لم ينته الجدل في القاهرة عن الصندوق الاستثماري الجديد لقناة السويس الذي بدأت الحكومة المصرية الخطوات التنفيذية لتدشينه، معتبرة إياه حصناً لحماية هيئة القناة ضد التقلبات السياسية والاقتصادية العالمية وحالات الطوارئ، ومستشهدة بأزمة الجائحة العالمية، علاوة على أزمة السفينة الجانحة “إيفرغيفن” في مارس (آذار) 2021.
وبمجرد إعلان مجلس النواب المصري صباح الإثنين الماضي، “مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 لنظام هيئة قناة السويس” حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالمناقشات التي امتدت إلى المواقع الإخبارية بعد أن انقسمت الآراء بين مؤيدين ومعارضين حول المشروع، وسط غياب للمعلومات والبيانات حول مستقبل الصندوق الاستثماري الجديد وآلياته وتبعيته ومصادر تمويله، مما نتج منه عشرات الأسئلة ومئات التعليقات.
طرح القناة في البورصة
في تلك الأثناء تحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن إمكان طرح شركة قناة السويس في البورصة للمصريين فقط، موضحاً خلال فعاليات افتتاح مصنعي إنتاج الغازات الطبية والصناعية ومحطة توليد الطاقة الثلاثية بمجمع الصناعات الكيماوية (النصر) بمنطقة أبو رواش بمحافظة الجيزة الإثنين 26 ديسمبر (كانون الأول) أنه “إذا تم طرح شركة قناة السويس كأسهم في البورصة فسيكون ذلك للمصريين فقط”.
وشدد الرئيس المصري على ضرورة وجود أوعية ادخارية لدى الوزارات والهيئات المختلفة، مستشهداً بصندوق قناة السويس، ومشيراً إلى أن “إيراد القناة بلغ 220 مليار دولار منذ عام 1975 وحتى الآن”.
ولفت إلى أنه “لو تم استقطاع 10 في المئة من ذلك الإيراد ووضعه في صندوق كان من الممكن استخدامه لتمويل مشاريع هيئة قناة السويس والتطوير فيها”.
من جانبه قال الباحث في شؤون الاقتصاد مدحت نافع إن “الضجة التي نشبت عقب إعلان صندوق القناة في غير محلها بعد أن استبقت التوضيحات الكافية من الجهة المصدرة للقانون، وهي مجلس النواب”، مضيفاً في تصريحات صحافية أن “المسؤولين عن القانون سواء هيئة قناة السويس أو مجلس النواب أرسلوا رسائل طمأنة للجميع، وبعد تلك الرسائل يبدو أن الوضع مستقر”.
في المقابل أبدى المتخصص في الاقتصاد وائل النحاس اعتراضه على تدشين صندوق خاص بقناة السويس، موضحاً أن “تلك الرسائل التي أرسلتها الجهات المصدرة للقانون لتوضيح ماهية عمل الصندوق جاءت غير مطمئنة بالمرة”.
وأضاف أن “تأسيس الصندوق سيتم عبر هيئة قناة السويس ويحق للأخيرة نقل أصولها إلى الصندوق سواء المالية أو الأصول الثابتة والمنقولة، وهو ما يعني أن الصندوق سيكون له الحق في التصرف بإدارة القناة”.
من بين أبرز التعليقات طرح المركز المصري للدراسات الاقتصادية عبر موقعه الرسمي أسئلة عدة منها أنه “ما دام الإطار القانوني لهيئة قناة السويس يتيح لها الأدوات ومرونة الحركة التي ينص عليها مشروع القانون الجديد الذي يتطلب خلق الصندوق، فلماذا التعديل من الأساس؟ ولماذا ننشئ صندوقاً، مع العلم أن التوجه هو عدم خلق صناديق جديدة في الوقت الذي تسعى الدولة إلى موازنة موحدة لمراقبة الإنفاق بكل أنواعه؟”.
وتابع المركز أن “فلسفة مشروع القانون الجديد تقوم على احتياج المرفق الحيوي للتطوير والتنمية، وهو الدور الأصلي لمجلس إدارة هيئة قناة السويس، فلماذا تناوله مشروع القانون الجديد وكأنه هدف مستحدث يحتاج إلى إطار مؤسسي جديد؟”.
كما لفت المركز إلى أن “توجيه نسبة غير محددة من فوائض هيئة قناة السويس إلى الصندوق المقترح يعني عملياً انخفاض الموارد المالية إلى تؤول إلى الموازنة العامة للدولة من فوائض الهيئة سنوياً، خصوصاً أن تلك النسبة غير محددة في توقيت يشهد تباطؤ النشاط الاقتصادي، علاوة على الحاجة إلى الإنفاق على خدمات الحماية الاجتماعية والتعليم والصحة”.
وأشار المركز إلى أن “فلسفة تدشين الصندوق الخاص الجديد بقناة السويس تتشابه مع صندوق هيئة المجتمعات العمرانية التي أخرجت كل فوائضها من الموازنة العامة للدولة وتم توجيهها إلى بناء المدن الجديدة، وعلى رغم أهمية ذلك فإن المشاريع الجديدة توحي بأنها بمعزل عن مخطط الدولة وتوجهاتها، في حين أن الأصل هو أن تنبثق المشاريع من الموازنة العامة الموحدة للدولة”.
الكلفة والعائد أولاً
ودعا المركز المصري للدراسات الاقتصادية الدولة إلى “دراسة تلك التساؤلات جيداً تحت بند دراسة الكلفة والعائد للسياسات بجميع أنواعها كي لا تفاجأ بتأثيرات سلبية غير متوقعة”، مؤكداً أن ما تحتاج إليه مصر حالياً هو الإصلاح المؤسسي والهيكلي للاقتصاد الحقيقي.
وقبل أن يعلن المركز أبرز النقاط السلبية في تدشين صندوق قناة السويس، كانت الجلسة العامة التي نوقش بها مشروع القانون الجديد شهدت خلافاً واسعاً بين مؤيدين ومعارضين، إذ أعلنت عضو مجلس النواب مها عبدالناصر رفضها مشروع القانون الجديد، وقالت إنها ترفض فكرة إنشاء صناديق جديدة، مشيرة إلى “عدم وجود وحدة لموازنة الدولة”.
وأضافت النائبة أن “تأسيس صندوق جديد للقناة في وقت تتعرض الدولة لأزمة اقتصادية أمر غير ملح في الوقت الحالي”، مطالبة الحكومة المصرية بالتوقف عن الاقتراض الذي كبل الاقتصاد بالديون.
في الاتجاه ذاته أعرب عضو مجلس النواب أحمد فرغلي عن تخوفاته من تأسيس صندوق القناة، موضحاً أن “الاعتراض الأول يتمثل في فلسفة إنشاء الصندوق من الأساس، فإذا كان السبب أن يكون للهيئة ذراع استثمارية فهذا أمر موجود بالفعل من خلال قانون الهيئة ذاته، الذي يمنحها حق الاستثمار بدليل أن لديها سبع شركات”.
وأشار فرغلي إلى أن الهيئة تدخل ضمن هيكل المساهمين في شركة “بورسعيد لتداول الحاويات” بنسبة تصل إلى 38 في المئة، مضيفاً “لا يوجد أي داع لتدشين صندوق سيادي لقناة السويس إذا كانت تستطيع المساهمة في شركات وتدخل في استثمارات”.
وتابع “كان من الممكن تعديل قانون الهيئة وإضافة ما يلزم لتحقيق أكبر استفادة من القناة بشكل عام، لكن أن يتم إنشاء صندوق جديد فهذا أمر غير مفهوم وغير واضح الأهداف”.
من جهة أخرى، قال رئيس الأغلبية البرلمانية أشرف رشاد إن “قناة السويس كنز مصر الأول”، مؤكداً أنه “يوافق على مشروع القانون بعيداً من الحلول الروتينية”، ومشدداً على أن “التشريع يهدف في المقام الأول إلى طرح حلول غير روتينية أو تقليدية، ويسعى إلى تسهيل الأمور وليس تعقيدها، كما يسهم في خلق حلول جديدة”.
ضعف الترويج الحكومي
وتواصلت “اندبندنت عربية” مع رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب في مصر فخري الفقي للرد على مخاوف المعارضين لإنشاء صندوق جديد خاص بقناة السويس، فعبر عن دهشته من حجم الانتقاد للصندوق الوليد وحملة التشكيك الكبيرة فيه استغلالاً للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وقال الفقي إن “الجلبة في شأن مشروع القانون الجديد تعود لسببين، الأول حملات التشكيك من بعض المعارضين للدولة، إضافة إلى أنه لا يزال مشروع قانون لم تتضح تفاصيله الكاملة حتى نحكم عليه بالفشل”، منتقداً الحكومة والجهات المعنية بعدم توضيح المعلومات اللازمة قبل عرض المشروع على النواب منعاً لالتباس الأمور لدى المواطنين.
يشار إلى أن هناك 59 هيئة اقتصادية في مصر تستهدف تحقيق الربح، أبرزهم هيئة قناة السويس، والهيئة العامة للبترول، إضافة إلى الهيئة العامة للمجتمعات العمرانية، وهيئة سكك حديد مصر، وترتبط بالموازنة العامة للدولة عبر وسيلتين، أولهما الضرائب عبر بند إيرادات ضريبية بنسبة تصل إلى 27 في المئة، باستثناء هيئات قناة السويس والبنك المركزي المصري والهيئة العامة للبترول التي تدفع ضرائب 40 في المئة، بينما الرابط الثاني هو تحويل فوائض تلك الهيئات إلى الموازنة العامة للدولة، وتقدر موازنة العام المالي الحالي (2022-2023) ضرائب على هيئة القناة تصل إلى 40 مليار جنيه (5.67 مليار دولار)، إلى جانب 40 ملياراً أخرى كفوائض للهيئة، إضافة إلى ما يعرف بالإتاوة وتصل إلى نحو خمسة مليارات جنيه (0.20 مليار دولار)، ليكون الإجمالي 85 ملياراً (3.44 مليار دولار).
وأضاف رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري أنه “في السنوات الأخيرة كانت إيرادات قناة السويس مهددة بفعل الجائحة العالمية وتراجع حجم التجارة، وهو ما دفع الهيئة إلى خفض رسوم العبور بنحو 50 في المئة، الأمر الذي قلص من إيرادات الدولة، إلى جانب جنوح السفينة (إيفرغفين) في مارس (آذار) 2021، وهناك أيضاً انهيار أسعار النفط بحيث يكون العبور من الشرق إلى الغرب عبر طريق رأس الرجاء الصالح أوفر وأقل كلفة من عبور القناة”.
وتابع الفقي أن “تلك الأسباب والتحديات والتهديدات التي واجهت المجرى الملاحي في الفترة الأخيرة التي تزال قابلة للحدوث في أي وقت، كانت هي الدافع الرئيس نحو تأسيس صندوق استثماري خاص بهيئة قناة السويس”.
الموازنة والرقابة
حول تفاصيل تدشين الصندوق كشف رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب عن أن “رأس المال المصرح به كحد أقصى لتدشينه يصل إلى 100 مليار جنيه (نحو أربعة مليارات دولار)، بينما تبلغ نسبة رأس المال المصدر والمدفوع في بداية التأسيس نحو 10 في المئة من رأس المال المصرح به، ما يمثل 10 مليارات جنيه (200 مليون دولار) حداً أدنى كنسبة بسيطة من حصيلة إيرادات القناة المتوقع أن تصل إلى ثمانية مليارات دولار في 2023”.
وأوضح أن “تنمية موارد الصندوق تتم عبر نسبة من إيرادات قناة السويس بالاتفاق مع وزارة المالية، ويحددها مجلس إدارة الصندوق التي ستضم رئيس هيئة قناة السويس رئيساً، وأربعة ممثلين من الهيئة، و34 من ذوي الخبرة يحددهم رئيس مجلس الوزراء، بينما يباشر العمل اليومي مدير تنفيذي يعين من مجلس الوزراء، إضافة إلى الأصول الثابتة والمنقولة والمعدات، وقد يشتري الصندوق الشركات التابعة لهيئة قناة السويس بعيداً من المجرى الملاحي للقناة”.
وبشأن الأنشطة الاستثمارية للصندوق، قال الفقي إن “الصندوق سيكون له أنشطة استثمارية كبقية الصناديق الاستثمارية الأخرى سواء ببيع أو شراء أو تأجير معدات حفر لتنمية رأسماله الأساسي المقدر بـ200 مليون دولار”، مؤكداً أن “صندوق قناة السويس ما هو إلا صندوق استثماري يسهم في تنمية موارد المجرى الملاحي ويقدم الدعم اللازم له وقت الأزمات بعيداً من الموازنة العامة للدولة، وفي ظل اتجاهها لدعم القطاع الخاص وإصدار وثيقة ملكية الدولة”.
وحول الرقابة على الصندوق، قال رئيس لجنة الخطة والموازنة إن “الرقيب الأول هو الدستور المصري، علاوة على أن هذا الصندوق هو الأول الذي يؤسس عقب إصدار قانون المالية العامة الموحد، الذي نص على أنه (لا يمكن تأسيس صندوق خاص بالوزارات والجهات الحكومية إلا بموافقة البرلمان). هذا يعني أن مجلس النواب هو الرقيب الثاني، بينما تتم رقابة أخرى من الجهاز المركزي للمحاسبات”.
واستشهد الفقي بصندوق الأجيال القادمة بالكويت، الذي يخصم من كل برميل نفط 10 في المئة تذهب كموارد دائمة للصندوق الكويتي.
المصدر: “اندبندنت عربية”