رصد تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، تراجع حجم التجارة الخارجية لروسيا “مع الشركاء الرئيسيين”، ومن بينهم تركيا والصين في الربع الأول من هذا العام، وأعزى ذلك إلى نتائج استهداف الولايات المتحدة البنوك الدولية التي تساعد روسيا في الحصول على منتجات مهمة لدعم جهودها الحربية.
لكنّ تقرير الصحيفة في الوقت نفسه لم يُبرز الإحصاءات المرتبطة بحجم التبادلات التجارية التي تمت مع وسطاء، وتَمَكُن موسكو من “التحايل على العقوبات” من خلال الاعتماد على أطراف ثالثة، بما سهّل من تدفق البضائع الغربية إلى البلاد الخاضعة لعقوبات غربية منذ الحرب في أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام 2022.
وبحسب المعلومات التي ذكرها التقرير -على لسان مسؤولين غربيين وثلاثة من كبار الممولين والمستثمرين الروس- فإن الإجراءات الأميركية التي تم تنفيذها في أواخر العام الماضي، دفعت المقرضين إلى التخلي عن نظرائهم الروس وتجنب المعاملات في مجموعة من العملات.
وهو ما ذكرته المسؤولة بوزارة الخزانة الأميركية، آنا موريس، والتي قالت: “لقد أصبح من الصعب على روسيا الوصول إلى الخدمات المالية التي تحتاجها للحصول على السلع”، مشددة على أن ذلك كان هدفاً من أجل جعل تدفق الأموال أكثر صعوبة، وزيادة التكلفة على الروس.
ووفق المسؤولين والممولين الذين نقلت عنهم الصحيفة، فإن “الالتفاف على القيود يتطلب الآن شبكة متنامية من الوسطاء لتجنب التدقيق التنظيمي حتى لو كانت المعاملات لا علاقة لها بآلة الحرب الروسية، مع زيادة تكاليف تحويل العملة والعمولات”.
تهدف الإجراءات الأميركية إلى استهداف البنوك في البلدان التي سجلت ارتفاعات حادة في التجارة مع روسيا بعد أن فرض الغرب عقوبات في أعقاب الحرب في أوكرانيا قبل أكثر من عامين.
أخبار ذات صلة التحويلات عبر الوسطاء
في هذا السياق، يقول الاستاذ بكليه موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الولايات المتحدة نجحت جزئياً في فرض قيود على التحويلات من وإلى روسيا، فعلى سبيل المثال هناك أنباء كثيرة عن رفض المصارف التركية فتح حسابات للمواطنين الروس أو استقبال التحويلات (بالدولار)، ثم في نهاية المطاف تم استئناف التحويلات ولكن بعد مراجعات دقيقة والتأكد من أنها غير مرتبطة بسلع خاضعة للعقوبات، كذلك هناك أنباء عن رفض المصارف الصينية إجراء التحويلات بالدولار مع روسيا لأن تحويلات الدولار يمكن رصدها بسهولة من جانب الولايات المتحدة، ولذلك يتم اعتماد العملات الوطنية، وتحديداً اليوان الصينية.
وتتخذ السلطات الروسية إجراءات لدعم احتياطات العملة الأجنبية بالبلاد، وهي في سبيل ذلك على سبيل المثال مددت مفاعيل قرار يفرض على كبار المصدرين تحويل الجزء الأكبر من إيراداتهم من العملات الأجنبية إلى الروبل، لعام إضافي دعما للعملة الوطنية. وكانت موسكو قد فرضت ضوابط صارمة على رأس المال دعما للروبل في العامين الماضيين على خلفية فرض الغرب عقوبات مالية شاملة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
ويضيف القليوبي: “يمكن القول إن الولايات المتحدة نجحت في التضييق على المعاملات المالية الروسية، لكن في الوقت نفسه هي لم تستطع إيقافها، ففي الوقت الذي تفرض فيه عقوبات جديدة تجد روسيا أساليب بديلة للالتفاف على هذه العقوبات (..)”.
ويستطرد: “الغرب تمكن من خفض التجارة الخارجية الروسية، لكنه لم يتمكن من إحداث انهيار للاقتصاد الروسي أو قطع التجارة الخارجية عن موسكو”.
ويستشهد القليوبي بالمثل الروسي القائل (هناك كذب، وهناك كذب فاضخ، وهناك إحصاءات.. الإحصاءات لا تكذب لكنها تخادع)، مشيراً إلى أن الإحصاءات ربما تشير إلى تراجع التجارة لكن فعلياً هناك تحويلات تتم عبر وسطاء لا تشملها تلك الإحصاءات. تراجع الصادرات
ويشار إلى أن صادرات تركيا من السلع الأساسية -ومنها مواد مخصصة للاستخدام المدني في الأساس ولكنها تعتبر بالغة الأهمية للمجهود الحربي، مثل الرقائق الدقيقة – إلى روسيا وخمس دول سوفييتية سابقة ارتفعت بعد الحرب في أوكرانيا، وصولاً إلى 586 مليون دولار في العام 2023، أي بزيادة خمسة أضعاف عن أحجام ما قبل الحرب. لكن البيانات الخاصة بالربع الأول من العام الجاري 2024 تُظهر تراجعاً ملحوظاً في الصادرات التركية إلى روسيا والبلدان المجاورة لها بنسبة تصل إلى 40 بالمئة، وبما يظهر تأثير الأمر التنفيذي، وفق تقرير الصحيفة البريطانية.
الانخفاض الحاد في الصادرات المرتبطة بالحرب يعود بشكل أساسي إلى خوف البنوك من التداعيات المحتملة والإجراءات من جانب الولايات المتحدة، التي يمكن أن تتعقب أية معاملة بالدولار وتشل المقرضين من خلال استبعادهم من النظام المالي القائم على الدولار، بحسب مسؤولين وخبراء أميركيين.
يمكن لوزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات ثانوية على المقرضين إذا اشتبهت في أنهم يتعاملون مع شركات محظورة بسبب صلاتها بالقطاع الصناعي العسكري الروسي.
الزميلة غير المقيمة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إيلينا ريباكوفا، أشارت في هذا السياق، إلى أن الولايات المتحدة تتمتع بالفعل بنفوذ على القطاع المالي.. يمكنها اكتشاف ما إذا كنت ترتكب خطأً ما، حتى لو كان أصغر بنك، إذا كنت مرتبطًا بالدولار بطريقة أو بأخرى.. لذلك هذا يخيف المصارف.
ووفق تقرير الصحيفة البريطانية، فلقد كان للقيود المفروضة على المدفوعات تأثير مخيف يتجاوز بكثير تجارة الظل في مكونات آلة الحرب الروسية، حيث قامت البنوك بقطع فئات كاملة من المعاملات مع موسكو بدلاً من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية. بينما تحول التجار الروس إلى البنوك الأصغر والعملات البديلة مع ابتعاد البنوك الكبرى في دول مثل تركيا والصين. العقوبات الغربية
وإلى ذلك، يشير الباحث الروسي المتخصص في الشؤون الدولية والعلاقات الدبلوماسية، ديمترى بريجع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن:
الاقتصاد الروسي يواجه مشكلات بسبب ما يحدث الآن من فرض عقوبات على روسيا والشركات المرتبطة بالنشاط التجاري الروسي.
من الطبيعي أن يحدث ذلك في ظل تداعيات ما تسميه روسيا بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ومع التغيرات الكثيرة التي حدثت بعد 24 فبراير 2022.
طبيعة الاقتصاد الروسي أنه اقتصاد متقلب في كثير من المؤشرات (..) لكنه أكثر استقراراً من اقتصاد بعض الدول الأخرى.
تراجع التدفقات المالية في الربع الأول (مع الشركاء الرئيسيين) من السنة له مؤشرات مرتبطة بتلك التغيرات والتقلبات (ومن بينها أثر العقوبات والتضييق على التدفقات الواردة إلى روسيا).
منذ مارس 2023 ، كان هناك انخفاض في المدفوعات الواردة في جميع قطاعات الاقتصاد تقريباً (..) الاستثناء الوحيد للاتجاه العام للتباطؤ هو قطاعات الاقتصاد المتعلقة بالدولة والمشتريات العامة.
النشاط الاستهلاكي للسكان في نهاية الربع أيضا لا يشير إلى تحسن ملحوظ بسبب المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات الغربية.
ويضيف: “الغرب حاول الضغط على روسيا من خلال فرض عقوبات، لكنه فشل.. الآن روسيا لديها صفقات مع الصين وإيران والهند وهناك تعاون كبير عبر تكتل بريكس.. موسكو في السنوات الأخيرة -منذ ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014- عملت على إيجاد الحلول لتخطي فكرة العقوبات، بعدما اختارت أن تكون بعيدة عن الغرب”. صمود روسي
على الجانب الآخر، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد قال إن:
البيانات الاقتصادية في بداية العام جاءت أعلى من التوقعات.
الناتج المحلي الإجمالي للبلاد قد سجل نموا بنسبة 6 بالمئة في الفترة من يناير إلى فبراير الماضي على أساس سنوي.
“البيانات في بداية العام كانت أعلى من التوقعات التي قدمتها الحكومة وبنك روسيا وبعض الخبراء، إذ نما الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 6 بالمئة على أساس سنوي”.
إيرادات الميزانية الفيدرالية الروسية ارتفعت تضاعفت مرة ونصف المرة في الفترة من يناير إلى مارس على أساس سنوي.
النمو الاقتصادي يؤثر بشكل إيجابي على الميزانية الفيدرالية، إذ تجاوزت إيراداتها هذا العام مستوى العام الماضي بشكل كبير، وعلى وجه الخصوص ارتفعت الإيرادات غير النفطية والغاز بنسبة 43 بالمئة في الربع الأول من 2024.
النشاط الصناعي في روسيا يتحسن، إذ ارتفع بنسبة 8.5 بالمئة في فبراير.