التجاهل مفيد أحياناً..
أغلب المجتمعات لا تخلو من أناس يصنفون بفقراء العقول نمواً، وترعرعوا على أن الحياة فرصة، والحظ لا يأتي إلا مرة واحدة في الحياة، وإن أضاع تلك الفرصة، ضاع عمره ومستقبله، فهم ينتظرون ضربة حظ، لكونهم متواكلون، وليس لديهم ما يصنعون، وعلينا أن نعي، أن هناك بعض الأشخاص تتحتم الضرورة علينا ان نقوّمهم او نقاومهم بالحسم والحزم، لكونهم محسوبين علينا، فقد يكونوا من المقربين أو شركاء العمل، وهناك بعض الأشخاص، دورهم في الحياة إشعال النيران والفتن، ويسعدون بعدم استقرار الاخرين، وأنت ترى النار التي اشعلوها في العائلات أو المجتمعات ولا تراهم، يتظاهرون بالملائكية وهم أبآء الشياطين، مستخدمون للشر، يشترون الاخرين من أجل اسكاتهم على جرائمهم، يتلونون بكل ألوان الطيف، حنجرتهم قبر مفتوح، بألسنتهم وأفعالهم قد مكروا، وسم الأصلال تحت شفاههم، وفمهم مملوء لعنة ومرارة وحقد، أرجلهم سريعة إلى قتل الاخرين، ولو عن طريق تشويه سيرتهم وحسن أخلاقهم، يلبسون الباطل حق والحق باطل، في طرقهم اغتصاب وسحق لحقوق الاخرين، وطريق السلام لم يعرفوه، وخوف الله والضير ليس أمام أعينهم.
لقد فقدوا كل معاني الإنسانية، وعليك ان تكون حذراً، فلا يجب أن تقاوم النار بالنار، بل عليك أن تكون رجل إطفاء، وتستخدم وسائل الإطفاء لإخماد تلك النيران.
وهناك أشخاص أعداء للنجاح دورهم أن يتراشقون اهل النجاح بأبشع الألفاظ، وهم في الغالب مستخدمون من الآخرين، ويدخلون في حرب كلامية لا تهدأ، ويشعلون نارا لا تُطفئ، وعليك أن تقاوم هؤلاء القوم بأجمل الوسائل وهي التجاهل.
فالقوة ليست دائما في الاقوال، أو الردود، فقد قال إحد الشعراء “لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمتُه حجرًا لأصبح مثقال الحجر بدينارِ”.
وفي الحياة هناك من يُقدِّرك ويضعك في المكانة التي تستحقها، هؤلاء الناس يصنفون بالأسوياء، لكونهم عملة نادرة ومصابيح الظلام، وبهؤلاء تنموا وتزدهر وتُصلح المجتمعات والمؤسسات، وهناك من يبادلك الأحضان ويلقاك بمعسول الكلام، قال أحد الشعراء” يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً، ويَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ”.
وفي حياتنا قد يصادفنا مجتمعا لا يُقدِّر جُهْودنا، أو مديراً قد يخيّب أمَالنا ويستنزف طاقتنا، ويحطّم نشاطَنا، ونجد من يسيء إلينا وأنت من مددت يد العون له، وأحسنت معه معروفاً، فلا تضع قلبك على هؤلاء، ولا تندم على إحسان صادق بذلته، فالطيور لا تأخذ مقابل على تغريدها، وإن ما يزرعه الانسان حتماً سوف يحصده.
فلا تتسبب في تعكير صفوك، وتغيير مزاجك، بإعطاء الأشياء والمواقف فوق قيمتها، وفوق ما تستحق، وكن منحازاً للهدوء والسكينة، وكن واثق الخطوات مرفوع الرأس، فلن يضرك جهل الجاهلين، وغباء الحاقدين، يكفيك رضا رب العالمين، وشكراً لتصفيق المعجبين، ولا تكترث بكلام الحاقدين، إنما هو هباء يطير في الهواء، كزفير في يوم شتاء، وقل مع الشاعر “دع المقادير تجري في أعنتها، ولا تبيتن إلا خالي الـبـال، ما بين طرفة عين وانتباهتها، يغير الله من حال إلى حال”، وسوف تجد أن أكثر العقد قد حلت، وأشد المواقف قد تحكمت فيها، إذا استطعت أن تتصالح مع التجاهل والتغابي والتجاوز، وتركت العتاب، وعلمت أنك لست مضطرا في كل مرة على الجواب.
فالتجاهل أسلوب راقي يستخدم لفقراء العقول، وعليك أن تدير ظهرك للبعض، ليس غروراً، ولا تكبراً، ولا تجبراً, بل من أجل صحتك، وراحتك، وأعصابك، واتزان مشاعرك، ولاتفقد سلامك وأمانك، فقط التمس لهم الأعذار، واطرح اوزارهم وراء ظهرك.
واليك هذه القصة:
في يوما ما، رافق النمر صديقه الأسد ليتعلم منه الصيد، وفي الطريق انتبه بأن الضباع تلاحقهم كل الطريق، فقال النمر للأسد لماذا هم يراقبونا؟ لم يرد عليه الأسد لأنه قد وجد فريسته، فبدأت الضباع تصيح بأعلى صوتها، سأل النمر الأسد لماذا الضباع تصيح؟ فلم يرد الأسد، لقد صوب كل طاقته نحو الهدف وبدأ الهجوم على فريسته، وأخذ يركض وقد شاهد صديقه النمر أن الضباع تركض خلف الأسد، وتصيح بقوة، لكن الأسد لم يلتفت لحظة لهم حتى التقط فريسته، وبدأ يأكلها مع صديقه النمر.
أما الضباع فكانت تراقبه من بعيد وهي تصيح دون أن يلفت نظره إليهم، حتى انتهى من أكل فريسته مع صديقه النمر، ومن ثم ذهب في طريقه لتأتي من بعده الضباع ويأكلوا العظام والفضلات المتبقية من مائدة الاسد والنمر.
وجاء سؤال صديقة النمر للأسد وهو مندهش قائلا لماذا لم تلتفت على صياح الضباع كل الوقت ظننتهم سيغدرون بك ويقتلونك ؟؟!!
قال الأسد: وهل تجرؤ الضباع على مهاجمة الاسود! يا صديقي انا لست وحدي، معي صديقي وهو أنت، وأصدقائي الأسود.
اسمع عزيزي القارئ لا تلتفت للضباع في حياتك، فكل ما يستطيعون فعله هو الصياح والنباح ليشتتوا انتباهك عن هدفك، لكن لن يستطيعوا أن يأخذوا شئ منك سوى ما تركت لهم كرماً منك، فلا تلتفت إلى صياح من هم أقل منك مكانةً ومقاماً، حتى لا يهدرون وقتك ويضيعون هدفك.
الدكتور القس/ جرجس عوض
كاتب ومفكر مسيحي