تريد الولايات المتحدة والهند والسعودية ودولة الإمارات والاتحاد الأوروبي إنشاء شبكة طرق تجارية جديدة عابرة للقارات، وتتبنى دول الخليج وجهة نظر براغماتية للمشروع.
جرى الإعلان عن الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا مروراً بالشرق الأوسط في قمة العشرين في نيودلهي.
بالنسبة لخالد الفالح وزير الاستثمار السعودي، فإنه مشروع ريادي: فالطريق التجاري المخطط له، الذي يمتد من الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا لا يقل أهمية عن طريق الحرير وطريق التوابل في آن واحد، كما قال الفالح في منتصف سبتمبر/ أيلول على هامش منتدى الاستثمار السعودي الهندي في نيودلهي.
في قمة العشرين (G20) في الأسبوع الثاني من سبتمبر/ أيلول، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والدول الأعضاء الأخرى في المجموعة عزمها على بناء ممر من السكك الحديدية والموانئ والمطارات يمتد من الهند إلى أوروبا، بالإضافة إلى الاتصالات الرقمية وشبكة الطاقة.
في المجموع، يمتد هذا الممر لحوالي 4800 كيلومتر، يربط الممر الشرقي الهند بالخليج العربي أو ما يعرف أيضا بالخليج الفارسي، بينما يمتد الممر الشمالي من الخليج إلى أوروبا، وتعتزم الدول العاملة في المستقبل التوقيع على إعلان نوايا مماثل في المستقبل المنظور.
الطريق التجاري المخطط له الآن طريق “تاريخي”، وفقا للفالح، وأهميته تتجاوز طرق التجارة الكلاسيكية، لأنه يتضمن العديد من المشاريع في وقت واحد، مثل الطاقة وحركة البيانات والاتصال والموارد البشرية ومسار الطيران.
و تابع الوزير، أن الطريق “يوحد الدول المتناغمة مع بعضها البعض ولها نفس العقلية والنظرة إلى العالم”.
أكثر من مجرد شراكة اقتصادية
من المرجح أن تكون كلمات الوزير تحمل في طياتها حماسا مبالغا به، بيد أنها محفزة أكثر من كونها وصفية، فبقدر ترابط المصالح الاقتصادية للبلدان المشاركة في المشروع، فإنها تختلف في التفاصيل، وخاصة من الناحية السياسية.
في قمة مجموعة العشرين، ألمح نائب مستشار الأمن القومي للحكومة الأمريكية، جون فينر، إلى ما يدور حوله المشروع في نهاية المطاف.
وقال إن الاتفاق المقترح سيفيد الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل في المنطقة ويسمح للشرق الأوسط بلعب دور مهم في التجارة العالمية.
ومع ذلك، أشار فينر أيضا إلى أن على المحك ما هو أكثر من مجرد العلاقات الاقتصادية، وقال: “لدينا نهج تجاه الشرق الأوسط ننفذه منذ اليوم الأول لهذه الإدارة، يركز على تهدئة الصراعات التي كانت موجودة لسنوات عديدة”، في إشارة على ما يبدو إلى العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وخاصة السعودية، وقد شاب العلاقة المزيد من التوتر منذ مقتل منتقد الحكومة السعودية الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.
ويرى الخبير في أمور الشرق الأوسط في مؤسسة برتلسمان كريستيان هانيلت في حوار مع “DW”، أن البيت الأبيض يحاول إيجاد مشروع مهم مواز لمشروع طريق الحرير الصيني المخطط له، كما يقول، ومن ناحية أخرى، تحاول واشنطن إشراك دول الشرق الأوسط في هذا المشروع وإبقائها كشركاء.
وقال هانيلت لـ “DW” : “تحاول الولايات المتحدة إنشاء نوع من النظام الجيوستراتيجي الجديد من خلال ممر النقل، الذي سيندمج فيه الشرق الأوسط بعد ذلك”.
لا شرق ولا غرب
ومع ذلك ، هذه مهمة صعبة ، يتابع هانيلت، فبعد كل شيء، تصرفت الدول المشاركة في الشرق الأوسط، وإسرائيل وكذلك دول الخليج وتركيا، بما يتجاوز منطق الكتلة القديمة، “إنهم يبحثون في الفوائد التي يمكن أن تأتي لهم من مواجهة الغرب مع روسيا والصين. لهذا السبب يتعين على الدول الغربية تقديم عروض كبيرة لإبقائهم إلى جانبها”.
ومع ذلك، فإن هذا صعب أيضا لأن دول المنطقة لا تريد في نهاية المطاف أن تنتسب إلى المعسكر الشرقي أو الغربي، بدلا من ذلك، يريدون تنويع علاقاتهم، والمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تريد التعاون بشكل مكثف عسكريا مع الولايات المتحدة وتقنيا مع إسرائيل، لكن في الوقت نفسه، تريد البلاد أيضا تعزيز، وقبل كل شيء، الحفاظ على صادراتها النفطية إلى الصين والهند”.
وفي الوقت نفسه، هي منفتحة للاستثمارات القادمة من الصين، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالطاقات البديلة، وبناء على ذلك، يجب أن تكون العروض الغربية للسعودية جذابة أيضا، والأمر نفسه ينطبق على إسرائيل، حيث استثمرت الصين بكثافة في الشركات الناشئة والصناعات المبتكرة في السنوات الأخيرة، كما يقول هانيلت.
ويتبنى ماركوس شنايدر، رئيس المشروع الإقليمي للسلام والأمن في الشرق الأوسط في مؤسسة فريدريش إيبرت في بيروت، وجهة نظر مماثلة، ويقول: “لقد توقفت الرياض وأبو ظبي منذ فترة طويلة عن التفكير من منطق الكتلة، فدول الخليج حافظت على العلاقات في جميع الاتجاهات”.
وأضاف: “هناك اتصالات مع واشنطن وكذلك مع بكين. والآن يقربون الهند منهم ويعززون في الوقت نفسه روابط أفضل مع أوروبا”.
وقال شنايدر لـ” DW”، إن الهدف من هذه السياسة هو جلب القوى العظمى إلى حد أنها تتنافس جميعا على الخليج، دون أن يكون الخليج نفسه مرتبطا حصريا بقوة عظمى.
وتابع شنايدر، أن خصوصا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي ظل الغرب يتجنبه لفترة طويلة بسبب مقتل خاشقجي، يحاول أن يصبح “شخصية مركزية في السياسة العالمية بمعنى أنه الوحيد في العالم الذي يمكنه أن يحافظ على علاقات جيدة بنفس القدر مع بايدن وشي ومودي وبوتين وفون دير لاين”.
الشراكات في أوقات الأزمات
ومع ذلك، فإن هذا الطابع الفضفاض بالتحديد هو الذي يسهل على الدول المهتمة الانضمام وبالتالي دمجها جزئيا على الأقل في مجتمع الدول المشاركة، وفقا لتحليل أجرته مجلة “المونيتور” الإلكترونية، التي تتعامل مع سياسة الشرق الأوسط.
وهذا يجعل الشبكة المخطط لها مختلفة بشكل كبير عن مشروع طريق الحرير معالصين. وهذا نجاح لواشنطن، لأن هذا البديل لا يجبر شركاء مثل دول الخليج والهند على اتخاذ قرار بصيغة ” إما أو”، فمثل هذا القرار، وفقا للمونيتور، لم يكن ليتخذ من قبل الدول المذكورة سابقا، وربما يرجع ذلك أيضا إلى حقيقة أن هذه البلدان قد تكيفت الآن مع حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي المتزايد.
يقول هانيل: “ففي عواصم دول الخليج لا يعرفون ما إذا كان بإمكانهم الاعتماد في نهاية المطاف على البيت الأبيض أم لا”.
فإذا انتقل شخص مثل الرئيس السابق ترامب إلى هناك مرة أخرى، فقد يتغير مسار واشنطن مرة أخرى، إنهم (أهل الخليج) يريدون أن يكونوا مستعدين لذلك، بحسب هانيلت.
وبالإضافة إلى ذلك، تواجه بلدان المنطقة أيضا تحديات اقتصادية، “بالنسبة لهم، يمثل الانتقال إلى الطاقة المتجددة تحديا كبيرا. فمن ناحية، يريدون تأمين صادراتهم النفطية للسنوات الـ 20 أو الـ 30 المقبلة. ومع ذلك، في الوقت نفسه، يريدون بدء التحول إلى الطاقات الجديدة. وللقيام بذلك، يحتاجون إلى التعاون مع الأوروبيين”، يوضح هانيلت.
ومع ذلك، يبدو واضحاً أن أبواباً كثيرة لموسكو وبكين ستبقى مفتوحة في الرياض وأبو ظبي.
المصدر: DW