رايت رايتس

قصة تقسيم أكبر إمبراطورية في العالم

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 14 دقيقة قراءة
14 دقيقة قراءة
الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، والمندوب السامي البريطاني ومحمد علي جناح

في 14 أغسطس/آب من عام 1947 احتفلت باكستان باستقلالها عن بريطانيا، وفي اليوم التالي احتفلت الهند بالاستقلال أيضا عن التاج البريطاني وذلك بعد أن انسحبت بريطانيا من بلد كانت تعتبره درة تاجها الإمبراطوري، وخلفت وراءها دولتين مستقلتين هما الهند العلمانية ذات الغالبية الهندوسية وباكستان الإسلامية.

- مساحة اعلانية-

وهكذا لم يسفر انسحاب بريطانيا من الهند عن نهاية عصر الإمبراطورية البريطانية فحسب، بل عن تقسيم شبه القارة الهندية أيضا.

في عام 1858 تم اخضاع الهند للحكم البريطاني المباشر، ولكن في عام 1920 اندلعت حركة استقلال الهند بزعامة غاندي.

- مساحة اعلانية-

وتبنى الهنود من جميع طبقات المجتمع والأديان دعوة غاندي الرامية للاحتجاج غير العنيف، وتشجيع عدم التعاون مع الحكم البريطاني، والذي تضمن مقاطعة البضائع البريطانية.

وردا على ذلك، اعتقل البريطانيون غاندي بتهمة التحريض وإثارة الفتنة وسجنوه لمدة عامين.

وطبّق البريطانيون قانون مكافحة التحريض المثير للجدل، الذي يعود إلى سبعينيات القرن التاسع عشر، للرد على الحركات المناهضة للاستعمار.

- مساحة اعلانية-

وقال غاندي حينئذ جملته الشهيرة إن القانون “صُمم لقمع حرية المواطن”، ولا يزال القانون معمولا به في قانون العقوبات الهندي، وتستخدمه الحكومات المتعاقبة ضد طلاب وصحفيين ومثقفين ونشطاء اجتماعيين ومعارضين للحكومة.

وقد سافر غاندي إلى لندن في عام 1931 لحضور مؤتمر الطاولة المستديرة كممثل وحيد للمؤتمر الوطني الهندي. وقدم صورة قوية وهو يرتدي ملابسه الهندية التقليدية، وفشل المؤتمر بالنسبة لغاندي، الذي كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 62 عاما.

لم يكن البريطانيون على استعداد لمنح الهند استقلالها، ولم يدعم كثير من المسلمين والسيخ وغيرهم رؤية غاندي الخاصة بالهند كبلد موحد، ولم يصدقوا أنه تحدث نيابة عن جميع الهنود.

وقدم غاندي بعد ذلك استقالته من حزب المؤتمر واعتزل الحياة السياسة، لكنه واصل حملته من أجل المساواة الاجتماعية لصالح “الداليت”، وهي الطبقة المعروفة باسم “المنبوذين”.

وأجبرت قدرته على تعبئة الجماهير ونهجه السلمي الثابت، السلطات البريطانية على التفاوض.

الطريق إلى التقسيم

تحققت أهداف غاندي عندما أضعفت الحرب العالمية الثانية قبضة بريطانيا على إمبراطوريتها، والتي قررت إنهاء وجودها في شبه القارة الهندية وتسليم السلطة إلى إدارة هندية.

ولكن كانت الخلافات مهيمنة آنذاك بين أكبر قيادتين سياسيتين في البلاد، وهما جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح.

وكان نهرو، زعيم حزب المؤتمر وأول رئيس وزراء في الهند المستقلة، معارضا لمبدأ تقسيم البلاد على أسس دينية.

ولكن محمد علي جناح، زعيم عصبة مسلمي الهند، والذي أصبح حاكما عاما لباكستان عقب التقسيم، كان مصرّا على أن لمسلمي الهند الحق في تأسيس دولة خاصة بهم.

فعلى الرغم من تأكيدات حزب المؤتمر على قيمه العلمانية فقد كان العديد من المسلمين متشككين ويخشون أن تسعى الأغلبية الهندوسية إلى تهميشهم.

وكان جناح نفسه من دعاة الوحدة بين الهندوس والمسلمين، وعضوا في حزب المؤتمر في البداية قبل أن يغير موقفه ويقطع علاقته بالحزب الذي شك في أنه يسعى لتهميش المسلمين، وبعد خروجه من المؤتمر ترأس جناح العصبة الإسلامية.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إن الانتخابات التي أجريت بعد الحرب العالمية الثانية أثبتت مدى فعالية عصبة المسلمين، التي فازت بجميع المقاعد الثلاثين المخصصة للمسلمين في المجلس التشريعي المركزي، ومعظم مقاعد المقاطعات أيضا. كما نجح حزب المؤتمر في حصد معظم المقاعد العامة للناخبين، لكنه لم يعد قادرا على الإصرار على أنه يتحدث نيابة عن جميع سكان الهند البريطانية.

وقاد وزير الدولة البريطاني لشؤون الهند وبورما، بيثيك لورانس، شخصيا في عام 1946 وفدا وزاريا إلى نيودلهي على أمل حل الأزمة بين حزب المؤتمر والعصبة الإسلامية، وبالتالي نقل السلطة البريطانية إلى إدارة هندية واحدة.

وقد حمل الوفد البريطاني خطة تقترح اتحادا فيدراليا من 3 مستويات للهند يتمثل في حكومة مركزية في دلهي، والتي ستقتصر أعمالها على الشؤون الخارجية والاتصالات والدفاع والشؤون المالية المطلوبة لرعاية مثل هذه الأمور على مستوى الاتحاد فقط.

كما اقترحت الخطة تقسيم شبه القارة الهندية إلى 3 مجموعات رئيسية من المقاطعات: المجموعة أ، وتشمل المقاطعات ذات الأغلبية الهندوسية في بومباي، ومدراس، وبيهار، وأوريسا، والمقاطعات الوسطى (تقريبا كل ما أصبح الهند بعد الاستقلال)، والمجموعة ب، وتشمل المقاطعات ذات الأغلبية المسلمة في البنجاب والسند والحدود الشمالية الغربية وبلوشستان (المناطق التي شكلت باكستان لاحقا)، والمجموعة ج، وتشمل البنغال ذات الأغلبية المسلمة (التي أصبحت باكستان الشرقية وباتت في عام 1971 دولة بنغلاديش) وأسام ذات الأغلبية الهندوسية.

وكان من المفترض في تلك الخطة أن تتمتع حكومات المقاطعات بالاستقلال الذاتي في كل شيء ما عدا الأمور المخصصة للحكومة المركزية، وكان يتعين على حكومات المقاطعات المحلية أن تختار الانسحاب من المجموعة التي وجدت نفسها فيها إذا صوتت أغلبية سكانها على ذلك.

وكان عدد السكان السيخ كبيرا في البنجاب، وقد وجدوا أنفسهم في موقف صعب بشكل خاص، لأن البنجاب ككل كان سينتمي إلى المجموعة ب، وكان الكثير من السيخ معادين للمسلمين منذ بداية اضطهاد الأباطرة المغول لمعلميهم في القرن السابع عشر.

وكان السيخ قد لعبوا دورا مهما للغاية في الجيش الهندي البريطاني لدرجة أن العديد من قادتهم كانوا يأملون في أن يكافئهم البريطانيون في نهاية الحرب بمساعدتهم في اقتطاع بلادهم من قلب أراضي البنجاب الخصبة، حيث عاش معظم السيخ في المملكة التي حكمها رانجيت سينغ (1780-1839).

وبحلول مارس/ آذار من عام 1946، طالب العديد من السيخ بدولة قومية سيخية يُطلق عليها سيخستان أو خالستان. ولم يكن لدى الوفد البريطاني الوقت أو الطاقة للتركيز على مطالب السيخ الانفصالية، ووجد الوفد أيضا أنه من المستحيل قبول مطالب العصبة الإسلامية المتعلقة بإقامة دولة باكستان.

وقد وافق جناح، الذي كان يعاني من مرض السل وسرطان الرئة، على مقترحات الوفد البريطاني، كما فعل قادة حزب المؤتمر. لذلك، شهد أوائل صيف عام 1946 فجرا من الأمل في آفاق مستقبل الهند، ولكن سرعان ما ثبت خطأ ذلك عندما أعلن نهرو في أول مؤتمر صحفي له لدى إعادة انتخابه رئيسا لحزب المؤتمر أنه لا يمكن لأي جمعية دستورية أن تكون “ملزمة” بأي ترتيبات دستورية مسبقة.

وقد قرأ جناح ملاحظات نهرو على أنها “رفض كامل” للخطة، والتي كان لابد من قبولها بالكامل من أجل نجاحها. وقد عقد جناح بعد ذلك مؤتمرا للعصبة التي سحبت موافقتها السابقة على خطة الاتحاد الفيدرالي، وبدلا من ذلك دعت لقيام “الأمة الإسلامية” وإطلاق “تحرك مباشر” في منتصف أغسطس/آب من عام 1946 لتحقيق هذا الهدف.

وهكذا بدأت حرب أهلية دموية في الهند حيث أدت أعمال الشغب والقتل بين الهندوس والمسلمين التي بدأت في كالكاتا، إلى إرسال شرارات قاتلة من الغضب والجنون والخوف إلى كل ركن من أركان شبه القارة الهندية حيث بدا أن ضبط النفس قد اختفى.

وكلف اللورد ماونتباتن، وهو من أقارب الأسرة البريطانية المالكة وقُتل في عام 1979 بانفجار قنبلة زرعها في يخته الجيش الجمهوري الأيرلندي، بمهمة إخراج بريطانيا من أكبر مستعمراتها.

وقد تم إرساله في مارس/آذار من عام 1947 إلى الهند ليحل محل ويفيل كنائب للملك بينما كانت بريطانيا مستعدة لنقل سلطتها على الهند إلى بعض الأيدي “المسؤولة” في موعد أقصاه يونيو/حزيران من عام 1948.

وبعد وقت قصير من وصوله إلى دلهي، قرر ماونتباتن أن الوضع خطير للغاية ويستلزم اللجوء إلى خيار التقسيم بدلا من المخاطرة بمزيد من المفاوضات السياسية، كما قرر أنه من الأفضل أن تتم عملية انسحاب القوات البريطانية من الهند بسرعة.

وقد أقر البرلمان البريطاني في يوليو/تموز من عام 1947 قانون استقلال الهند، وأمر بترسيم حدود الهند وباكستان بحلول منتصف ليل 14-15 أغسطس/آب من عام 1947 .

لذلك تم الانتهاء من رسم خط تقسيم شبه القارة إلى دولتين في خمسة أسابيع فقط.

وهكذا تم تقسيم أكبر إمبراطورية في العالم، التي تم دمجها بطرق لا تعد ولا تحصى لأكثر من قرن، في غضون شهر واحد.

وكان غاندي وحده الرافض لخيار التقسيم، وحث ماونتباتن على أن يعرض على جناح رئاسة وزراء الهند الموحدة بدلا من دولة مسلمة منفصلة، ولكن لم يوافق نهرو على ذلك، ولا نائبه الأقوى في حزب المؤتمر فالابهبهاي جافرباي باتيل، حيث سئم كلاهما الجدال مع جناح وكانا حريصين على تولي مهمة إدارة حكومة هندية مستقلة.

مآسي التقسيم

وقد جلبت عملية التقسيم معها واحدة من أكبر مآسي القرن العشرين.

فقد كان عدد سكان الهند آنذاك يناهز 400 مليون نسمة، غالبيتهم من الهندوس، وكان المسلمون يشكلون 25 في المئة تقريبا من مجموع سكان البلاد.

وقال مسؤول بريطاني عليم ببواطن الأمور حينذاك: “جاء التقسيم والاستقلال معا. فقد كان الواحد منهما ثمنا للآخر”.

ولكن بعد مضي يومين فقط، عندما تبينت طبيعة خط الحدود بين البلدين الوليدين، أصيب جميع الهنود والباكستانيين بالقنوط والحزن.

ومن جانبه، اشتكى محمد علي جناح بأنه حصل على باكستان “أكلها العث”، إذ تكونت الدولة المسلمة الجديدة من شطرين يفصل بينهما ألفا كيلومتر من الأراضي الهندية (استقلت باكستان الشرقية في عام 1971 لتؤسس دولة بنغلاديش بعد حرب شرسة لعبت فيها الهند دورا مهما).

وقبيل إعلان استقلال الدولتين، اندلعت صدامات بين الهندوس والمسلمين، ولكن أحدا لم يتوقع مستوى العنف الذي اندلع عقب التقسيم.

فعندما أعلن قرار التقسيم، نزح 12 مليون لاجئ على الأقل من إحدى الدولتين إلى الدولة الأخرى، وقتل في العنف الطائفي نصف مليون إلى مليون شخص على الأقل كما اختطف عشرات الآلاف من النساء.

ولم تتعافى العلاقات الهندية الباكستانية أبدا من أثر التقسيم وآلامه.

فالبلدان ما زالا يدعيان السيادة على ولاية كشمير.

وخلال أسابيع من استقلالهما، خاض البلدان حربا حول السيادة على وادي كشمير في صراع ما زال بلا حل ويمثل نتائج عملية تقسيم ناقصة ومعيبة.

مشكلة كشمير

خلال العقود الماضية ظلت منطقة كشمير القريبة من جبال الهيمالايا محل نزاع بين الهند وباكستان.

فمنذ تقسيم الهند وقيام باكستان عام 1947 وقعت حربان بين البلدين حول منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة، والتي يطالب البلدان بالسيادة عليها.

وتعد كشمير اليوم واحدة من أكثر المناطق المدججة بالسلاح في العالم، فيما تدير الصين أجزاء من الإقليم.

وكانت كشمير دائماً موضع خلاف بين كل من باكستان والهند حتى قبل الاستقلال عن بريطانيا عام 1947.

فبموجب خطة التقسيم المنصوص عليها في قانون الاستقلال الهندي، كان لدى كشمير الحرية في اختيار الانضمام إلى الهند أو باكستان.

واختار وقتها حاكمها” هاري سينغ، الهند، فاندلعت الحرب عام 1947 واستمرت مدة عامين.

ودخلت كشمير مرحلة الصراع بين الهند وباكستان، وبدأت حرب أخرى في عام 1965، في حين خاضت الهند صراعاً قصيراً، لكنه مرير مع قوات مدعومة من باكستان في عام 1999 .

وفي تلك الفترة، أعلنت كل من الهند وباكستان أنهما قوتان نوويتان.

ويشكل المسلمون في ولايتي جامو وكشمير الخاضعتين للإدارة الهندية أكثر من 60 في المئة من نسبة السكان، مما يجعلها الولاية الوحيدة داخل الهند ذات الغالبية المسلمة.

وأدى تفاقم المشكلة إلى ارتفاع معدلات البطالة والشكاوى من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل قوات الأمن التي تواجه المتظاهرين والمتمردين في الشوارع.

وبدأت حالات العنف بالظهور في الولاية منذ عام 1989، لكن موجة العنف تجددت في عام 2016 بعد مقتل الزعيم المتشدد برهان واني، الذي كان يبلغ من العمر 22 عاماً، وكانت له شعبية واسعة بين جيل الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبر على نطاق واسع أنه وراء حالة التشدد في المنطقة.

وقُتل في معركة مع قوات الأمن، الأمر الذي أدى إلى انفجار موجة من المظاهرات الضخمة في المنطقة.

ومنذ ذلك الحين، ازدادت حالات العنف في الولاية، وخاصة بعد مقتل نحو ثلاثين شخصاً كانوا قد حضروا جنازته في مسقط رأسه، سريناغار في أعقاب اشتباكات بينهم وبين قوات الأمن.

وفي عام 2018، قُتل أكثر من 500 شخص من المدنيين وقوات الأمن والمسلحين، وكان ذلك أعلى عدد من الضحايا خلال عقد من الزمن.

بنغلاديش

وكانت بنغلاديش (باكستان الشرقية سابقا) بؤرة توتر هي الأخرى بين الجانبين، حيث دعمت الهند استقلالها عن باكستان، مما أدى لاندلاع حرب هندية باكستانية في عام 1971.

وقد بدأت النزعة الاستقلالية في بنغلاديش مبكرا، ففي عام 1948 قام رئيس وزراء باكستان حينئذ ومؤسسها، محمد علي جناح، بفرض لغة الأوردو على بنغلاديش (باكستان الشرقية في ذلك الوقت).

وفي عام 1952 قررت حكومة باكستان أن الأوردية “والأوردية فقط هي لغة الدولة” بينما يعيش غالبية السكان في البنغال الشرقية ويتحدثون البنغالية.

وقد تحدى البنغاليون هذا القرار حيث تعد اللغة عندهم مصدر فخر، فقاموا باحتجاجات عديدة من أجل إقرار لغتهم في التعليم ووسائل الإعلام وفي العملة وطوابع البريد وغيرها.

وفي 21 فبراير/شباط من عام عام 1952 قام طلبة ونشطاء سياسيون باحتجاجات تصدت لها القوات الباكستانية مما أسفر عن مقتل خمسة من الطلبة المتظاهرين.

وفي عام 1956 منحت حكومة باكستان وضعية اللغة الرسمية للغة البنغالية بعد سنوات من النزاع.

وفي 26 مارس/آذار عام 1971 استقلت باكستان الشرقية (بنغلاديش) عن باكستان وأصبحت البنغالية هي اللغة الرسمية للدولة الوليدة.

وجاء ذلك الاستقلال بعد حرب بين الهند وباكستان حيث تدخلت الهند لمساعدة البنغاليين في مسعاهم للاستقلال عن باكستان.

شارك هذه المقالة
ترك تقييم