لأول مره منذ انطلاقة التظاهرة النسائية العالمية للتوعية بدواعي ومخاطر الإصابة بسرطان الثدي في 2006، التي تعرف بحملة أكتوبر الوردي كشعار من أجل رفع الوعي بمخاطر سرطان الثدي، توجهت ناشطات سودانيات وهن يرتدين الزي الزهري “الوردي” نحو مراكز إيواء الأسر النازحة من حرب الخرطوم المنتشرة في ولايات السودان المختلفة، فضلاً عن التركيز على مدينة ود مدني بولاية الجزيرة لما تحويه من عدد كبير من المراكز فاق الـ600 مركز موزعة على محليات الولاية.
لكن الحرب الدائرة في العاصمة الخرطوم وما ترتب عليها من نزوح، جعل أنظار الناشطات اللاتي يعملن في مجال العمل النسوي تتوجه نحو مراكز الإيواء لتنظيم الفعاليات فيها بعد إغلاق المدارس والجامعات، التي كانت تعج خلال هذا الشهر بأنشطة تنادي بضرورة تفادي سرطان الثدي وكيفية محاربته والوقاية منه.
دائرة الخطر
مديرة مركز “سيما” لحماية حقوق المرأة والطفل الناشطة الحقوقية ناهد جبر الله، قالت إن “حملة أكتوبر الوردي هذا العام جاءت مختلفة في السودان بسبب الظروف القاهرة التي تتعرض لها المرأة السودانية نتيجة للمعارك الدائرة في الخرطوم التي أجبرت آلاف الأسر إلى النزوح، إلى جانب تدهور الأوضاع الأمنية والصحية وفقدان المأوى والغذاء، فجميعها تراكمت لتزيد من معاناة نساء السودان بخاصة مريضات سرطان الثدي وهن يعانين من انعدام مواصلة العلاج وفرص التشخيص واكتشاف المرض مبكراً، وهذا يوضح أثر الحرب وغيرها من العنف والانتهاكات التي تتعرض لها المرأة مع استمرار الحرب”.
وأضافت، “اخترنا هذا العام شعار (تسلم بلدنا وتسلمي أنت) وهو دلالة توضح أهمية السلام وأثره في أبسط مقومات الحياة، وعلى رغم الحرب العبثية التي نعاني خلالها من ممارسة العمل، إلا أننا توجهنا في قافلة نسائية إلى ولاية الجزيرة يقيناً منا بأن المرأة تعاني داخل معسكرات النزوح، بخاصة مريضات سرطان الثدي للتكدس والضغط النفسي وحالة الاكتئاب التي تتعرض لها، لذلك استهدفنا نحو ستة مراكز تعد الأكثر اكتظاظاً بالأسر النازحة”.
وتابعت جبر الله، “سنبذل أقصى مجهودنا خلال هذا الشهر ليكون أكتوبر الوردي للمرأة بالفعل مختلفاً، فضلاً عن كثرة المواجع عليها، التي وضعتها في دائرة الخطر، فمن لم تمت بالرصاص الطائش والدانات من جراء القصف الجوي والمدفعي العشوائي، تموت بالقهر وبالعبث المتواصل بين الجنرالات”.
رعب وخوف
تقول المواطنة السودانية صديقة عبدالرحمن المصابة بسرطان الثدي، “قبل 20 عاماً أحسست بوجود كتلة في ثديي، وكنت أجهل أنها أورام سرطانية، فقد شعرت بوجودها صدفة وأنا في عمر 27 سنة، وبعد إحالتي إلى عيادة متخصصة أكدت الفحوصات أن المرض ينتشر وتقرر خضوعي لعلاج كيماوي، وفي بادئ الأمر عانيت كثيراً خلال هذه الفترة وهي معروفة لدى الجميع منها قلة النوم وفقدان الشهية وتساقط الشعر والنحافة إلى جانب فقدان تام للمناعة”.
وأضافت، “العلاج الكيماوي لم يقض على الخلايا السرطانية، لذلك تم إخطاري بضرورة التدخل الجراحي واستئصال الثدي”.
وواصلت “بالفعل أجريت العملية وبعد الخضوع لعلاج امتد سنوات تعافيت وتم القضاء على المرض الذي كان من الممكن أن ينتشر إذا ما استسلمت للإحباط واليأس، فضلاً عن الدعم النفسي من زوجي، إذ تجاوزنا المحنة وتعايشت وكأني لم أصب بهذا المرض الذي إذا ذكر اسمه فقط يثير الرعب والخوف”.
ونوهت إلى أن الفكرة السائدة عن المرض، بأنه يصيب النساء اللاتي بلغن سناً متقدمة، غير صحيحة، فالحقيقة أن المرض يصيب المرأة في سن مبكرة من العمر ويجب التعامل معه مهما بلغت خطورته لأن التفاؤل دليل للتعافي، كذلك من المهم تجنب الضغط النفسي الذي بات ملازماً للسيدات وهن يعشن فترة حرجة من نزوح وترك منازلهن والتعايش مع أسر عانت كثيرات من الاحتكاك والمشاجرات معها”.
عادات ضارة
الطبيبة السودانية المتخصصة في علاج الأورام ليلي عراقي قالت “سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطانات شيوعاً، بل من ضمن خمسة أورام تسبب الوفاة، وتصاب المرأة بالمرض خلال الفترة العمرية التي تتراوح بين 25 إلى 49 سنة، ومن أبرز مسبباته تأخر الدورة الشهرية وعدم الرضاعة الطبيعية”.
ومضت في شرحها، “هناك دراسات رسمية تشير إلى أنه توجد سيدة من بين ثمان أنجبن تصاب بالمرض، كما توضح الإحصاءات وصول ألف حالة مصابة بهذا المرض إلى المستشفيات سنوياً”.
وذهبت عراقي إلى أن أعراض المرض كثيرة من أبرزها ممارسة العادات الضارة بخاصة “الخفاض” أي ختان الإناث الفرعوني الذي له دور كبير في الإصابة بالمرض، وتحديداً في الريف نظراً لسيطرة المفاهيم الخاطئة التي تنادي بضرورة ختن الإناث.
وحثت على ضرورة الكشف المبكر، لكنها تدرك أن هناك صعوبات تواجه كثيراً من الفتيات بسبب الحرب في العاصمة الخرطوم وخروج المستشفيات من الخدمة وتحويلها إلى ثكنات، مما زاد تفاقم أزمة السيدات وإجبارهن على النزوح للولايات التي تفتقر إلى العناية والأجهزة المتطورة، إضافة لعدم توفر العلاج اللازم، وقد تسوء الحال وتصبح نسبة الوفيات في أوساط السيدات المصابات بالمرض كبيرة.
وطالبت النساء عند الشعور بأعراض أو تغيرات في الجسم بخاصة خلال هذه الفترة الصعبة التي تشهدها البلاد، مراجعة الطبيب المتخصص بالأورام، موضحة أهمية رفع الوعي وتغيير نمط الحياة واتباع نظام غذائي سليم قليل الدسم واستخدام الأدوية الوقائية المضادة لهرمون الأستروجين التي تقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي، فضلاً عن ضرورة تناول السيدات اللاتي بلغن من العمر الـ40 سنة وما فوق الإسبرين، لأنه بحسب الدراسات المتخصصة بأبحاث الوقاية يحد من الإصابة بهذا المرض”.