استغرق نجاح الذكاء الاصطناعي الذي بدا أنَّه تحقق بين ليلة وضحاها سنوات ليختمر، والآن تُظهر صفقات رأس المال الجريء وبراءات الاختراع في القطاع مدى اقتناع المستثمرين بقدرته على تغيير المشهد من جديد.
نما نشاط رأس المال الجريء وبراءات الاختراع بقوة، وإن كان بهدوء، فمنذ 2012 ارتفع عدد الصفقات عشر مرات من 332 صفقة في 2012 إلى 3884 صفقة في 2022.
أما قيمة الصفقات؛ فقفزت إلى 83 مليار دولار العام الماضي من 1.8 مليار دولار قبل عقد، وفق تقديرات “دويتشه بنك” في تقرير حديث.
وعلى المنوال نفسه زادت براءات الاختراع سبعة أضعاف خلال الفترة نفسها.
تفجرت موجة من الاهتمام بالذكاء الاصطناعي ليس بين الأفراد فقط؛ وإنما الشركات أيضاً مع إطلاق شركة “أوبن إيه آي” تطبيق “تشات جي بي تي” في نوفمبر 2022.
خالف الذكاء الاصطناعي اتجاه التراجع العالمي للتمويلات الممنوحة من شركات رأس المال الجريء لشركات التكنولوجيا الناشئة فمثلاً، أعلن أشتون كوتشر، الممثل الأميركي والمستثمر الجريء، عن صندوق جديد لتمويل الذكاء الاصطناعي في مايو، وتمكنت شركة “إنسايدر” التركية للتسويق التي تستخدم الذكاء الاصطناعي من جمع ملياري دولار من جهاز قطر للاستثمار، وشركة الاستثمار “إيساس برايفت إيكويتي”.
وجد التقرير أنَّ 49% من صفقات رأس المال المغامر في العقد من 2012 إلى 2022 أُبرمت في السنوات الثلاث الماضية، وبالمثل 52% من براءات الاختراع مُنحت في الوقت نفسه.
التبني الواسع للتكنولوجيا الثورية
تبنت العديد من الشركات تطبيقات التكنولوجيا الجديدة. في مايو، أصدرت “أوبن آي إيه” نسخة مخصصة لأجهزة “أيفون”، ووعدت بإصدار خدمة للأجهزة التي تعمل بنظام “أندرويد” في المستقبل.
الشهر الماضي، قالت”غوغل” إنَّها ستبدأ دمج أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في محركها البحثي، واعتباراً من 23 مايو؛ أصبح محرك البحث “بينغ” التابع لـ”مايكروسوفت” يشكل جزءاً من خدمة “تشات جي بي تي بلس” المميزة.
جدير بالذكر أنَّ “مايكروسوفت” أكبر مستثمري “أوبن إيه آي”، وهي شريكة رئيسية فيها، مما يمنحها ميزة في السباق لإدماج الذكاء الاصطناعي في عدد أكبر من منتجات البرمجيات.
ومع بروز عدة شركات ذكاء اصطناعي؛ مثل “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك”، و”ستابيليتي إيه آي”، و”ميدجيرني”، وغيرها تراجعت حواجز دخول القطاع، وانخفضت تكلفة تدريب نظام تصنيف صور بنسبة 64% منذ 2018، كما تقلّص الوقت المطلوب للتدريب بنسبة 94%.
كيف تحركت الأسهم المتصلة بالذكاء الاصطناعي
ارتفعت أسهم الشركات التي تبنت سريعاً “تشات جي بي تي” وتطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة الأخرى.
في 31 يناير 2023، أعلنت شركة برمجيات الذكاء الاصطناعي “سي 3 دوت إيه آي” (C3.ai) عن مجموعة برمجيات توظف هذه التكنولوجيا، وفي اليوم نفسه ارتفعت أسهمها 22%، ليبلغ صعودها منذ بداية العام حتى الآن 143%.
أيضاً، صعدت أسهم”ساوند هاوند” ، لبرمجيات التعرف على الصوت والكلام، بنسبة 66% منذ بداية العام إلى الآن، ولم يقتصر الصعود على شركات برمجيات الذكاء الاصطناعي فحسب؛ بل إنَّ شركة “إنفيديا”، التي تنتج رقائق قادرة على تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، قفزت أسهمها بنسبة 110%.
وأصبحت “إنفيديا” أول مصنّعة رقائق حول العالم تتخطى قيمتها السوقية عتبة تريليون دولار، وإن كان لوقت قصير.
قفز سهم الشركة أثناء تداولات الثلاثاء الماضي 7.7% ليبلغ 419.34 دولار، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، مما رفع القيمة السوقية للشركة إلى 1.03 تريليون دولار، منضمة بذلك إلى نادي التريليون دولار الذي يضم شركات مثل “ألفابت” و”أمازون” و”أبل” و”مايكروسوفت”، لكنَّها فشلت في الحفاظ على هذا المستوى في الجلسة ذاتها.
رحلة شركة الذكاء الاصطناعي لإصدار منتج تجاري
قد تحتاج شركة الذكاء الاصطناعي عامين إلى ثلاثة أعوام تقريباً بعد حصولها على التمويل، أما إذا كانت تغطي اتجاهاً طويل الأجل، أيتطلب منتجها الموافقة على براءة اختراع؛ فستستغرق سبع سنوات إلى عشر، وفق “دويتشه بنك”.
ذكر التقرير أنَّ 79% من نشاط التمويل و61% من براءات الاختراع كان من نصيب التطبيقات الداعمة لقطاعات الاستهلاك، والصناعة، وتكنولوجيا المعلومات، والنقل، والرعاية الصحية، والخدمات المالية.
منذ عام 2012 إلى عام 2022، تضاعف عدد صفقات رأس المال المغامر في هذه القطاعات الستة 10 مرات من 270 إلى 3006 صفقات. وبلغ إجمالي قيمة الصفقات 62 مليار دولار العام الماضي، بارتفاع من 1.3 مليار دولار في 2012. كما تزدهر براءات الاختراع المنشورة في هذه القطاعات أيضاً، وزاد عددها ستة أضعاف منذ 2012.
برغم تغطية براءات الاختراع مجموعة واسعة من التطبيقات؛ فإنَّ الشركات الحائزة على معظمها هي شركات تكنولوجيا شهيرة مثل “آي بي إم”، و”سامسونغ”، و”إنتل”، و”إل جي”، و”كوالكوم”.
تباينت مخصصات رأس المال الجريء ونشاط البراءات عبر هذه القطاعات الستة، وتركزت الصفقات على الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات المالية.
ذهبت 8% من صفقات رأس المال الجريء و16% من براءات الاختراع في العقد الماضي لمجال الآلات المستقلة، وتغطي هذه الفئة من التكنولوجيا مجالين رئيسيين: المركبات ذاتية القيادة والروبوتات الذكية، وحظي هذا القطاع باهتمام كبير خلال العقد الماضي، وتزامن الكثير من نجاحه مع بروز “تسلا” التي كانت تختبر أنظمة المركبات ذاتية القيادة.
بلغ إجمالي قيمة الصفقات في هذا القطاع 11.7 مليار دولار العام الماضي من 0.2 مليار دولار في 2012. وبالمثل، ارتفع عدد براءات الاختراع التي جرى الإعلان عنها سبعة عشر ضعفاً منذ عام 2012.
مجال واعد
أصبح بإمكان الذكاء الاصطناعي الآن التحدث بصوت بشري أو صوت اصطناعي استناداً على النص المدخل بلغات ولهجات مختلفة. ويشاع استخدام هذا النوع من الذكاء الاصطناعي التوليدي في “تشات جي بي تي”.
ومن بين تطبيقات هذه التكنولوجيا؛ هناك التوليد التلقائي للموسيقى وتعديلها بناءً على رد فعل اللاعبين في اللعبة، وهذا يعني أنَّ أي شخص سيتمكن قريباً من إدخال نص أو صورة لإنشاء محتوى صوتي لمنتج الألعاب الخاص به دون الحاجة إلى أخصائي صوت أو عالِم كمبيوتر. والأدهى، هو أنَّ هذه التكنولوجيات الجديدة ليست مقصورة على الممثلين والموسيقيين، وهو ما قد يؤثر على مجموعة من القطاعات، مثل الألعاب والاتصالات والموسيقى والأخبار والرعاية الصحية.
الشركات التي تمتلك أكبر عدد من براءات الاختراع المتعلقة بالصوت التوليدي، تشمل: “سوني”، و”أمازون”، و”هواوي”، و”بايت دانس”، و”أدوبي إنك”، و”أبل”، و”تينسنت”.
تنظيم القطاع
اللوائح المتعلقة بتنظيم الذكاء الاصطناعي كانت مثار الحديث في أروقة التكنولوجيا. يدعو “دويتشه بنك” إلى وضع لوائح لتنظيم الذكاء الاصطناعي، إذ إنَّ غيابها يعرض الشركات لمخاطر تنظيمية.
يعمل الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، على وضع قواعد منسقة منذ عام 2021، ويُتوقَّع أن يُقر قانون الذكاء الاصطناعي بحلول نهاية العام الجاري أو أوائل عام 2024.
وفي بعضٍ من استجابات الحكومات على إطلاق “تشات جي بي تي”، حظرت إيطاليا التطبيق في أبريل، متعللة بمخاوف تتعلق بالخصوصية. وفي الولايات المتحدة، لم تصاغ أي لوائح تنظيمية بعد، لكنَّ إدارة بايدن بدأت تحصر التعليقات العامة حول إجراءات المساءلة.
وعلى صعيد آخر؛ وقَّع قادة قطاع التكنولوجيا، مثل إيلون ماسك وستيف وزنياك، المبرمج والمخترع الأميركي وأحد مؤسسي شركة “أبل”، خطاباً مفتوحاً مع معهد مستقبل الحياة يدعو إلى التوقف مؤقتاً عن تطوير أدوات ذكاء اصطناعي أكثر قوة من “تشات جي بي تي” لضمان أن يكون ابتكار الذكاء الاصطناعي أخلاقياً.
المصدر: الشرق