في ظل التطورات السريعة في مجال التكنولوجيا، تعدّ تقنيات الذكاء الاصطناعي من بين أبرز الابتكارات التي تؤثر بشكل كبير على بيئة العمل وسوق العمل بشكل عام.
تثير الاستخدامات المحتملة للذكاء الاصطناعي في المهام اليومية تساؤلات حول تأثيرها على الوظائف والموظفين. فيما تشير أبحاث حديثة إلى أن الموظفين قد يكونون يستخدمون التكنولوجيا المتقدمة هذه في المهام المهمة بشكل سري، نظرًا لخوفهم من أن يجعلهم هذا يبدون قابلين للاستبدال.
يعكس هذا التوجه تحولًا في نظرة الموظفين إلى استخدام التكنولوجيا، حيث تظهر مخاوف حقيقية من الأثر الاقتصادي والاجتماعي المحتمل للتطور التكنولوجي.
المخاوف من فقدان الوظيفة أو الاستبدال بواسطة التكنولوجيا تدفع بعض الموظفين إلى استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل سري أو غير رسمي في العمل اليومي. تعكس هذه الظاهرة توترات داخلية تواجه العاملين في مختلف القطاعات وتتطلب مناقشة أوسع نطاقًا حول مستقبل العمل وتأثير التكنولوجيا على البيئة العملية.
مخاوف
وصل استخدام الذكاء الاصطناعي في مكان العمل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، إذ يصر العمال على المضي قدماً في توظيفه في جداولهم المزدحمة، ولكن المخاوف بشأن التكنولوجيا الناشئة التي تحل محل الوظائف لا تزال موجودة، وفقًا لبحث جديد أجرته Microsoft وLinkedIn نشرت تفاصيله شبكة “سي إن بي سي” الأميركية.
أصدرت Microsoft وLinkedIn مؤشر اتجاه العمل السنوي يوم الأربعاء الماضي، والذي نظر في تأثيرات الذكاء الاصطناعي على سوق العمل من خلال استطلاع آراء 31000 شخص في 31 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والهند وسنغافورة وأستراليا والبرازيل.
وجد البحث أنه على الرغم من أن 75 بالمئة من العمال يستخدمون الذكاء الاصطناعي في مكان العمل، إلا أن أكثر من نصف المشاركين لا يريدون الاعتراف بأنهم يستخدمونه في أهم مهامهم.
وذلك لأن 53 بالمئة ممن يستخدمون الذكاء الاصطناعي في العمل في أهم مهامهم يشعرون بالقلق من أن ذلك يجعلهم يبدون قابلين للاستبدال.
بالإضافة إلى ذلك، يشعر ما يقرب من نصف المهنيين بالقلق من أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل وظائفهم ويفكرون في ترك وظائفهم الحالية في العام المقبل.
ونقلت الشبكة عن المدير العام لشركة Microsoft Copilot والمؤسس المشارك لـ Microsoft WorkLab، كوليت ستالباومر، قوله:
إن العمال بحاجة إلى التغلب على مخاوفهم والبدء في تبني الذكاء الاصطناعي.
”كلما تمكنت كموظف من التعمق والتعلم، كلما أصبحت أفضل حالاً”.
أسباب نفسية
من جهته، أوضح مدير تحليل البيانات في شركة Diamond Professional Consultants، أحمد الدسوقي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الهدف الأساسي من استخدام الذكاء الاصطناعي هو تسريع الأعمال وتحسين جودة الإنتاج المُقدم.
وتابع: “على سبيل المثال، أحد الموظفين يعمل في مجال البرمجيات، قد احتاج كوداً معيناً، وبدلًا من البحث عن هذا الكود على محرك البحث غوغل أو المنتديات المتخصصة، لجأ إلى استخدام الذكاء الاصطناعي بسهولة، بالتالي هو يستطيع أن يوفر هذا الكود ليكمل مهمته، وبهذا يكون قد أنجز العمل بشكل أسرع”. وهذا ينطبق على كثيرٍ من المن التي يتداخل معها الذكاء الاصطناعي.
وقال إن هذا يعكس أن استخدام الذكاء الاصطناعي مهم وإيجابي بالنسبة للموظف أو صاحب العمل، مشيرًا إلى أن الحلول الذكية وجدت من أجل تسريع وتيرة الحياة وتقديم المنتجات والحلول والأعمال والخدمات المختلفة بشكل أكثر ذكاء.
فيما استنكر وجهة النظر الشائعة بشأن أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى اندثار الأيدي العاملة، موضحًا أن المطلوب هو أن تلك الأيادي تبدع وتنشئ وتتعامل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتضيف لها ابتكارات العقل البشري ليحسن المنتج الذي يتم تطويره والخدمات.
كما أكد أن من يعمل بالذكاء الاصطناعي لا يخفي ذلك طالما أنه يستخدمه بشكل مشروع في تطوير الأعمال، ووفقا لتراخيص الشركة المنتجة لتطبيق الذكاء الاصطناعي، سواء كان مجانيًا أو برخصة، وتوظيفه في تحسين الأعمال.
وفسر إخفاء بعض الموظفين استخدامهم الذكاء الاصطناعي في أداء مهامهم عن أصحاب العمل، بأنه سلوكًا نفسيًا بالأساس يرجع إلى سببين، وهما:
الخوف: بعض الموظفين يكون لديهم تخوف من أن اعتمادهم على الذكاء الاصطناعي قد يولد انطباعاً لدى صاحب العمل بأنهم يفتقرون المهارات، ما يجعله يخفي ذلك حتى يرى صاحب العمل أنه اعتمد بشكل كامل على نفسه لإنهاء العمل المكلف به.
السعي للحصول على مكافأة: الموظف يسعى بهذه الطريقة أن يثبت أنه أدى العمل كاملًا بنفسه، وبالتالي يُثاب ويكافأ عليه.
وتوقع أنه خلال عام من الآن سيكون من الطبيعي شيوع استخدام الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه، مؤكدًا أن السلوك النفسي هذا سينتهي، وأن أصحاب الأعمال سيطالبون الموظفين استخدام الذكاء الاصطناعي للإسراع من الأعمال.
توظيف عمال يتمتعون بقدرات الذكاء الاصطناعي
وبالعودة لتقرير شبكة “سي إن بي سي” الأميركية، فقد ذكر أن معدل توظيف المواهب التقنية في مجال الذكاء الاصطناعي ارتفع بنسبة 323 بالمئة خلال السنوات الثماني الماضية، وفقًا للبحث المشار إليه. لكن الطلب مرتفع أيضًا على العمال من خلفيات غير تقنية والذين يعرفون كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وMicrosoft Copilot.
أظهرت الدراسة أن 66 بالمئة من أرباب العمل قالوا إنهم لن يوظفوا شخصًا لا يتمتع بمهارات الذكاء الاصطناعي وأن 71 بالمئة منهم يفضلون توظيف عامل أقل خبرة يتمتع بمهارات الذكاء الاصطناعي بدلاً من شخص أكثر خبرة بدونها.
وعلى الرغم من أن أصحاب العمل يقدرون معرفة الذكاء الاصطناعي في مكان العمل، إلا أنهم لا يتخذون نهجًا نشطًا لتطوير مهارات الموظفين.
ما يقرب من نصف المديرين التنفيذيين في الولايات المتحدة لا يستثمرون حاليًا في أدوات أو منتجات الذكاء الاصطناعي للموظفين، ويخطط ما يزيد قليلاً عن ربع الشركات لتقديم التدريب على الذكاء الاصطناعي التوليدي هذا العام.
في الوقت نفسه، تلقى 39 بالمئة فقط من الأشخاص الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في العمل على مستوى العالم تدريبًا على الذكاء الاصطناعي من أصحاب العمل.
استخدام الـ AI
وعلى الرغم من بعض المخاوف، يدرك الموظفون المزايا التي توفرها أدوات الذكاء الاصطناعي ويستخدمونها للتقدم في حياتهم المهنية.
يقول أكثر من ثلاثة أرباع المهنيين أنهم بحاجة إلى مهارات الذكاء الاصطناعي ليظلوا قادرين على المنافسة في سوق العمل، وأن ذلك سيتيح لهم الوصول إلى المزيد من فرص العمل.
يقول ما يقل قليلاً عن 70 بالمئة أن ذلك يمكن أن يساعدهم في الحصول على ترقية بشكل أسرع.
بيئة غير محفزة
فيما قال خبير تكنولوجيا المعلومات وشريك الأعمال في شركة Semicolon ltd، محمد الحارثي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن بيئة الأعمال مازالت غير محفزة ومشجعة للاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى أنه قبل وجود الذكاء الاصطناعي كان الموظف يحتاج وقتًا أكبر للانتهاء من أداء مهامه، لكن توافر أدوات الذكاء الاصطناعي المساعدة جعلته يحقق الهدف بصورة أسرع، مؤكدًا أن استخدامه تلك الأدوات لا يعني أنه اقتبس على سبيل المثال أو حصل على حق غير حقه، لكنه استطاع أن يكون الإطار العام في وقت أقل دون الحاجة لبذل مجهود، مقابل توفير هذا المجهود والوقت لاستكمال المهمة والإبداع فيها.
وأوضح أن هناك فارقاً بين استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للاقتباس أو أن الموظف استخدمها لتسهيل مهمته، لذا لابد أن تبدأ بيئات العمل أو الشركات أن تٌعرف العاملين الأدوات المسموح لهم استخدامها وفي أي إطار أو سياق، وأن تدربهم عليها أيضًا.
وذكر أن الشركات عند قيامها بذلك لن يلجأ الموظف مرة أخرى إلى أن يستخدم الذكاء الصناعي بشكل سري، وبالتالي يفصح عن الأدوات المستخدمة في كل مهمة يقوم بها، فلم يعد من المقبول عدم الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي في ظل توافرها.
وأكد أن المهارة في الوقت الحالي اختلفت وتطورت، ولابد من توافر المهارة إلى جانب استغلال الذكاء الاصطناعي للتسهيل على الموظفين، مشددًا على ضرورة أن تحفز المهارة وتتطور وفقا لتطور الأدوات والأساليب.