“أخيرا وجدنا طبيبا نفسيا عربيا يفهمنا”.. كانت العبارة التي يكررها المراجعون العرب على مسامع الطبيب النفسي طارق دلبح، عندما يكتشفون أنه المسؤول عن جلسات علاجهم بأحد مستشفيات ألمانيا، كافية ليفكر في إنشاء منصة متخصصة في تقديم خدمات العلاج عبر الإنترنت.
درس دلبح الطب في الأردن قبل انتقاله إلى ألمانيا عام 2014، حيث اختار إتمام دراساته في الطب النفسي الذي كان يستهويه كتخصص منذ بداية مشواره الأكاديمي.
وقال دلبح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “كنت على علم بالنقص في كوادر الطب النفسي في الأردن، إضافة إلى الحاجة الكبيرة لمختصين نفسيين بكفاءة عالية، فاخترت ألمانيا لأنها تعتبر أفضل دول العالم في هذا التخصص، فأعظم أطباء الطب النفسي ألمان ونمساويون”.
وفي عام 2015، بدأ دلبح العمل بمستشفى في مدينة هامبورغ، مباشرة بعد تعديل شهادته.
اللغة الأم سيدة الفكرة
ومع مرور السنوات، لاحظ الطبيب أن فروقات اللغة والثقافة تقف عائقا بوجه المراجعين العرب في ألمانيا، عندما يحتاجون إلى التحدث مع مختص نفسي غريب عن الثقافة العربية في بلاد المهجر.
وبعد بحث صغير قام به دلبح، اكتشف 25 بالمئة، من نحو 20 مليون عربي مغترب في أوروبا والولايات المتحدة، يعانون اضطرابات نفسية ولا يجدون من يساعدهم.
ويؤكد دلبح أنه “من المهم التحدث عما يدور في خواطرنا باللغة الأم، لأن التعبير عن المشاعر والأمور الحساسة قد يكون صعبا بلغة أجنبية، والأهم من اللغة هو الشعور بأن المختص الذي أتحدث إليه يفهم ثقافتي، فلا أظن أن شخصا يعاني الاكتئاب لديه رغبة بشرح أساسيات ثقافته قبل التحدث عن معاناته مع الاكتئاب، خصوصا إذا كانت للثقافة والعائلة دور في تطور هذا الاضطراب”.
ومن هنا تولدت فكرة فتح عيادة “أون لاين”، فبعد اكتسابه خبرة في مجال الطب النفسي، وأيضا بفضل خبرة زوجته في مجال إدارة العمليات والموارد البشرية، استطاع دلبح تحويل الفكرة إلى مشروع على أرض الواقع، وأصبح لمنصة “عرب ثيرابي” صيت بين المهاجرين العرب.
وبعد إطلاق الموقع بأربعة أشهر، اضطر الطبيب الأردني إلى الاستقالة من المستشفى الألماني الذي كان يعمل به نهاية عام 2021، بسبب الضغط العالي على المنصة وللتفرغ أكثر للمرضى.
وفي المقابل، وسّع فريقه الذي أصبح يضم أطباء عربا متخصصين في الطب النفسي، متواجدين في أوروبا أو في مختلف البلدان العربية.
الاكتئاب والمهاجرون العرب حسب ملاحظات دلبح
يشير الطبيب النفسي إلى أنه عند انطلاق “عرب ثيرابي”، كان الهدف هو الوصول إلى العرب المغتربين، لكن بعد إطلاق الموقع تبين أن 50 بالمئة من المراجعين عرب مغتربون، و50 بالمئة عرب مقيمون في أوطانهم.
لاحظ مؤسس المنصة أنه حتى الآن، يعتبر الفلسطينيون والأردنيون والسوريون والعراقيون الأكثر إقبالا على خدمات “عرب ثيرابي”.
80 بالمئة من المرضى الذين يراجعون المنصة يعانون الاكتئاب والقلق.
اللاجئون ومشاكل الدعم
ورغم أن الخدمة مدفوعة الأجر بشكل رئيسي، يحاول فريق المبادرة تقديم استشارات نفسية مجانية بين الفترة والأخرى للاجئين في أماكن الحروب، مثل سوريا والعراق وقطاع غزة.
ويقول دلبح: “نقدم هذه المساعدة بشكل غير دائم، لأننا نحصل على دعم محدود من قبل المؤسسات غير الربحية لدعم اللاجئين”.
لهذا يسعى مؤسس “عرب ثيرابي” إلى ضمان استفادة أكبر نسبة من اللاجئين، عبر البحث عن منافذ للعمل مع مؤسسات رسمية أو غير حكومية التي لها علاقة مباشرة مع اللاجئين، سواء في ألمانيا أو الدول الأوروبية التي تستقبل نسبا عالية من اللاجئين والمهاجرين العرب.
وإلى جانب الاستشارات النفسية، ينشر فريق المبادرة مقاطع فيديو توعوية ناطقة باللغة العربية على منصات التواصل الاجتماعي، للتعريف ببعض الأمراض والاضطرابات النفسية وتحديد أعراضها وكيفية معالجتها.
وفي ختام حديثه، أكد الطبيب الشاب على أنه يطمح إلى أن تصبح “عرب ثيرابي” المنصة الأساسية للصحة النفسية ورغد العيش لكل العرب حول العالم، وأن تساهم في خلق الشعور بالرضا عن النفس بشكل أكبر لديهم