رايت رايتس

جبل “سرنديب” في سريلانكا…قمة  تتنازع عليها 4 أديان

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 7 دقيقة قراءة
7 دقيقة قراءة
جبل سرنديب

تصف نصوص الوحي قصة بداية البشرية وخلق آدم وحواء ثم نزولهما إلى الأرض في أكثر من موضع، لكنها تخلو من ذكر موضع نزولهما بالتحديد.

- مساحة اعلانية-

في هذا الصدد تشير كتب التفسير إلى مقام يسمى سرنديب، في أحد جبال سريلانكا حالياً، يقال إن آدم عليه السلام نزل عليه، كما يقال عن حواء إنها نزلت في مدينة جدة، وسميت المدينة بعد ذلك بهذا الاسم بسبب نزول حواء فيها.

تشتهر رواية نزول آدم في سريلانكا، ومما يدعم هذه الرواية بحسب اعتقادات وتفسيرات الناس، وجود أثر مشابه للأقدام البشرية طوله أكثر من خمسة أقدام، وعرضه أكثر من قدم على قمة جبل في سريلانكا، يسمى هذا الأثر باللغة السنهالية سري بادا ويعني أثر القدم المباركة.

- مساحة اعلانية-

يبلغ ارتفاع هذه القمة أكثر من 2000 متر، وتسمى “قمة جبل آدم”، وتكثر أحجار الياقوت والنيلم (الياقوت الأزرق) حول هذا الجبل، وهو منبع الأنهار الثلاثة في سريلانكا.

على رغم نسبة القمة في تسميتها إلى آدم، إلا أن هناك أكثر من رواية حول أثر الأقدام عليها، وهو أثر مبارك ليس عند المسلمين فقط، بل يتبرك بها أتباع الديانات الأخرى أيضاً مثل الهندوس والبوذيين والمسيحيين ولكل ديانة رواية خاصة بها حول أثر هذه الأقدام.

يقول خواجة بهاء الدين أكرمي، وهو أحد تلامذة الشيخ سليمان الندوي، في كتابه “الديار الهندية والعرب” المطبوع في أوائل القرن الـ20، إن الأثر الموجود على قمة جبل في سريلانكا مبارك عند كل من المسلمين والهندوس والبوذيين، إذ يعتقد المسلمون بأنها آثار أقدام آدم عليه السلام، ويعتقد الهندوس بأنها آثار أقدام الآلهة شيفا، بينما يؤمن البوذيون بأنها آثار أقدام بوذا الذي زار سريلانكا ثلاث مرات.

- مساحة اعلانية-

لا تقتصر الروايات الدينية عن هذا الأثر على هذه الديانات فقط، بل إن مؤرخ الهند المشهور سانات باي رايكر، يقول إن هذا الموضع هو الموضع الوحيد في العالم الذي يتبرك به أتباع أربعة ديانات، الهندوسية والإسلام والبوذية والمسيحية، فيعتقد المسيحيين الذين قدموا إلى سريلانكا في القرن الـ16 الميلادي من البرتغال بأن هذا الأثر يعود للقديس توما، أحد رسل المسيح الـ12.

زيارة ابن بطوطة لجبل سرنديب

يصف الرحالة المغربي ابن بطوطة، من القرن الـ14 الميلادي، زيارته لجبل سرنديب بأسلوبه الشيق، فيقول عن وصوله إلى المنطقة التي يقع فيها الجبل: “ولما وصلناها (أي الجزيرة التي يقع فيها الجبل) قال البحرية، إن هذا المرسى ليس في بلاد السلطان الذي يدخل التجار إلى بلاده آمنين، إنما هذا مرسى في بلاد السلطان أيري شكروتي، وهو من العتاة المفسدين، وله مراكب تقطع في البحر فخفنا أن ننزل بمرساه، ثم اشتدت الريح فخفنا الغرق، فقلت للناخودة، أنزلني إلى الساحل وأنا آخذ لك الأمان من هذا السلطان! ففعل ذلك وأنزلني بالساحل، فأتانا الكفار، فقالوا، ما أنتم؟ فأخبرتهم أني سلف سلطان المعبر وصاحبه، جئت لزيارته، وإن الذي في المركب هدية له فذهبوا إلى سلطانهم فأعلموه بذلك فاستدعاني فذهبت له إلى مدينة بطالة”.

يواصل ابن بطوطة حديثه عن مقابلة الملك: “قلت له (أي للملك)، ليس مرادي منذ وصلت هذه الجزيرة إلا زيارة القدم الكريمة، قدم آدم عليه السلام يسمونه بابا، ويسمون حواء ماما، فقال، هذا هين! نبعث معك من يوصلك فأعطاني دولة يحملها عبيده على أعناقهم، وبعث معي أربعة من الجوكية الذين عادتهم السفر كل عام لزيارة القدم، وثلاثة من البراهمة، و10 من سائر أصحابه و15 رجلاً يحملون الزاد. ولم نر بهذه المدينة مسلماً غير رجل خراساني انقطع بسبب مرضه فسافر معنا”.

ويقول ابن بطوطة، إن أول من اكتشف طريق الوصول إلى أعلى الجبل هو الشيخ عبدالله بن حتيف، ويصف الجبل وطريقه والموقع الذي يقع فيه فيقول، “ولما صعدناه كنا نرى السحاب أسفل منا، قد حال بيننا رؤية أسفله وفيه كثير من الأشجار التي لا يسقط لها ورق، والأزاهير الملونة، والورد الأحمر على قدر الكف، ويزعمون أن في ذلك الورد كتابة يقرأ منها اسم الله تعالى واسم رسوله عليه الصلاة والسلام، وفي الجبل طريقان إلى القدم، أحدهما يعرف بطريق بابا، والآخر بطريق ماما، يعنون آدم وحواء عليهما‌ السلام. فأما طريق ماما، فطريق سهل، عليه يرجع الزوار إذا رجعوا ومن مضى عليه فهو عندهم كمن لم يزر. وأما طريق بابا، فصعب وعر المرتقى. وفي أسفل الجبل، حيث دروازته، مغارة تنسب أيضاً إلى اسكندر وعين ماء”.

أما عن أثر القدم نفسه، فيقول عنه الرحالة المغربي، “أثر القدم الكريمة قدم أبينا آدم في صخرة سوداء مرتفعة بموضع فسيح وقد غاصت في الصخرة حتى عاد موضعها منخفضاً، وطولها 11 شبراً، وأتى إليها أهل الصين قديماً فقطعوا من الصخرة موضع الإبهام وما يليه، وجعلوه في كنيسة بمدينة الزيتون يقصدونها من أقصى البلاد. وفي الصخرة حيث القدم تسع حفر منحوتة يجعل الزوار من الكفار فيها الذهب واليواقيت والجواهر، فترى الفقراء إذا وصلوا مغارة الخضر يتسابقون منها لأخذ ما بالحفر، ولم نجد بها إلا يسير حجيرات وذهب أعطيناها الدليل. والعادة أن يقيم الزوار بمغارة الخضر ثلاثة أيام يـأتون فيها إلى القدم غدوة وعشياً، وكذلك فعلنا”.

جبل سرنديب في التاريخ القديم

يزور جبل سرنديب التاريخي مليونا شخص كل عام، بحسب منظمة “يونيسكو”، ويعود ذكر الجبل للمرة الأولى في التاريخ للملك وجي بهاو الأول الذي حكم بين عام 1055 إلى 1110 قبل الميلاد، إذ نجد آثار نقوش من الملك يؤكد فيها على أصحاب القرى المجاورة أن يحسنوا إلى زوار هذا الجبل، وفي عهده تم إنشاء مسارات لتسهيل تسلقه.

في عهد الملك نيسان كمالا، الذي يعود تاريخ حكمه من 1187 إلى 1196 قبل الميلاد، تم بناء سياج قوي حول درجات الجبل، كما أمر الملك باراكارما الثاني الذي أتى للحكم بعده بربع قرن تقريباً وزيره ديفابارثي راجا بإعادة بناء الدرجات لتسلق الجبل، وربط سلاسل حديدية بها حتى يتمكن الزوار من الصعود.

ذكر جبل سرنديب أيضاً في القصيدة الملحمية “مانيمكالي” باللغة التاميلية، التي تعود للقرن السادس الميلادي، وسمي فيها “جزيرة المجوهرات”، كما زار الجبل الرحالة الصيني فاهين في أوائل القرن الخامس الميلادي ويوجد ذكره أيضاً في رحلات السياح الأوروبيين من القرن الـ19 الميلادي.

نختم ذكر هذا الجبل بما ورد عنه في كتاب مهاومسا المشتمل على أساطير سريلانكا، حيث يقول إن بوذا قدم إلى سريلانكا عام 550 قبل الميلاد ووضع قدمه على مدينة أدابورا، والقدم الأخرى على قمة سري بادا (موضع أثر الأقدام) على جبل سرنديب.

شارك هذه المقالة
ترك تقييم