رغم الأجواء الإيجابية غير المسبوقة على صعيد المنطقة العربية منذ سنوات طويلة، تنعقد القمة العربية الـ 32 في جدة، وسط تحديات وتطلعات لتحقيق نتائج مهمة على مستويات عدة.
وتنعقد القمة المرتقبة في 19 مايو/ أيار الجاري، بمشاركة سوريا، وهو الملف الأبرز، الذي يُعنون التوجه الحالي نحو “تصفير الأزمات” في المنطقة، بالتوازي مع الاتفاق السعودي – الإيراني وما يرافقه من عمليات تهدئة في المنطقة.
رغم العوامل الإيجابية التي تهيئ الأجواء لنتائج مغايرة في القمة المرتقبة، يظل الجانب الاقتصادي في مقدمة الملفات التي باتت تحتاج لمعالجة خاصة، وفق الخبراء.
كما يمثل الجانب الأمني، ومكافحة الإرهاب في المنطقة أولوية كبيرة، في ظل تداعيات الأزمة العالمية، ومواقف الدول العربية من الأزمة في أوكرانيا، والتي خلقت بعض الفتور مع واشنطن ودول الغرب، يمكن أن تتبعها انعكاسات أمنية على صعيد الملفات المشتعلة منذ العام 2011، وفق الخبراء.
جوانب إيجابية أخرى يشير لها الخبراء تتمثل في الرغبة الجادة هذه المرة، نحو “لم الشمل” العربي والعمل على “تصفير الأزمات” وصياغة رؤية جماعية تستفيد من أخطاء السنوات الماضية، وتعيد بلورة آليات العمل العربي المشترك في ظل تحديات إقليمية وعالمية.
قمة محورية
يقول وجدي القليطي، الباحث السياسي السعودي، إن القمة العربية المقبلة محورية من حيث التداعيات الحادثة في المنطقة، خاصة في إطار سعيها لتصفير الأزمات “العربية – العربية”، ودعم التقارب العربي.
وأضاف، في حديثه مع “سبوتنيك”، أن “الملفات الأمنية في صدارة أولويات القمة المقبلة، إلى جانب المحور الاقتصادي الذي يمثل أولوية وأهمية قصوى”.
وتابع، بشأن الجانب الاقتصادي:”التفاهمات في القمة قد تكون بينية بين بعض الدول المحورية، التي لديها ركائز رئيسية في تحريك العجلة الاقتصادية، بحيث تكون داعمة لبعض الدول التي لديها مشاكل في الاقتصاد”.
وشدد على أن الأولويات على طاولة القمة تتمثل في “المحور الأمني، وتصفير الأزمات العربية”، ما يحقق لم الشمل في المنطقة.
ويرى أن التوافق العربي لن يحدث بشكل تام، نظرا لبعض التباينات تجاه بعض القضايا، ومنها الملف السوري، لكنها بمثابة نقطة انطلاق نحو إصلاح العديد من الملفات في المنطقة العربية.
ملفات شائكة
من جانبه، قال أيمن عمر، مدير مركز إشراق للدراسات، إن “القمة العربية الـ 32 هي “قمة سوريا في المملكة العربية السعودية” بامتياز، التي تشهد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد تجميد عضويتها زهاء 12 عاما”.
بشأن الملفات الشائكة على طاولة القمة المرتقبة خلال أيام في جدة، يرى عمر في حديثه لـ”سبوتنيك”، أنها متعددة، وتشمل:
ملف سدّ النهضة الذي يشكل خطرًا على الأمن المائي في مصر والسودان، خاصة بعدما قدمت مصر مشروع قرار للجامعة العربية لمناقشته ومفاوضة إثيوبيا بشأنه، في حين ترفض الأخيرة تدخل الجامعة العربية بهذا الملف، على اعتبار أنه شأن أفريقي وليس عربي.
الملف الآخر يتمثل في التحديات الاقتصادية، والتي تتطلب العمل عليها في القمة المرتقبة، حيث يأتي في سلّم أولوياتها الانهيار الاقتصادي والمالي غير المسبوق في لبنان، والعمل السريع على لجمه والمساعدة على عودة التعافي لبيروت في كل المجالات، وخاصة بعد التوافق السعودي – الإيراني، والسعودي – السوري.
إعادة إعمار سوريا
كذلك قضية إعادة إعمار سوريا وإعادة اللاجئين السوريين المنتشرين في بقاع الأرض، عبر التواصل مع أطراف النزاع الدوليين، والضغط للبدء بعملية إعادة الإعمار، حيث تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من المشاريع الاستثمارية في هذا الإطار.
ضمن التحديات تأتي عملية توفير الدعم المالي والمادي للشعب الفلسطيني، عبر أطر ومشاريع تؤمن الدعم المستدام غير الخاضع للابتزاز السياسي.
ويرى عمر أن “أهمية هذه القمة عدا عن إجرائها في المملكة العربية السعودية، وما لذلك من رمزيّة وتأثير معنوي، هي لملمة البيت العربي بعد حالة التشظي التي أصابته منذ بدء الربيع العربي، وما زال الأمل في التوافق العربي التام والوحدة العربية لاحقًا بعيد المنال عن خيارات القادة العرب رغم تَوق الشعوب العربية إلى تحقيقه”.
تصفير القضايا
وتابع: “المملكة تسير في هذه الفترة وفق قاعدة “تصفير مشاكلها”، من هنا تدخل هذه القمة ضمن هذا الإطار، إذ تتوجه بسياساتها كليا نحو تطبيق رؤية 2030 وبناء مدينة نيوم، وتصب كل اهتماماتها في تحقيق هذا الهدف فحسب، لتصبح هي مركز العرب المالي والاقتصادي، وحتى السياحي، لتحل محل الإمارات العربية المتحدة كمركز استقطاب عالمي في المنطقة”.
أبعاد سياسية واقتصادية
في هذا الإطار، يقول وسيم بزي، الخبير الاستراتيجي اللبناني، إن “البعد الأول الذي يُعطي لهذه القمة معنى إضافيًا هو مكان انعقادها، والبعد الثاني هو طبيعة اللحظة الجيوسياسية التي تعيشها السعودية والمنطقة بشكل عام”.
وأضاف، في حديثه مع “سبوتنيك”، أن “البعد الثالث هو الاتفاق السعودي – الإيراني بضمانته الصينية، والارتدادات التي لا زال يفرضها على واقع الإقليم وخاصة ساحات المواجهة.
أما البعد الرابع، وفق الخبير الاستراتيجي، يتمثل في “التغيّر في سياسات المملكة من أقصى المواجهة إلى تصفير المشكلات، فيما يحل خامسا الدور الاقتصادي الطموح، الذي تطمح إليه المملكة وولي عهدها، من خلال “مشروع نيوم”، وغيره من عناصر الاستقطاب البحري والبري والتجاري والطاقوي والجوي”.
وتابع: “الأهم هو طموح ولي العهد السعودي، بتعبيد طريقه إلى المُلك، في حين أن رمزية القمة، في إعادة لم شمل الأمة المشتتة، لذلك تأتي سوريا والسودان كعنصرين مفتاحيين نحو الأهداف المرجوة، وحضور الرئيس بشار الأسد يحقق للمملكة منظر الوحدة الذي تتوخاه، وأن أرض الحرمين فقط هي مساحة الجمع، حيث عجز كل الآخرين”، وفق رأيه.
وفي وقت سابق، أرسل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، دعوة للرئيس السوري بشار الأسد، الأربعاء الماضي، للمشاركة في القمة العربية التي ستعقد في جدة، يوم 19 مايو الجاري، حسبما أفادت وكالة الأنباء السعودية “واس”.
وسلم الدعوة سفير السعودية لدى الأردن، نايف بن بندر السديري، خلال لقائه الأسد في دمشق.
وأضافت “واس”: “نقل السفير السديري تحيات الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء للرئيس السوري، وتمنياتهما لحكومة وشعب سوريا الشقيق الأمن والاستقرار، فيما حمّله الرئيس السوري تحياته وتقديره لهما، ولحكومة وشعب السعودية المزيد من التقدم ودوام الرقي والنماء”.
المصدر: سبوتنيك