رايت رايتس

نظرية المؤامرة!

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 13 دقيقة قراءة
13 دقيقة قراءة

قد اعتادت نظريات المؤامرة الشائعة الحديث عن أشياء على غرار الزعم بأن هبوط مركبة الفضاء “أبوللو 11” فوق سطح القمر عام 1968 لم يكن حقيقياً، وقد اختلقته حكومة الولايات المتحدة لتحقيق الفوز في سباق الفضاء مع روسيا. وقد أشار مروجو نظرية المؤامرة تلك إلى واقعة أن الصور التي التقطت في الفضاء لم تتضمن مشاهد للنجوم، وكذلك بدت راية الولايات المتحدة غير مستقرة نتيجة للرياح التي يفترض أنها غير موجودة فوق سطح القمر، إضافة إلى أن ظلال رواد الفضاء لم تكن في موضعها الصحيح.

- مساحة اعلانية-

وهناك أيضاً نظريات مؤامرة تتردد منذ وقت طويل تتعلق بـ”القوى الخفية” التي تدير شؤون حكومات العالم. وفي عام 1975 نشر روبرت أنتون ويلسون ومايكل شي رواية خيال علمي ساخرة من ثلاثة أجزاء بعنوان “المستنيرون”، رسمت صورة غير واقعية حول نظريات المؤامرة السائدة في ذلك الوقت.

ثمة حالة غريبة انتشرت على نطاق واسع، إذ أعتقد كثيرون أن تفجير “مركز التجارة العالمي” في نيويورك يوم الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، لم يحدث على الإطلاق، أو أنه، وضمن صيغة مختلفة، قد يكون من تدبير الحكومة الأميركية.

- مساحة اعلانية-

في المقابل، اتخذ مصطلح “نظرية المؤامرة” هيئة مختلفة خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصاً منذ انتشار جائحة “كوفيد-19” العالمية.

ولقد أسهمت الجائحة في نشر أقاويل كثيرة حول مدى تدخل الحكومات في حياة الشعوب، إضافة إلى الارتياب بالسرعة غير المسبوقة في برامج تطوير اللقاحات.

وقد أحدثت تلك الأشياء جميعها أصداء واسعة، وانتشرت عبر وسائل التواصل الإعلامي بشكل غير مسبوق. كذلك انتشرت معلومات مغايرة عما صرحت به المصادر الرسمية [في شأن مجريات الجائحة]، وقد ضخمت وتداولتها الألسن بسرعة غير مسبوقة أيضاً.

- مساحة اعلانية-

وفي ذلك الخصوص، تذكر بعض الناس مثلاً قديماً مفاده أن الكذبة قد تنتشر في نصف العالم قبل ظهور الحقيقة، وقد تضاعفت تلك السرعة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي.

انتشرت مشاعر القلق في شأن الجائحة بين أوساط متنوعة بدءاً ممن قلقوا في شأن سرعة إنتاج لقاحات “كوفيد” ومدى جودة التجارب عليه، وذلك كان حال من وصفوا بـ”المترددين في شأن اللقاح”، ومروراً بأولئك الذين اعتقدوا أن الفيروس أنتج في المختبرات، ووصولاً إلى من أقلقتهم مدى السلطة التي منحتها الحكومات لنفسها كي تقرر إغلاق مدنها ودولها وإجبار السكان على البقاء داخل منازلهم.

وعلى رغم ذلك يعتقد بشكل واسع أن طرح تساؤلات حول الخط الرسمي المعلن خلال فترة الجائحة، قد أحدث ضرراً. فخلال الأشهر الأولى للجائحة، تحديداً في أغسطس 2020، وصفت “منظمة الصحة العالمية” حجم المعلومات المضللة حول فيروس “كوفيد-19” التي انتشرت عبر الشبكة العنكبوتية، بأنها “إنفوديميك” [وباء المعلومات المضللة].

وحينها، أفاد مدير عام المنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، “إننا لا نقاوم الفيروس وحده، إذ نقاوم كذلك مروجو الإشاعات ونظريات المؤامرة الذين ينشرون المعلومات المضللة ويلحقون الضرر بحملة التعامل مع الجائحة”.

وآنذاك، تمثلت المشكلة في أن مثل تلك الإشاعات قد تمنع الناس من تلقي اللقاح. وقد حدث ذلك بالفعل، إذ أدت أزمة “كوفيد-19” إلى إحداث انقسام في أوساط سكان العالم إلى حد أن أي مؤامرة حقيقية لن تكون سوى حلم.

ومع ذلك، سواء تعلق الأمر بجائحة “كوفيد” أو الهبوط على سطح القمر أو، بحسب الكاتب ديفيد إيكي [من المنظرين لنظريات المؤامرة]، بأن الأسرة الملكية في بريطانيا ليست مخلوقات طبيعية، يبقى السؤال ماثلاً عن سبب إيمان بعض الناس بنظريات المؤامرة.

في ذلك الصدد، يحاول الكاتب مايكل شيرمر الإجابة عن هذا السؤال في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان “مؤامرة” .

يعمل شيرمر في الولايات المتحدة، وهو ناشر مجلة “سكيبتيك” التي تسعى إلى الرد على المزاعم والنظريات [المؤامرتية] الرائجة معتمدة في طرحها على العلم والمنطق.

إذ يرى شيرمر أن تعبير نظرية المؤامرة ربما حظي بكثير من الاهتمام خلال فترة الجائحة، إلا أن فكرة المؤامرة مغرقة في القدم. وفي حديث إلى “اندبندنت”، يشير شيرمر إلى أنه في عالم اليوم ليست نظريات مؤامرة بأكثر عدداً مما كانته في الماضي، إذا عدنا بالذاكرة إلى عصر تأسيس الجمهوريات، أو حتى روما القديمة”.

ويضيف، “في المقابل، إن انتشار نظريات المؤامرة جرى في الماضي عبر الكلمات وأحاديث البشر، ثم بواسطة الكتب والصحف ومحطات الإذاعة والتلفزة. إن تلك الأشياء تبدو كعرض متجمد بالمقارنة مع عصر شبكة الإنترنت التي يمكنها نشر نظريتك عن المؤامرة خلال دقائق فتصل إلى ملايين البشر”. كذلك يرى شيرمر أنه على مدار عقود عدة، دأب مروجو نظريات المؤامرة المتعلقة باغتيال جون إف كينيدي على عقد اجتماعاتهم في غرف مغلقة بحضور عدد محدود من الناس. وكذلك اعتادوا طبع منشوراتهم وكتبهم على آلات الـ”ميموغراف” البدائية، قبل أن يتولوا نشرها بأنفسهم. لم يحوزوا سوى قلة من المتابعين.

في المقابل، يمكنك اليوم أن تجذب ملايين المتابعين بين ليلة وضحاها، كذلك تستطيع إنتاج أشرطة فيديو تكون أكثر إقناعاً من نشرات مطبوعة بالحبر.

وفي الجانب الإيجابي، يرى شيرمر أنه يمكن لأمثالنا من الأشخاص الذين يرغبون في معرفة الحقيقة التصدي للأطروحات الزائفة بالسرعة نفسها وباستخدام التقنيات ذاتها، لكن يتوجب بادئ ذي بدء تحديد ما الذي نعنيه بتعبير “مؤامرة”؟ وإذا صنفنا شيئاً ما بوصفه مؤامرة، فهل يعني ذلك بالضرورة أنه غير حقيقي؟

ويستطرد شيرمر ليشير إلى “أن المؤامرة تعني قيام شخصين أو أكثر أو منظمة ما بالتخطيط سراً لفعل شيء ما يستهدف طرفاً ثالثاً أو منظمة أخرى بغية تحقيق مكسب غير قانوني أو غير أخلاقي، أو بهدف الحصول على سلطة.

وتقدم نظرية المؤامرة تفسيراً عن حوادث مرتبطة بما سبق ذكره، بالتالي إن بعض نظريات المؤامرة قد تكون حقيقية، وبعضها زائف، لكن غالبيتها غير محددة بدقة”.

ثمة سبب معقول تماماً لعدم الثقة في السلطات، خصوصاً أن عدداً منها يتأمر بالفعل للإتيان بأشياء بعضها غير قانوني أو غير أخلاقي، بالتالي يجدر افتراض الأسوأ ولو من باب التحوط.

وبحسب شيرمر، فإن تعيين الحقيقي الزائف أمر يرتبط بمشكلة “التعرف على مؤشر الحقيقة”. ومن أجل التعرف على كيفية التمييز بينهما، يقترح تجريب المنطق التالي:

  • هناك نظرية مؤامرة حقيقية وحددتها بأنها كذلك. أصبت
  • هناك نظرية مؤامرة حقيقية لكنك فشلت في التعرف عليها. أخطأت
  • هناك نظرية مؤامرة زائفة لكنك حددتها بأنها حقيقية. رد فعل إيجابي، لكنه زائف
  • هناك نظرية مؤامرة زائفة وتعرفت عليها بوصفها زائفة. رد فعل رافض صحيح

وكذلك يورد شيرمر أن محاجتته تستند إلى أن الناس يكثرون من ردود الفعل الإيجابية الزائفة انطلاقاً من مقولة “التحوط بالأمان أفضل من الأسف [على عدم فعل ذلك]”.

خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ألصق تصنيف “منظروا المؤامرة” على مجموعة كبيرة بشكل متخبط، إلا أن المصطلح استخدم بشكل مثير للازدراء خلال خمسينيات القرن الماضي وستينياته، خصوصاً في أعقاب اغتيال كينيدي عام 1963.

إذ يذكر شيرمر بأن جي إدغار هوفر [مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي “أف بي أي” بين عامي 1935 و1972] وطواقم الـ”أف بي أي”، أرادوا النأي بالتحقيقات [المتعلقة باغتيال كينيدي] بعيداً من نظرية وجود مؤامرة لاغتيال الرئيس.

ولا يرجع ذلك إلى وجود مؤامرة من ذلك النوع بالفعل، بل بسبب اعتقادهم بوجود إمكانية لنشوب نزاع مع كوبا والروس، إضافة إلى أن الرئيس جونسون أراد تهدئة أجواء علاقات أميركا الخارجية.

ويضيف شيرمر، “قبل الحرب العالمية الثانية، استخدم مصطلح “صاحب نظرية مؤامرة” في وصف عديدين لأن الاعتقاد بالمؤامرات شكل جزءاً من المعلومات العامة، واندرج ضمن النظريات العامة عن المعرفة.

وآنذاك، بدا الجميع كأنهم “يعرفون” أن حوادث هائلة كالحرب العالمية الأولى، والكساد العظيم [الركود الاقتصادي العالمي الذي سبق الحرب العالمية الثانية] والجائحات والانتخابات الرئاسية والقرارات المهمة التي يتخذها الكونغرس الأميركي، يجري التلاعب بها كلها من قبل قوى مبهمة تعمل في الخفاء، على غرار [المزاعم التي أوردتها] رواية “المستنيرون” وما يشابهها.

وفي سياق متصل، يستعيد شيرمر أن فكرة المؤامرات كانت رائجة في الماضي، وتشكل تياراً مألوفاً. لم يتغير ذلك الوضع إلا بعد الحرب العالمية الثانية حين دفعت تلك الفكرة إلى الهامش في الفكر. وفي كتابه، يحاول شيرمر وضع الأمور في نصابها الصحيح لأنه ثمة مؤامرات بالفعل، بالتالي يكون من المنطقي افتراض أن بعض نظريات المؤامرة حقيقية.

ويضيف، ” ثمة سبب معقول تماماً لعدم الثقة في السلطات، خصوصاً أن عدداً منها يتأمر بالفعل للإتيان بأشياء بعضها غير قانوني أو غير أخلاقي، بالتالي يجدر افتراض الأسوأ ولو من باب التحوط. ليست غلطة باهظة الكلفة أن نفترض صحة أحد نظريات المؤامرة حينما لا تكون كذلك، بينما قد يكلفك غالياً أن لا تدرك وجود مؤامرة حقيقية تحاك ضدك”.

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي برزت ظاهرة عدم الثقة في ما هو متداول وتوجه الناس نحو مصادر الأخبار غير الرسمية والمعلقين غير الرسميين. وتبين أن إحدى الأطروحات المتكررة التي يرددها معارضو اللقاح أو من ينكرون وجود فيروس “كوفيد-19” خلال فترة الجائحة، تتمثل في القول، “لقد أجريت بحثي الخاص. لا تثقوا بوسائل الإعلام السائدة”. يشكل ذلك وضعاً يصفه شيرمر بأنه “مزعج”.

في نفس مشابه، يشدد شيرمر على أن عدم الثقة بوسائل الإعلام السائدة، ومؤسسات التعليم العالي، إضافة إلى الكونغرس والرئاسة، يعد أمراً مزعجاً. ووفق رأيه أيضاً، ثمة أدلة تظهر أن ما يحدث الآن أسوأ مما حدث في الماضي. ويرجع شيرمر ذلك بشكل مؤكد، نتيجة تأجيج وسائل التواصل الاجتماعي مشاعر الانقسام في أوساط البشر.

في سياق متصل، يبين شيرمر أن الناس سيلجأون إلى تعريف أنفسهم بأنهم “محققون” أو “باحثون” أو “علماء مستقلون”، بغية أن يتميزوا عن المصادر التي يعتبرها شيرمر موثوقة كمراكز البحث التابعة للجامعات والصحف المحترمة أو شبكات الأخبار التلفزيونية.

ويضيف شيرمر أن المشكلة في أولئك المفكرين المستقلين تتمثل في أنهم عرضة لانحيازات معرفية مماثلة لتلك الموجودة لدى المؤسسات السائدة (الانحياز للجانب الذي أنتمي اليه، أو الانحياز إلى المعلومات التي تؤكد الفكرة التي أعتقد بها، أو الانحياز الاسترجاعي، بمعنى استعادة حدث غير متوقع كأن عواقبه كانت سهلة التوقع، وغيرها) من دون أن يحاول الشخص مراجعة المواد المتوفرة لديه سعياً لتأكد من الحقائق أو التثبت من الاقتباسات، والعمل على إعادة تحرير تل المواد، وما إلى ذلك.

ووفق شيرمر، لا أحد يعتقد أن هؤلاء [المفكرين المستقلين] على خطأ، أو أنهم مدعون، أو علماء وباحثون زائفون. ويشبه ذلك بأن لا أحد في تاريخ العالم يعتقد أنه انضم إلى مذهب [بمعنى منظومة من القيم تتمحور حول شخص أو معطى معين]، أو جماعة محددة، اعتقاداً منهم بأنها ستجعل العالم مكاناً أفضل بالنسبة له (أو قد تحسن أحواله المادية، أو حياته العاطفية، أو غير ذلك). واستطراداً، نحن لا ندرك أننا مخطئون إلا عبر إدراك متأخر.

واستكمالاً، يتمثل ما يفعله كتاب شيرمر بالخوض في الأسباب التي تجعلنا نعرف لماذا نحن مستعدون للاعتقاد بذلك [تصديق نظريات المؤامرة]. وكذلك يمكن وصف عمل كتاب شيرمر باقتباس جملة من العمل الأشهر في ثقافة نظرية المؤامرة، وهو دراما الخيال العلمي “ملفات سرية”، إذ تنص تلك الجملة على “أن الحقيقة موجودة دائماً في مكان ما”. ويرى شيرمر أن جزءاً من سبب تفكيرنا بوجود المؤامرات مرده تراجع مستويات ثقتنا خلال السنوات الأخيرة، في من يمسكون بالسلطة.

وببساطة، لا يؤمن الناس بأن السياسيين يطلعونهم على الحقيقة. ولذا، فإنهم على استعداد للجوء إلى مصادر معلومات بديلة توفر لهم رؤى فكرية بديلة. ولدى التدقيق في جذر ذلك الأمر [عدم الثقة بأصحاب السلطة]، نصل إلى مكان ولادة نظريات المؤامرة.

ووفق شيرمر، تأتي الإجابة عن السؤال المطروح في البداية [سبب الميل إلى تصديق نظريات المؤامرة] بسيطة للغاية. ومن المستطاع تلخيص الإجابة بأنه إذا قدم الجميع الحقيقة، وصدقنا جميعاً بأن ما قدم هو الواقع بالفعل، فلن تكون هناك حاجة إلى نظريات المؤامرة.

المصدر : “إندبندنت عربية”

تم وضع علامة:
شارك هذه المقالة
ترك تقييم