أعاد التسريب الأخير المنسوب للوزير الفلسطيني حسين الشيخ وهجومه العنيف على الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأذهان سلسلة التسريبات لقيادات من حركة فتح خلال العقود الأخيرة وتحديدًا تسريبات “عباس – دحلان”.
ووجه الشيخ في التسجيل الصوتي المنسوب له والذي نشرته وسائل إعلام فلسطينية محلية، الثلاثاء، اتهامات لرئيس السلطة عباس، بإحداث حالة من الفوضى والمسؤولية عنها إلى جانب التهجم عليه وعلى رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني ماجد فرج، بألفاظ نابية، حيث قائل: “أنا بقلكم أبو مازن شريك بالفوضى، هو شريك فيها وله مصلحة في بقائها، ويؤسفني أن أقول هذا الكلام”.
ومتحدثا عن طريقة الخلاص من عباس على ما يبدو قال الشيخ: “اليوم الوسيلة تختلف عن قصة عرفات بالكامل”، مشيرا إلى أنه يراوح في علاقته مع عباس بين “التعايش والصدام.. وكلاهما خسارة”، مكملاً: “عباس لما يكون ماخذ موقف وبده يمشيه بيجي بتواقح معك، اليوم هذا الموضوع جوهر القصة”.
ووصف الشيخ ما يدور حاليًا داخل حركة فتح بـ”معركة خلافة أبي مازن” التي تتدخل فيها عدة جهات، لكنه شدد على وجود خطة مرتبة لذلك، وقال: “معركة خلافة أبي مازن، الأمن داخل بالموضوع، وشغال في اللعبة هذه، وجزء من المركزية (اللجنة المركزية للحركة) داخل في الموضوع”.
وعكست هذه التصريحات التي بدت أنها مع مقربين من الشيخ، حجم الخلافات داخل أروقة حركة فتح فيما يخص ملف “خلافة” الرئيس عباس الذي ما يزال يرفض حتى اللحظة تعيين نائباً له في منصب رئاسة السلطة خشية من تكرار سيناريو عرفات معه.
اللافت في تسريبات الشيخ الأخيرة أنها جاءت مغايرة للصورة النمطية المعتادة عن علاقته بالرئيس عباس ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج والتي كانت تصوّر العلاقات بينهم على أنهم مثلث السلطة في الضفة الغربية المحتلة خلال السنوات الماضية.
وجاء ما حصل من تسريب مشابهاً لحرب التسريبات التي أطاحت بدحلان من المشهد الفلسطيني عام 2009 حينما خرجت تسريبات صوتية له هاجم فيها شخصيات من القيادة الفلسطينية كان على رأسهم حليفه السياسي داخل حركة فتح محمود عباس.
ويعتبر مراقبون ما يجري حاليًا امتداد لسياق الانشقاقات التاريخي للحركة خلال الثمانينات في عهد “أبو نضال” أو ما يعرف بـ “الإنشقاق الكبير” إلى جانب حوادث فصل ناصر القدوة وإقالة اللواء توفيق الطيراوي من منصبه على خلفية خلافهم مع الرئيس عباس.
في السياق، يقول الكاتب والباحث في الشأن السياسي ساري عرابي إن غالبية التسريبات التي جرت لقيادات وعبر مضامينها تؤكد أنها قيلت في أروقة الحركة وضمن أوساط فتحاوية داخلية كما حصل في التسريب الأخير المنسوب للوزير الشيخ.
ويضيف عرابي لـ “شبكة قدس” أن المستفيد من التسريب هي الأطراف التي كانت على اطلاع على هذه التسريبات وعملت على نشرها خصوصاً أنه لا أحد يستطيع معرفة مضامين هذه الجلسات إلا إذا كان شريكًا في مثل هذه الجلسات.
وبحسب الباحث والكاتب في الشأن السياسي فإن العنوان الأبرز للخلافات هذه الفترة يتمحور على مرحلة ما بعد الرئيس عباس، إضافة إلى أن الحركة لم تخلو تاريخيًا من الخلافات والتسريبات على الكثير من القضايا وكانت تعبر عنها بالتسريبات.
المصدر: شبكة قدس
ويشير عرابي إلى تسريبات دحلان في عام 2009 والتي لم يمضِ عليها أكثر من 10 إلى 11 عامًا وهو ما يعني أن التسريبات والصراعات هي طبيعة فتحاوية تعود جذورها إلى الفترة التي كانت الحركة منخرطة فيها بالثورة والكفاح المسلح.
ويلفت إلى أن الصراع تاريخياً في أوساط حركة فتح كان يدور على فكر سياسي وأشكال قيادة المرحلة كما حصل في فترة الانشقاق الكبير “أبو موسى” ومرحلة “أبو نضال”، فيما تحول اليوم الصراع إلى ما يشبه الصراع على السلطة والمكاسب القيادية المتمثلة في المواقع.
ويؤكد على أن أصل التسريبات التاريخية كان أيدلويجياً ومتعلقاً بإدارة الثورة الفلسطينية وآلية إدارتها، فيما يبدو المشهد اليوم مختلفاً ومنحصراً في كيفية إدارة السلطة والمكتسبات القائمة وهو الأمر الذي يسهم في تعزيز الخلافات بهذه الشاكلة.
وعن كون التسريبات الأخيرة مفاجأة، يعلق عرابي قائلاً: “لا شك أن الوزير الشيخ كان يعد من الشخصيات الأكثر قرباً من الرئيس عباس وهو ما أسهم في توليه منصب أمانة السر لمنظمة التحرير وتعزيز مكانته داخل حركة فتح إضافة لظهوره المتكرر قرب الرئيس عباس”.
ويشدد على أن كل ما قدمه الرئيس عباس للوزير الشيخ يبدو أنه لم يكن كافيًا وأن الخلاف يتعلق بحسم خلافة الرئيس وهو أمر يجعل الكثير من الأطراف غير راضية مع الإشارة إلى أن العلاقة لم تنتهي أو تنفك تمامًا بين الرئيس والوزير الشيخ.
صورة فتح وتاريخها..
في السياق، يرى المختص في الشأن السياسي أحمد رفيق عوض أن مثل هذه التسريبات تؤثر على تاريخ حركة فتح وقيمها ومبادئها وعلى أفرادها وعلى الكوادر وعلى التنظيم في مختلف طبقاته وعلى اتخاذ القرار داخل أوساط الحركة ككل.
ويقول عوض لـ “شبكة قدس” إن هذا الأمر يبدو طبيعيًا داخل أوساط الحركات الشعبية والجماهيرية مثل حركة فتح إضافة إلى كون الأمر ليس جديدًا في واقع الحركة التي تقترب من عامها الـ 58 وتحولت من ثورة إلى ما يشبه السلطة والدولة.
ويضيف: “التسريبات هي انعكاس لحالة التداخل بين الفكر المقاوم وبين الفكر الموظف، وبين التدخلات الخارجية والإقليمية وبين التدخلات المحلية وهي تعبر عن حالة عدم الإنجاز، وما يجري داخل حركة فتح هو أمر طبيعي في واقع حركة قديمة كحركة فتح”.
ويشير عوض إلى أن التسريب الذي نسب إلى الوزير الشيخ قد لا يكون صحيحًا وقد يكون مفبركًا، لكن ما هو صحيح هي حالة الجدل حول اليوم التالي لرحيل الرئيس محمود عباس مع وجود اختلافات واجتهادات وأصوات وتقديرات مختلفة جدًا.
ويؤكد المختص في الشأن السياسي على أن التسريبات التي نشرت للشيخ ليست مصدرًا من المصادر التي يمكن البناء عليها، إذ أنه في النظام السياسي الفلسطيني لا يمكن لأحد اختطاف النظام ككل وهناك الديمقراطية الفلسطينية التي يمكن الاعتماد عليها مثل المجلس الوطني والمجلس المركزي وهو ما يجعل فرضية اختطاف الحالة الفلسطينية غير قائمة.
وينوه عوض إلى أن التسريبات ورغم كونها سمة من السمات التي تلاحق حركة فتح تاريخيًا إلا أنها تعتبر مستوى آخر من مستويات الصراع “الشخصي”، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلعب التسريبات دور كبير في اتخاذ القرار الفلسطيني رغم أن التسريبات مضرة.