هو باحث وكاتب وعسكري بريطاني حشد للثورة العربية في الحرب العالمية الأولى واشتهر باسم “لورنس العرب”.
في 16 أغسطس / آب عام 1888ولد توماس إدوارد لورانس في شمال ويلز لأب إنجليزي وأم اسكتلندية، وقد ترك والده توماس تشابمان زوجته ليعيش مع والدة لورانس سارة مادين، وكانت مربية.
ودرس لورنس في جامعة أكسفورد ومنذ صغره أحب الرسم على النحاس، وتعلق بشكل خاص بعلم الآثار. وقد انبثق اهتمامه بالعرب من واقع شغفه بالتاريخ والآثار.
اهتمام لورانس بالشرق الأوسط انبثق عن شغفه بالتاريخ والآثار وفي الحرب العالمية الأولى عمل مع المخابرات البريطانية خلال القتال ضد الأتراك
وفي عام 1909 تمكن الرجل، الذي لم يتجاوز طول قامته 167 سنتيمترا، من القيام برحلة سير قطع خلالها 1100 ميل في سوريا وفلسطين لرسم لوحات والتقاط صور لثلاثين قلعة.
وبعد ذلك بعام انضم إلى الحفريات الأثرية في سوريا، حيث أقام من عام 1911 إلى عام 1914 وتعلم اللغة العربية وأجادها، كما نمى لديه تعاطف عميق مع العرب، الذين عانوا قرونا تحت النيران التركي.
وفي بداية عام 1914 شارك لورنس في بعثة استطلاعية عسكرية سرية في شمال سيناء، تحت غطاء بعثة استكشاف أثرية.
وكانت لهذه المهمة أثر بالغ على المنحى الذي نحاه في المستقبل.
فمع اقتراب الحرب، كان لورد كتشينر، المسؤول البريطاني في مصر، يرغب في وضع خريطة لمنطقة بين سيناء وصحراء النقب، والتي كانت خاضعة للحكم التركي، وهي المنطقة التي كان يتوقع أن يستخدمها الأتراك كطريق لمهاجمة قناة السويس.
وبعد اندلاع الحرب في أغسطس/آب 1914، انضم لورنس إلى قسم الجغرافيا في وزارة الحرب في لندن ثم أصبح ضابط مخابرات في القاهرة ليكون جزءا من عمل استخباري لمساعدة المجهود الحربي ضد تركيا، والتي خاضت الحرب إلى جانب ألمانيا ضد الحلفاء
كان أحد الأهداف الرئيسية استكشاف كيفية تشجيع القبائل العربية على التمرد ضد الأتراك. وفي منتصف عام 1915 لقي شقيقاه ويل وفرانك مصرعهما في الحرب في فرنسا.
الثورة العربية الكبرى
وفي يونيو/حزيران عام 1916 بدأت الثورة العربية ضد تركيا، حليفة ألمانيا، وهي الثورة التي عمل البريطانيون بجد على تشجيعها.
واتجه لورنس للجزيرة العربية وعمل مع القوات العربية غير النظامية لعامين متتاليين. وأصبح لورنس ضابط اتصال ومستشارا لفيصل، نجل زعيم الثورة الشريف حسين بن علي في مكة. وكان لورانس تكتيكيا مميزا ومنظرا مؤثرا للغاية في حرب العصابات ضد الأتراك.
فقد هاجمت قواته غير النظامية الصغيرة والفعالة طرق الاتصالات والإمداد التركية وحالت دون مشاركة الآلاف من القوات التركية في القتال ضد قوات الحلفاء بقيادة الجنرال إدوارد اللنبي.
وكان الهدف الأسمى للورنس هو مساعدة العرب على تحقيق النجاح العسكري الذي من شأنه أن يؤدي إلى الحكم الذاتي بعد الحرب.
وفي يونيو/حزيران عام 1917 حققت القوات العربية أول انتصار كبير لها حيث استولت على العقبة، وهي ميناء ذو أهمية استراتيجية على البحر الأحمر، واستمر النجاح حيث شقوا طريقهم تدريجيا شمالا.
مقترحات لورنس للحدود
وبعد سقوط دمشق في أكتوبر/تشرين الأول عام 1918 ، غادر لورانس إلى لندن ثم مؤتمر باريس للسلام للضغط من أجل استقلال العرب.
واشتملت مذكرة لورنس إلى اللجنة الشرقية لمجلس وزراء الحرب في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 على مقترحات تتعلق بالحدود.
وكان لورنس يأمل بأن يعيد رسم الحدود في المشرق العربي استنادا إلى معرفته بالمناطق المعنية وسكانها، تلغى خطة التقسيم التي تم الاتفاق عليها عام 1916 بين سير مارك سايكس وفرانسوا بيكو ممثلين عن بريطانيا وفرنسا.
وكان لورانس قد درس خلال عامي 1915 و1916 التقارير والمعلومات الواردة من كافة تلك المناطق دراسة معمقة.
كما بحث لاحقا المستقبل السياسي للمنطقة إلى جانب متطوعين من سوريا وبلاد الرافدين.
وقد اقترح لورنس حكومتين منفصلتين للمناطق الكردية والعربية في العراق الحالي. كما اقترح حكومتين منفصلتين للعرب في بلاد الرافدين والأرمن في سوريا.
غير أن البريطانيين والفرنسيين كانوا قد اتفقوا، قبل بدء مؤتمر باريس، على مستقبل الأراضي العربية التي كانت خاضعة لتركيا.
وأصيب لورنس بخيبة أمل بسبب فشله في ضمان حصول العرب على حكم ذاتي، فقد أراد أن تحقق الجزيرة العربية استقلالها، لكنه أصبح من المشاهير، بمساعدة جهود الدعاية للصحفي الأمريكي لويل توماس.
وفي عام 1921 عين وزير المستعمرات وينستون تشرشل لورانس مستشاراً له للشؤون العربية، ولكنه استقال في عام 1922 وانضم إلى سلاح الجو الملكي.
وخلال العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، خدم في كل من سلاح الجو الملكي البريطاني وفيلق الدبابات بأسماء مستعارة ، لكن الصحافة استمرت في ملاحقته.
“أعمدة الحكمة السبعة“
صدرت طبعة خاصة من كتابه “أعمدة الحكمة السبعة” في عام 1926. ولم يتم إصدار طبعة عامة كاملة إلا بعد وفاته.
وأرخ لورانس في كتابه “أعمدة الحكمة السبعة” (الذي نشر للمرة الأولى عام 1922) للثورة العربية. ولم يقلل هذا الكتاب من أهمية ما اعتبره لورانس دوره الحاسم، وقد ساعد الكتاب في شهرته.
ويتضمن كتاب أعمدة الحكمة السبعة مغامرات لورانس في الحجاز، وقيادته لمجموعة مقاتلين عرب وهو متنكر بزي عربي
وكتب لورانس في كتابه تفاصيل حياته، مثل وقوعه في يد الأتراك، وفشلهم في التعرف عليه ثم هروبه.
وتقول دائرة المعارف البريطانيه إن لورانس ترك سلاح الجو الملكي وتقاعد في 26 فبراير/شباط عام 1935، ثم انتهت حياته في منتصف العمر بعيدا عن الجزيرة العربية، إذ أنه لقي حتفه في 19 مايو /آيار في نفس العام في حادث دراجة نارية.
ومنذ ذلك الحين، اعتبره البعض كاتبا كبيرا، بينما يرى آخرون أنه في أفضل الأحوال يمثل علامة هامشية على الأيام الأخيرة من الإمبراطورية.
وفي عام 2005 أقام المتحف الحربي الملكي في العاصمة البريطانية لندن معرضا تحت عنوان “لورانس: الحياة والأسطورة”، حيث عرض مجموعة خاصة به منها خريطة لمقترحات لورنس حول حدود الشرق الأوسط عقب الحرب العالمية الأولى.
واشتمل المعرض على مجموعة من الصور الفوتوغرافية المتميزة للورانس بالملابس العربية، فضلا عن عرض علم الثورة العربية على الحكم التركي، بألوانه السوداء والبيضاء والخضراء، يخترقها المثلث الأحمر.
كما طرح المعرض أيضا مقتنيات خاصة بهذه الشخصية التي اكتسبت هالة لدى البريطانيين، وارتبطت بمرحلة هامة من تاريخ المنطقة العربية.
أعمال فنية
\وقد ألهمت شخصية لورانس العديد من الأعمال الفنية فكان أن أنتج فيلم عن حياته عام 1962 باسم “لورانس العرب” للمخرج ديفيد لين و بطولة بيتر أوتول وقد صنع هذا الفيلم نجومية أوتول، وعزز أيضا من أسطورة لورانس.
وقبل ذلك بعامين، كتب ترانس راتيغان مسرحية “روس” التي ركزت أيضا على لورانس وكانت من بطولة أليك غينيس.
وأعيد إنتاج هذه المسرحية مرة أخرى في “مسرح مهرجان تشيشستر” في الشهر التالي وأدى الدور الرئيسي فيها جوزيف فاينس.
وفي عام 2016 قدم الكاتب المسرحي البريطاني هوارد برينتون على مسرح “هامستيد” مسرحية بعنوان “لورانس ما بعد العرب” ليست ذات طابع سياسي.
وقال برينتون إن شخصية لورانس كانت تجمع بين الفنان والرجل العملي والشخص الذي يعشق الشهرة، لكنه كان يعاني نوعا من الاضطراب الداخلي.
وأضاف: “في عام 1916، لعب (لورانس) دورا في الثورة العربية ضد الأتراك، وإذا نظرت إلى ذلك الآن فإنه يجب عليك أن تفكر كيف أن الطريقة التي قسمت بها القوى الكبرى، وبشكل أساسي بريطانيا وفرنسا، الجزيرة العربية قد شكلت العالم حتى اليوم”.
ولم تدر الكثير من أحداث تلك المسرحية تحت سماء الصحراء لكن داخل المنزل الرائع للكاتب الأيرلندي جورج برنارد شو وزوجته شارلوت باين-تاونسند والواقع في مقاطعة “هارتفوردشير” بانجلترا.
وكان لورانس في فترة من الفترات يزور منزل برنارد شو باستمرار. ورغم أن معظم المعلقين يعتقدون أن لورانس كان مثلياً فإن علاقة معقدة جمعت بينه وبين باين-تاونسند ، وهي العلاقة التي وقعت في قلب هذه المسرحية في نواح عديدة.
وأدى دور لورانس في هذه المسرحية الممثل جاك لاسكي، الذي اشتهر بدوره في مسلسل “انديفور”.
وقال لاسكي: ” “هناك الكثير جدا من التناقضات في شخصيته. لقد أراد لورانس أن يكون في دائرة الضوء، لكنه أراد أيضا أن يظل غير معروفاً. من الواضح أنه شعر بالذنب لأنه اعتقد أنه خدع العرب في الحرب، وأنه وعد بأمور لم تكن لندن لتسمح بها مطلقا. لقد شعر بأن يجب عليه أن يكفر عن ذلك”.