغتيال الوزير نظام الملك الذي كان يحتل مكانة مرموقة لدى الملك السلجوقي ألب أرسلان وابنه ملكشاه.
وتقول المصادر التاريخية إنه في عام 1092 كان الوزير نظام الملك في أصبهان، مع السلطان السلجوقي آلب أرسلان فتقدم إليه صبي من الحشاشين في صورة سائل أو مستعطف، فلما اقترب منه أخرج سكيناً كان يخفيها، وطعنه طعنات قاتلة، وأدرك أصحاب نظام الملك الصبي فقتلوه.
كما حاول الحشاشون قتل صلاح الدين الأيوبي مرتين حيث انهال في إحدى المرات احدهم بالخنجرعليه لكنه نجا من الموت بفضل القلنسوة المعدنية التي كان يضعها تحت العمامة والدرع المعدني الذي كان يرتديه تحت الملابس.
عام 1167 قام الحاخام الاسباني بنيامين الطليطلي برحلة استغرقت 13 عاماً عبر خلالها الشرق الأوسط وآسيا، وتضمن وصفه لسوريا ما قد يكون على الأرجح أول وصف أوروبي لجماعة الحشاشين، وقال الحاخام إنها طائفة محاربة مختبئة في الحصون الجبلية وتطيع زعيماً غامضاً يُعرف باسم “شيخ الجبل”.
على مدى القرنين التاليين، روى الصليبيون والمسافرون العائدون من الشرق قصصاً عن الجماعة، مضيفين تفاصيل جديدة مثيرة إلى أسطورة الحشاشين. وقيل إنهم خبراء في حرفة القتل، وتدربوا منذ الطفولة على استخدام التخفي والخداع، وأنهم مخلصون جداً لقائدهم لدرجة أنهم يضحون بحياتهم عند تلقي أبسط إشارة منه.
وأول عملية انتحارية في العصر الحديث قام بها أحد الثوريين في روسيا في 13 مارس/ آذار 1881 واستهدفت قيصر روسيا، حيث فجر عضو الجماعة الثورية الروسية نارودنايا فوليا، البلاروسي ايغناتي غرينتيفسكي، قنبلة كانت بحوزته عندما كان القيصر الكسندر الثاني خارج عربته لتفقد موقع انفجار قنبلة قبل لحظات بالقرب من موكبه. قتل المهاجم والقيصر بفارق ساعات في ذات النهار حيث كان المهاجم على بعد متر ونصف المتر فقط من القيصر.
الكاميكازي
لكن اشهر العمليات الانتحارية في القرن العشرين كانت هجمات “الكاميكازي” التي شنتها اليابان ضد قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية حيث أدت الى مقتل آلاف جنود دول التحالف وتدمير عشرات القطع البحرية خلال عامي 1944 و1945.
قام طيارو الكاميكازي اليابانيون بصدم طائراتهم بأهداف العدو بشكل متعمد و كانت غالباً القطع البحرية لقوات الحلفاء.
“الكاميكازي” مصطلح يشير إلى الطيار الانتحاري و كذلك الطائرة المستخدمة في مثل هذه الهجمات كتلك المستخدمة على نطاق واسع حالياً في الحرب الأوكرانية.
لجأت اليابان الى هذا التكتيك على نطاق واسع خلال معركة خليج ليت في اكتوبر/ تشرين الأول 1944 وظلت تستخدمه حتى نهاية الحرب.
وكلمة كاميكازي تعني “الريح المقدسة”، في إشارة إلى الإعصار الذي فرق أسطول الغزو المغولي الذي كان يهدد اليابان من الغرب في عام 1281.
كانت معظم طائرات الكاميكازي مقاتلات عادية أو قاذفات قنابل خفيفة، محملة بالقنابل وخزانات وقود إضافية قبل التحليق بها وصدمها بأهدافها.
كما طور اليابانيون صاروخاً موجهاً يقوده طيار لضرب الأهداف المعادية. اطلق الحلفاء على هذا الصاروخ اسم “باكا” وتعني الأحمق باللغة اليابانية إذ كانوا يرون أن الذين يقودون مثل هذه الصواريخ ليسوا سوى حمقى.
لم يكن لدى الطيار وسيلة للخروج والفرار بمجرد تثبيت الصاروخ على الطائرة التي ستطلقه. كان يتم إسقاط الصاروخ عادة من ارتفاع يزيد عن 7500 متر وعلى بعد نحو 80 كم من الهدف.
كان الصاروخ يهبط ببطء وهو متجه نحو الهدف وعندما يصبح على بعد خمسة كيلومترات منه يقوم الطيار بتشغيل محركات الصاروخ الثلاثة مما يؤدي الى انطلاقه بسرعة 960 كم في الساعة وهو متجه نحو الهدف. كان وزن الشحنة المتفجرة في رأس الصاروخ تبلغ أكثر من طن.
أغرقت هجمات كاميكازي 34 سفينة وألحقت أضرارًا بمئات السفن الأخرى خلال الحرب. في معركة أوكيناوا كبدت هذه الهجمات قوات الحلفاء أكبر خسارة على الإطلاق في معركة واحدة، حيث قتل فيها ما يقرب من خمسة آلاف رجل إضافة الى إغراق واعطاب 300 قطعة بحرية.
استخدم اليابانيون هجمات الكاميكازي في هذه المعركة على نطاق واسع حيث بلغ عددها 1900 عملية.
كان من بين الشروط التي يجب توفرها في طياري الكاميكازي أن يكونوا عزاباً ولهم خبرة في مجال الطيران. و كانوا يتلقون تدريبات حول كيفية صدم الأهداف بطائراتهم و استخدام السلاح.
التضحية بالذات خلال المعركة كانت تعتبر تنفيذاً للواجب تجاه الوطن والامبراطور من جانب طياري الكاميكازي وتعبيراً عن الولاء للشعب الياباني والحفاظ على الكرامة الشخصية.
كما قام الطيارون الألمان خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية بتنفيذ هجمات شبه انتحارية عبر صدم طائراتهم بطائرات الحلفاء لالحاق ضرر بها لمنعها من شن هجمات وغارات على الأهداف الألمانية.
كما قام عدد قليل من الطيارين الألمان بتنفيذ هجمات انتحارية فعلية في الأيام الأخيرة من الحرب.
شنت اليابان أكثر من 3 آلاف هجوم كاميكازي على قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية التي انتهت باستسلام اليابان بعد القاء الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على كل من هيروشيما وناغازاكي
الشاحنات المفخخة
بنهاية الحرب العالمية الثانية توقفت الهجمات الانتحارية وخلال الحرب الباردة بين الشرق والغرب لم نشهد تقريبا أي هجمات انتحارية حتى قيام إسرائيل بغزو لبنان.
شنت المقاومة اللبنانية التي كانت تضم القوى اليسارية والقومية الأحزاب الشيعية اللبنانية عددا من الهجمات الانتحارية ضد القوات الإسرائيلية، ولعل ابرز تلك الهجمات قيام السورية حميدة الطاهر بقيادة سيارة مفخخة وتفجيرها في موقع مشترك للجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي في منطقة جزين عام 1985.
لكن أهم عملية انتحارية شهدها لبنان كان في عام 1983 حيث استهدف انتحاريان من حركة الجهاد الإسلامي الشيعية المقربة من حزب الله اللبناني (ينفي الحزب أي علاقة له بالهجومين) مقري قوات المارينز والقوات الفرنسية في العاصمة اللبنانية في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1983، أدى الهجومان إلى مقتل المئات من قوات المارينز والمظليين الفرنسيين الذين تم نشرهم في لبنان في إطار القوات المتعددة الجنسيات.
بغلت حصيلة الهجومين من القتلى 299 جنديا من قوات المارينز والبحارة الأمريكيين والمظليين الفرنسيين.
وقبل هذين الهجومين الداميين تعرضت السفارة الأمريكية في بيروت في حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر بالتوقيت المحلي في 18 أبريل/ نيسان 1983، لهجوم انتحاري، حيث اقتحمت شاحنته مفخخة بنحو طن من المتفجرات المبنى مما أدى إلى مقتل 63 شخصا، من بينهم 17 أمريكيا، ثمانية منهم من ضباط وكالة المخابرات المركزية، وإصابة أكثر من مئة آخرين. وأعلنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن الهجوم.
وبعدها زادت العمليات الانتحارية وشملت مختلف انحاء العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط حيث نفذت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان العديد من الهجمات الانتحارية داخل إسرائيل فيما بدأت القاعدة بشن العشرات من هذه العمليات وكانت فاتحتها هجوم الخبر في السعودية عام 1988.
كما استهدف هجومان انتحاريان السفارتين الامريكيتين في كينيا وتنزانيا في نفس العام.
ليست كل الهجمات الانتحارية ذات دوافع دينية وتنفيذا لواجب “الجهاد”، فقد شن مقاتلو نمور التاميل العديد من هذه الهجمات ضد اهداف عسكرية في سريلانكا خلال مرحلة الكفاح المسلح لتأسيس وطن خاص بهم رغم أن حركة نمور التاميل علمانية.