رايت رايتس

تدويل “اليوان” سلاح الصين أمام “هيمنة” الدولار الأمريكي

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 11 دقيقة قراءة
11 دقيقة قراءة
الدولا الأمريكي واليوان الصيني

تعتمد الصين على اليوان كوسيلة أساسية في معركتها ضد التأثير الذي تتفرد الولايات المتحدة الأميركية به على حركة الأموال على مستوى العالم.

- مساحة اعلانية-

عززت حكومة الرئيس الصيني شي جين بينغ، السنة الماضية جهود عقد اتفاقات لزيادة أساليب استخدامها للعملة، من خلال اتفاقيات حديثة مرتبطة بالرنمينبي تمتد من روسيا والمملكة العربية السعودية وصولاً للبرازيل وفرنسا.

في حين تبقى الولايات المتحدة الأميركية القوة المالية المهيمنة البارزة على العالم، فإن هذه الإجراءات تساعد الصين بلوغ مكانة أكبر في النظام المالي الدولي.

- مساحة اعلانية-

يأتي ذلك بوقت تتنامى فيه التوترات الجيوسياسية وتتحول التجارة العالمية لساحة اقتتال بصورة أشد من أي وقت مضى.

نشبت حالة العداء بين العملاقين الاقتصاديين حول مشكلات تتراوح من التجارة وتايوان وصولاً لـ”تيك توك” والمعارف التكنولوجية.

وأظهرت العقوبات على روسيا شديدة الصرامة أن الولايات المتحدة، مستعدة من جديد لاستعمال الدولار الأميركي باعتباره سلاحاً.

- مساحة اعلانية-

أسفرت هذه الأمور مجتمعة عن تعزيز دور اليوان الصيني السنة الماضية أكثر مما فعلت حكومة الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال العقد السابق.

يتصاعد هذا الصراع أيضاً استجابة لوضع الصين المتغير داخل الاقتصاد العالمي، إذ بدأت تخرج من عصر إغلاق الاقتصاد المرتبط بوباء كوفيد محققة نمواً ببطء أكثر مقارنة بما كانت عليه من قبل وحالة التراجع في الجهود العالمية من أجل تجارة أكثر تحرراً.

دفع ذلك قادة بكين لرفع الرهان على تعزيز مكانة البلاد، لا سيما عملتها، لتصبح قطباً بديلاً للتمويل والتجارة والإقراض على الصعيد الدولي.

“تعمل البلاد على إظهار أن هناك عالم بديل وراء عالم الولايات المتحدة والغرب، وتبعث بإشارة قوية للغاية للولايات المتحدة الأميركية بالقول بصفة أساسية أننا لا نحتاج إليك ولا نحتاج للدولار الأميركي”، حسب قول أدريان زورشر، رئيس وحدة توزيع الأصول العالمية والرئيس المشارك لوحدة إدارة الاستثمار العالمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في مكتب “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” (UBS Global Wealth Management) في هونغ كونغ.

تلقى هذه الرسالة صدى في بعض المناطق حول العالم؛ حيث يدفع القلق من هيمنة الولايات المتحدة والدولار الأميركي بعض الدول والشركات لتنويع تعاملاتها بعيداً عن أميركا وأوروبا.

ويتزايد استعمال الرنمينبي في إبرام عقود كافة الأشياء مثل النفط والنيكل، إذ تضاعف نصيب العملة من حجم تمويل التجارة العالمية 3 مرات منذ نهاية 2019.

ما يزال يشكل هذا جزءاً بسيطاً من المعاملات العالمية، وما زالت السلطات الصينية تحكم قبضتها على سعر صرف العملة بشدة، لكن عقوبات وقعت موسكو في فخها إثر غزوها لأوكرانيا عزز هذا المعدل، فقد زاد استخدام اليوان بالنسبة لمدفوعات التصدير الروسية 32 ضعفاً السنة الماضية وحدها.

التدويل

الرئيس شي، الذي بدأ عقده الثاني في سدة حكم جمهورية الصين الشعبية، تبنى إجراءات تحسين سمعة بلاده خارجياً، حتى في وقت ركّز على تنفيذ الإصلاحات وتدعيم النمو داخلياً، وسافر في أولى رحلاته الخارجية في أعقاب إنهاء عمليات الإغلاق بالبلاد للمملكة العربية السعودية وروسيا موردي الطاقة الأساسيين.

كما شهدت زيارتا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، والفرنسي إيمانويل ماكرون، لبكين توقيع مجموعة اتفاقيات تجارية حديثة، وأسهمت الصين بدور محوري في جهود الوساطة للتقارب الإيراني السعودي.

على الجانب الأميركي، تفاقمت رغم ذلك بؤر التوتر، بداية من الخلافات إزاء مناطيد التجسس وصولاً لتكنولوجيا أشباه الموصلات.

باتت روسيا منبوذة في أعقاب حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا، ما منح الصين فرصة مهمة لإظهار طريقة استخدام اليوان.

 كما يساور بعض البلدان القلق بشدة من كونها معتمدة بصورة كبيرة على الدولار الأميركي واليورو، وهما أكبر عملتين.

أدى عزل روسيا عن نظام المدفوعات الدولي المركزي المعروف باسم “سويفت” أو (SWIFT)، إلى اعتمادها على اليوان في التجارة والمدخرات الخاصة ومعاملات الصرف الأجنبي.

طورت الصين منصة مدفوعات دولية خاصة بها معروفة بـ”سي آي بي إس” أو (CIPS)، وهي منفصلة نهائياً عن نظام “سويفت”، وربما لم تستخدم فقط من قبل مؤسسات روسية، ولكن أيضاً من قبل مصارف تعمل بمناطق على غرار البرازيل.

ويرى فيكتور جاو، الأستاذ بجامعة “سوشو” ونائب رئيس مركز البحوث لشؤون الصين والعولمة “أن رغبة الصين في استمرار النمو بينما تفسح المجال للبلدان الأخرى لتصبح أكبر ثقة في استخدام اليوان، وإذا أرادت الولايات المتحدة الأميركية إثارة المتاعب، فستكون الصين بحاجة لتعديلات ضرورية لمواجهة التحديات”.

لم يستجب بنك الشعب الصيني ولا إدارة الدولة للنقد الأجنبي بالبلاد في حينه على فاكسات تطلب التعليق على الموضوع.

التجربة الروسية

بدأ انتقال روسيا لليوان خلال 2014، عندما دفع ضم شبه جزيرة القرم الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها لتهديد موسكو بمنع وصولها للنظام المالي التقليدي. لكن غزو أوكرانيا بالكامل السنة الماضية سرّع بقبول تعامل اليوان الصيني دولياً.

بلغت مدخرات اليوان 11% من إجمالي الودائع الروسية خلال يناير الماضي، مقارنة بلا شيء تقريباً قبل نشوب الحرب، وحل اليوان محل الدولار واليورو كأكثر العملات تداولاً في مدن مثل سان بطرسبرغ وفلاديفوستوك.

شرعت روسيا وغيرها من الدول أيضاً في استعمال اليوان بالمعاملات التي لا تعد الصين طرفاً فيها.

اتفقت بنغلاديش، مثلاً، مع روسيا الشهر الماضي على تسوية دفعة تبلغ 300 مليون دولار مرتبطة بتشييد محطة نووية قرب دكا بالرنمينبي، بحسب مسؤولين مطلعين على الموضوع.

نظراً لأن الدخل من النفط يدعم استقرار الماليات العامة الروسية، فقد تطمح البلاد لشراء اليوان سعياً لإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية.

لكن توجد حدود للتجربة.

لم يتبق أمام الكرملين إلا خيارات محدودة للغاية، وما زالت المنتجات المالية للصين تواجه صعوبات في المنافسة. بدون أسواق رأس المال القوية أو الحسابات الرأسمالية المفتوحة، يمكن أن يتعرض نقل الأموال داخل وخارج البلاد لمشكلات، وهي شكوى صدرت بوقت سابق من العام الجاري عن مارك موبيوس وهو مستثمر قديم.

عقبات أمام اليوان

يعرقل الافتقار لوجود أسواق حرة راسخة رغبة الصين فعلاً في أن تأخذ مكانة الدولار الأميركي أو اليورو كعملة عالمية مختارة.

أكد جيم أونيل، كبير خبراء الاقتصاد السابق في مصرف “غولدمان ساسكس غروب” الذي وضع مصطلح “بريكس” (BRICs) منذ ما يفوق عقدين لتوصيف ما كان يعد بذلك الوقت أكبر 4 قوى بالأسواق الناشئة قادرة على تحدي النظام الاقتصادي الراهن أنه لا يمكن أن يصبح اليوان عملية دولية بالكامل “ما لم توفر الصين حرية أكبر لتدوال العملة والاستثمار الداخلي بالإضافة للاستثمار بالخارج.

حتى وسط الضجيج حول وجود صفقات دولية، فإن العملة غير قابلة للتحويل بالكامل. توجد قيود على استخدامها في مجالات على غرار القروض خارج الحدود واستثمارات محافظ الأصول.

تعد قيود تنويع المنتجات الاستثمارية المقومة بالرنمينبي، والتقاعس البسيط الناجم عن التمسك بالعملة الاحتياطية المعمول بها- أيضاً عقبات كبرى أمام قبول اليوان على نطاق واسع باعتباره بديلاً للدولار.

ويقول تشين شينغدونغ، رئيس وحدة بحوث الأسواق العالمية في الصين لدى “بي إن بي باربيا” إن “هناك طريقاً طويلاً أمام الصين لتقطعه قبل تعزيز نفوذها العالمي”.

خلال العقود القليلة الأولى من القرن الحالي، تبنت الصين إجراءات لتحرير أسواق الأسهم والسندات لتشجيع الاستثمار الأجنبي وتخفيف سيطرتها على سعر صرف عملتها المدار. لكن حكومة شي رفضت إجراءات أوسع لتشجيع استخدام اليوان دولياً، على غرار السماح بتدفق رأس المال بحرية، لتفادي احتمال وجود تدفقات خارجة مفاجئة ستؤدي لزعزعة استقرار الاقتصاد وتهديد سيطرة الحزب الشيوعي على سلطة الحكم.

ويقول زورشر من “يو بي إس” إن “هناك أموالاً كثيرة محتشدة تستعد للخروج من الصين، وربما يوجد قدر من الأموال الخارجية يحتشد للعودة إليها، وما زالت السيطرة على تدفقات رأس المال مسألة مهمة للغاية”.

يعد الرنمينبي خامس أكثر العملات استخداماً في المدفوعات العابرة للحدود. عدا المدفوعات بين دول منطقة اليورو، مثلت العملة الصينية 1.7% من المدفوعات العابرة للحدود مع نهاية مارس الماضي، بالمقارنة مع 50% تقريباً للدولار و22% للعملة الأوروبية الموحدة، بحسب بيانات نظام “سويفت”.

لا يتضمن ذلك بالطبع معاملات نظام “سي آي بي إس” الصيني البديل، لكن هذه المنظومة بأسرها ما زالت تعتبر صغيرة أمام منصة “سويفت” التقليدية.

ضرورة التنويع

رغم ذلك، بالنسبة لمن هم داخل الصين نفسها، فإن استعمال اليوان في المعاملات الدولية قد تجاوز الدولار بالآونة الأخيرة، بحسب بحث أجرته “بلومبرغ إنتليجنس” يقوم على بيانات إدارة الدولة للنقد الأجنبي.

وصلت حصة العملة المحلية من المدفوعات والإيصالات العابرة للحدود مستوى قياسياً مسجلة 48% نهاية مارس الماضي، بالمقارنة مع لا شئ تقريباً خلال 2010، في حين هبط نصيب الدولار الأميركي إلى 47%.

حتى مع بقاء هيمنة الدولار مترسخة نوعاً ما على مدى أعوام مقبلة، يتكهن بعض المراقبين بأن الدولار يتجه صوب تراجع طويل الأمد. ربما تكون الوقائع تبث الحياة في استعمال اليوان بالوقت الراهن ليكون مساهماً أساسياً بنهاية الأمر.

وتقول إستر لو، كبيرة مديري الثروة في “أموندي” (Amundi) إن تداعيات الحرب الروسية جعلت البلدان الأخرى يساروها القلق إزاء مخاطر حملة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية. كما تتوقع أن يواصل اليوان الصعود في ظل الخوف من العقوبات التي تتزعمها واشنطن وضمن جانب “عملي” من دور الصين المتزايد بوصفها جهة إقراض.

تستفيد الصين أيضاً من ميزات التنويع المحدودة.

 يتوافر قدر من الأمان مع وجود ترتيبات قائمة باستمرار مع عدد كبير من الشركاء التجاريين في حالة انتقال التوترات المتفاقمة مع الولايات المتحدة الأميركية إلى مرحلة الغليان.

ويقول ستيفن جين، المؤسس المشارك لشركة ” يورايزون إس إل جيه كابيتال” (Eurizon SLJ Capital) إن “التوترات الجيوسياسية تجعل هذه المسألة أشد أهمية للصين لتعزيز تدويل عملتها، وتدور حرب استنزاف حالياً بين الولايات المتحدة الأميركية والصين وذلك على صعيدي الاستثمار والتمويل”.

المصدر: الشرق

شارك هذه المقالة
ترك تقييم