تعد الانتخابات العامة في الهند حدثاً بارزاً يشد انتباه الأسواق المالية والمستثمرين على حد سواء، لما ما تمثله من فرصة مهمة للشعب الهندي لاختيار ممثليه في البرلمان، وبالتالي تحديد الاتجاهات السياسية والاقتصادية المستقبلية للبلاد.
يأتي ذلك في سياق تطلعات رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي يتولى منصبه منذ عام 2014، للحصول على فترة رئاسية ثالثة، بعد أن شهد عهده تقدماً اقتصادياً ملحوظاً حيث ارتقت الهند لتكون خامس أكبر اقتصاد في العالم، ما يطرح تساؤلاً جوهرية حول مدى تفاعل الاقتصاد والأسواق الهندية مع هذه الانتخابات.
يرى خبراء اقتصاد في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الانتخابات عادة تؤثر على الأسواق المالية والاقتصاد، ولكن بشكل مؤقت وليس على المدى الطويل، لأن السوق تعتمد على الاتجاهات الاقتصادية والتضخم، وأشاروا إلى أن فهم العلاقة بين الانتخابات واتجاهات السوق أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمستثمرين، انطلاقاً من الأهمية الاقتصادية المتنامية للهند. وانطلقت الانتخابات العامة في الهند لعام 2024، في 19 أبريل الجاري، وتستمر حتى يونيو المقبل، وتجري على 7 مراحل خلال أيام 19 و26 أبريل، و7 و13 و20 و25 مايو، والأول من يونيو، على أن يتم إعلان النتائج في الرابع من يونيو المقبل، حيث يشارك فيها 968 مليون ناخب لاختيار نواب البرلمان وبالتالي سوف تقرر هذه الانتخابات الحزب أو الائتلاف الذي سيشكل الحكومة، وتحديد ما إذا كان مودي، سيؤمن فترة ولاية ثالثة في منصبه.
مودي مرشح صديق للسوق
ويُنظر إلى مودي على أنه مرشح صديق للسوق، وتحت قيادته، أصبحت الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي 3.7 تريليون دولار، وتهدف الآن إلى أن تصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2027، بحسب تقرير نشرته أخيراً شبكة (سي إن بي سي) الأميركية.
وتشير شركة الأبحاث “برنشتاين” إلى أن “الأسواق الهندية ستواجه تصحيحاً حتمياً إذا كان فوز مودي في الانتخابات مخيباً للآمال، والأسواق التي تبحث ببساطة عن سبب للهبوط قد تبالغ في رد فعلها تجاه شعور قد لا يعني الكثير من الناحية العقلانية”.
وكانت أسواق الأسهم الهندية بدأت عام 2024 عند مستويات قياسية، وكان معظمها مدعوماً بتفاؤل ما قبل الانتخابات – ولكن مع بدء البلاد انتخاباتها، حذرت “برنشتاين” من احتمال حدوث تصحيح في السوق. وارتفع مؤشر “نيفتي 50” وهو مؤشر قياسي لسوق الأوراق المالية الهندية، بنسبة 3 بالمئة منذ بداية العام بعد أن كسب أكثر من 20 بالمئة في عام 2023، وهو العام الثامن على التوالي من المكاسب، ومع ذلك، انخفض المؤشر بنحو 1.7 بالمئة من أعلى مستوى إغلاق قياسي سجله مؤخراً في 11 أبريل وسط مخاوف جيوسياسية، مثل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط التي أزعجت الأسواق العالمية.
وقال محللو “برنشتاين” فينوغوبال غاري ونيخيل أريلا، في مذكرة للعملاء: “إن النشوة التي تسبق الانتخابات تتزايد، حيث تتعزز التوقعات المحددة مسبقاً لاستمرارية السلطة بشكل أكبر من خلال احتمال فوز ائتلاف الحزب الحاكم بأكثر من 400 مقعد”.
وأضاف المحللان: “إنه بسبب التوقعات المرتفعة لتفويض قوي لحزب بهاراتيا جاناتا وائتلافه، فحتى تكرار الأداء التاريخي لعام 2019 قد لا يكون كافياً هذه المرة”.
الانتخابات لا تؤثر على أداء السوق على المدى الطويل
وقال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “عادة ما تأتي سنوات الانتخابات مع اعتقاد بأن لها تأثيراً كبيراً على الأسواق المالية والاقتصاد، ومع ذلك، تشير البيانات التاريخية إلى أن هذا ليس بالضرورة أن يحدث، ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يغلب على الأسواق الارتفاع المؤقت بغض النظر عمن هو الحزب الأوفر حظاً في الانتخابات أو السياسات التي ينتهجها لتحفيز الاقتصاد، كما تشير البيانات أيضاً إلى أن نتائج الانتخابات لا تؤثر على أداء السوق على المدى الطويل، وأن عوائد السوق تعتمد عادةً على الاتجاهات الاقتصادية والتضخم”. وأوضح أن الأمر لا يختلف كثيراً في الهند، حيث يميل الاقتصاد الهندي إلى المرور في مرحلة تقلبات خلال فترات الانتخابات، وهذا أمر شائع في الفترات الانتخابية بسبب عدم اليقين حول استمرارية السياسات واستقرار الحكومة، ولكن بمراجعة مؤشر “سينسكس”، الذي يعد مؤشراً رئيسياً للأسهم في الهند، نرى زيادات وانخفاضات في أوقات الانتخابات، مما يعكس مشاعر المستثمرين وردود الفعل على التطورات السياسية.
استمرارية سياسة الحزب الحاكم تخلق بيئة مستقرة للأعمال
بالنظر إلى الانتخابات الجارية حالياً في الهند فإن أن استمرار الأغلبية لحزب “BJP” بقيادة ناريندرا مودي من المرجح أن يحافظ على الازدهار الاقتصادي ويعطي الأولوية للبنية التحتية والرقمنة وسياسات التخصيص، وأن استمرارية سياسة الحزب الحاكم تُعتبر عموماً إيجابية للسوق، حيث تخلق بيئة مستقرة للأعمال والاستثمار.
لكن بالمقابل قد تؤدي نتائج انتخابية أخرى، مثل ائتلاف يقوده الحزب الجمهوري أو ائتلاف ضعيف يقوده تحالف آخر، إلى مخاوف بشأن الانضباط المالي وتنفيذ الإصلاحات، مما قد يؤثر على ثقة المستثمرين ويبطئ الإنفاق الرأسمالي للشركات الخاصة، طبقاٌ لما قاله القمزي. وأكد الخبير الاقتصادي القمزي أن الفترات الانتخابية قد تسبب بعض التقلبات، ولكنها دائما قصيرة الأجل، ولا تؤثر على أساسيات الاقتصاد وعلى السوق.
وبالنسبة للشركات والمستثمرين فالمطلوب منهم الالتزام باستراتيجية طويلة الأمد وعدم التأثر بالتقلبات المؤقتة خلال فترة الانتخابات والتصويت، بحسب تعبيره.
مرونة اقتصادية
من جهته، يرى الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”، في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” علي حمودي أن فهم العلاقة بين الانتخابات واتجاهات السوق أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمستثمرين، مشيراً إلى أـن الانتخابات في الهند لها تأثير كبير على اقتصاد البلاد والأسواق المالية، انطلاقاً من الأهمية الاقتصادية المتنامية للهند والتي تُصنف حالياً كخامس أكبر اقتصاد على مستوى العالم.
وعلى الرغم من حالة عدم اليقين العالمية، استحوذت مرونة الهند الاقتصادية على الاهتمام، حيث أظهرت الأسواق استقراراً ملحوظاً وإمكانات للنمو، فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للهند بنسبة 8.4 بالمئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023 مقارنة بالعام السابق مما يضع الهند في صدارة أكبر عشرة اقتصادات عالمية، وفقاً لحمودي. وفي آخر تحديث نصف سنوي لتنمية جنوب آسيا رفع البنك الدولي توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد الهندي في عام 2024 إلى 7.5 بالمئة وهو أقل قليلاً من 7.6 بالمئة التي قدرها مكتب الإحصاء الوطني في الهند، كما رفع البنك توقعاته للنمو الاقتصادي الهندي لعام 2025 بمعدل 20 نقطة أساس، وصولاً إلى 6.6 بالمئة مرجعاً ذلك “المراجعات التصاعدية لنمو الاستثمار”.
وتوقع بنك الاستثمار الأميركي “غولدمان ساكس” أن ينمو الاقتصاد الهندي بأكثر من 6 بالمئة خلال العقد الحالي، وهو ما يحفز ضخ استثمارات أكثر من الصين في الدولة الجنوب آسيوية.
وأوضح الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons” أنه على الرغم من التقلبات خلال الدورات الانتخابية، فإن المشهد المالي في الهند حقق نمواً كبيراً حيث ارتفعت القيمة السوقية لبورصة بومباي (BSE) إلى ما يزيد عن 4 تريليون دولار أميركي، وهو ما يمثل زيادة بمقدار أربعة أضعاف منذ عام 2014. وقد تضاعف مؤشر BSE Sensex ثلاث مرات تقريبًا، حيث وصل إلى أكثر من 73000 نقطة من 24000 نقطة في عام 2014.
كما ارتفعت أصول صناديق الاستثمار الخاضعة للإدارة (AUM) بنسبة تزيد عن 500 بالمئة، وارتفعت الأموال المجمعة في سوق الاكتتاب الخاص بنسبة تزيد عن 120 بالمئة في عام 2023.
اقتصاد مزدهر
مما لا شك فيه أن الانتخابات الهندية تؤثر على معنويات السوق وقرارات الاستثمار، في حين أن الاتجاهات السابقة تقدم رؤى قيمة، فضلاً عن أن المشهد الاقتصادي المتطور في الهند وأداء السوق القوي يسلطان الضوء على مرونة البلاد وإمكانات النمو، بحسب حمودي الذي يرى أنه يجب على المستثمرين أن يظلوا يقظين وأن يكيفوا استراتيجياتهم للتنقل عبر الدورات الانتخابية الديناميكية والاستفادة من الفرص الناشئة في الاقتصاد الهندي المزدهر.