لا تسمح الكنيسة الكاثوليكية للنساء بأن يصبحن كاهنات. ويرى الفاتيكان ذلك جريمة خطيرة بموجب القانون الكنسي، وعقوبتها الحرمان الكنسي.
ويعني ذلك أنه بمجرد أن تشارك النساء في طقوس “الترسيم” يحرمن من المشاركة في طقوس البركة الكنسية، مثل المناولة، ويحرمن كذلك من أن تقام جنازاتهن في الكنيسة.
آن تروبيانو، واحدة من 250 سيدة من مختلف أنحاء العالم ينتمين إلى حركة الكاهنات الرومانيات الكاثوليكيات، وهي مجموعة تشارك في طقوس ترسيم غير مصرح بها، في تحد للكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
تقول تروبيانو: “إنها قضية شائكة، وليس كل شخص منفتحا على التفكير في إمكانية أن تصبح النساء كاهنات”.
تقول تروبيانو إن “الخوف من الحرمان الكنسي كان السبب في أنني لم أتمكن لوقت طويل من التفكير في أن أصبح كاهنة.
“كنت أذهب إلى القداس في كل يوم. عملت بإحدى الإبراشيات، وكانت حياتي كلها في الكنيسة. ولذا لم أتخيل أن باستطاعتي التخلي عن ذلك كله”.
وتروبيانو كاثوليكية متدينة، وبعد قضائها سنوات طوال في العمل في عدة وظائف من بينها إدارة إحدى فرق موسيقى الروك، شعرت بأن الرسالة الكهنوتية تناديها، وبأن عليها تلبية النداء: “سمعت صوتا يقول لي: إنك كاهنتي، أنت كاهنة، أريدك أن تكوني كاهنة”.
الخيار الوحيد المتاح أمام النساء في الكنيسة الكاثوليكية هو خدمة الكنيسة من خلال أدوار كالرهبنة أو المساعدة بأعمال غير دينية. أو عليهن الخروج من المذهب الكاثوليكي تماما واعتناق مذهب مسيحي آخر يسمح للمرأة بالانخراط في سلك الكهنوت.
تروبيانو، كغيرها من النساء اللواتي في مثل وضعها، ترى أيضا أن خيار “الترسيم” هو وسيلة للاحتجاج على ما يعتبرنه قاعدة كنسية تميز ضد المرأة.
من اليهودية الإصلاحية إلى العديد من المذاهب البروتستانتية، هناك أديان ومذاهب منفتحة على أن تصبح المرأة كاهنة.
لكن بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، الحظر المفروض على النساء يستند إلى بعض الأمور، من بينها ما ورد في الكتاب المقدس بشأن اختيار المسيح 12 رسولا أو تلميذا من الرجال فقط، وظلت الكنيسة تقتدي بالمسيح في هذا الشأن.
وتعتبر تروبيانو أن هذه القاعدة كان لها بالغ الأثر على النساء وتقول: “عندما تنشر الكنيسة تعاليمها من خلال تصرفاتها التي تحرم النساء من أن يرسّمن [كاهنات]، فإنها تنشر تعاليم مفادها أن النساء أقل شأنا من الرجال. والنساء يتشربن تلك التعاليم، وكذلك يفعل الأطفال والرجال.. ومن ثم يخرجون إلى العالم ويعيشون بهذه الطريقة”.
بدأت الحركة المطالبة بالسماح للنساء بأن يصبحن كاهنات كاثوليكيات عام 2002. وشاركت مجموعة مكونة من سبع سيدات في طقوس ترسيم غير شرعية على متن سفينة تبحر في المياه الدولية لنهر الدانوب لتفادي النزاع مع أي سلطة كنسية.
لكن كانت هناك تقارير تفيد بإقامة شعائر “ترسيم” سرية قبل ذلك، مثل ترسيم لودميلا جافاروفا كاهنة من قبل أحد الأساقفة الروم الكاثوليك خلال الحكم الشيوعي في دولة تشيكوسلوفاكيا في سبعينيات القرن الماضي.
وحركة ترسيم النساء كاهنات هي بالأساس حركة أوروبية وأمريكية، لكنها وسعت من تمثيلها في مناطق أخرى من العالم.
وكانت الكولومبية أولغا لوتشيا ألفاريز بنهومية أول “كاهنة” في أمريكا اللاتينية، التي تعد أحد معاقل المذهب الكاثوليكي، إذ يقطنها أكثر من 40 في المئة من كاثوليك العالم البالغ عدهم 1.3 مليار نسمة.
كانت طقوس ترسيم أولغا لوتشيا ألفاريز بنهومية في عام 2010 سرية، ولكنها تقول إنها حظيت بدعم مختلف كوادر كنيستها المحلية: “كان هناك أسقف..أسقف كاثوليكي لا نبوح باسمه حتى لا نعرضه لمشكلات مع الفاتيكان”.
وتضيف “كنت خائفة جدا من أن الناس ربما يبدأون فجأة في إهانتي أو قذفي بأشياء عند المذبح في هذا المجتمع المحافظ للغاية الذي أعيش فيه”.
تقول ألفاريز: “ولكن الدعم الذي تلقيته من الناس كان مفاجأة كبيرة، ما أشعرني بالقوة وعزز من رسالتي”. ورقيت ألفاريز إلى رتبة “أُسقفة” داخل “رابطة الكاهنات الرومانية الكاثوليكية”، والتي لا يعترف بها الفاتيكان.
تصر ألفاريز على أنه ليس في النصوص المقدسة ما يستثني المرأة من سلك الكهنوت: “إنه قانون بشري، قانون كنسي، وقانون غير عادل لا ينبغي الالتزام به”.
وهذا الرأي تشاركها فيه مجموعة “مؤتمر ترسيم النساء” التي تسعى إلى الضغط على الفاتيكان للسماح بمشاركة المرأة في سلك الكهنوت، من خلال الدعوة إلى الحوار وتنظيم مظاهرات.
تطالب جماعة مؤتمر ترسيم النساء الفاتيكان بتغيير قواعده بشأن منع انخراط المرأة في سلك الكهنوت
المديرة التنفيذية للمؤتمر، كيت ماكلوي، تقول إن عملها المفضل هو ما يطلق عليه المؤتمر “كهنوت الاستفزاز”، والذي تضمن قيام عضواته بالعديد من التصرفات الاحتجاجية- من إطلاق دخان وردي خلال اجتماع مجلس الكرادلة لاختيار بابا جديد للفاتيكان، إلى الاستلقاء على الطريق لدى مرور موكب البابا عبر المدينة. وقد تعرضن للاحتجاز من قبل شرطة الفاتيكان بسبب تصرفاتهن تلك.
وتقول ماكلوي: “ندعم هؤلاء النسوة في رغبتهن في الانضمام إلى سلك الكهنوت، وهن بانتظار أن يفتح الفاتيكان أبوابه ويسارع بمواجهة خطيئته المتمثلة في التحيز ضد المرأة.. لكن في الوقت نفسه، سيكون من المستحيل بالنسبة لنساء أخريات أن ينتظرن، فنداء الرب لهن واضح وملح إلى درجة كبيرة لا تترك أمامهن خيارا سوى مخالفة قانون غير عادل”.
استبعد البابا فرانسيس أن تصبح المرأة كاهنة بالكنيسة الكاثوليكية. وفي عام 2016، عندما سئل عن فرص تغيير ذلك، أشار إلى وثيقة تعود إلى عام 1994 للبابا يوحنا بولس الثاني ذكرت أن “الباب موصد” أمام ترسيم النساء كاهنات، مضيفا أنها لا تزال “سارية”.
تعمل الأخت نتالي بيكار في مكتب بمدينة الفاتيكان وقد علقت على أحد جدرانه صورة للبابا فرانسيس. في فبراير/شباط عام 2021، كانت أول سيدة تعين في منصب وكيلة مجمع الأساقفة، وهو هيئة تقدم النصح والمشورة للبابا.
تعبر الراهبة الفرنسية بيكار ببساطة عن الموقف الحالي المتعلق بالسماح للنساء بأن يصبحن كاهنات قائلة: “بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية حاليا، من وجهة النظر الرسمية، الموضوع ليس مطروحا للمناقشة”.
وتضيف: “الأمر لا يتعلق فقط بتلبية نداء الكهنوتية، لكن هناك دائما إدراك بأن الكنيسة هي التي ستدعوك لتكون كاهنا. ومن ثم فإن مشاعرك أو قرارك الشخصي لا يكفيان”.
الأخت بيكار هي واحدة من عدد قليل من النساء اللاتي عينّ في مناصب رفيعة مهمة في عهد البابا فرانسيس. ويجعلها منصبها أول امرأة في الفاتيكان لديها حق التصويت.
تؤمن بيكار بأن ثمة تطورا يحدث في الوقت الحالي ويسمح للنساء بالاضطلاع بأدوار ريادية، ولكنها أدوار “منفصلة عن الترسيم”.
تقول الأخت بيكار: “أرى أننا بحاجة إلى توسيع نطاق رؤيتنا للكنيسة. هناك الكثير جدا من الطرق التي تستطيع النساء أن يخدمن الكنيسة من خلالها”.
لكنها تضيف أن التغيير ليس سهلا على الإطلاق، ودائما ما يواجَه بـ “المخاوف والمقاومة”.
ماذا تقول الكنيسة الكاثوليكية في هذا الشأن؟
العقيدة الكاثوليكية، أو التأويل القانوني لها، تشير إلى الكهنوت بوصفه امتيازا للرجال، إذ تنص على أن “الذكر المعمد فقط هو الذي يجوز ترسيمه كاهنا” (القانون الكنسي رقم 1024).
القانون الكنسي رقم 1379 في نسخته المعدلة لعام 2021 يجرم بوضوح منح ألقاب كهنوتية للنساء، وينص على أن عقوبة ذلك تطبق بشكل تلقائي بدون الحاجة إلى البت فيها.
كان البابا فرانسيس قد بدا في السابق منفتحا على إمكانية أن تصبح النساء “شماسات”، أي كاهنات لا يستطعن إقامة القداديس، ولكن يكون بإمكانهن إقامة الجنائز والتعميد ويشهدن على الزواج.
في خطوة غير مسبوقة، طلب البابا فرانسيس من الكاثوليك العلمانيين العاديين إبداء آرائهم حول مستقبل الكنيسة، في إطار عملية تشاورية تستمر عامين. وفي خطوة حظيت باهتمام إعلامي كبير، نشر الفاتيكان مصادر تابعة لمؤتمر ترسيم النساء على موقع المجمع الكنسي على الإنترنت.
أشارت وثيقة عمل حديثة إلى أن دور النساء في الكنيسة سوف يكون من بين أولويات جدول أعمال اجتماع للأساقفة يعقد في روما خلال أكتوبر/تشرين الأول القادم لمناقشة نتائج المشاورات.
أخبرت الأخت ناتالي بيكار 100 امرأة بي بي سي بأنه من خلال عملية التشاور، “سوف نواصل التدبر وسوف يقرر البابا كيف ستكون الخطوة التالية”.
يشار إلى أن البابا فرانسيس اعتذر لضحايا الاعتداءات الجنسية التي ارتكبها رجال جديد كاثوليك، وأدان “تواطؤ” الكنيسة في إخفاء تلك “الجرائم الخطيرة”.
وترى ألفاريز البالغة من العمر 80 عاما أن انخراط النساء في سلك الكهنوت هو الحل. وهي تقضي وقتها في تعليم النساء اللاتي يأملن في أن يصبحن كاهنات في يوم من الأيام.
“من الضروري للغاية أن نظهر وجها آخر للكهنوت. لا يجب أن نترك التاريخ يعيد نفسه”، كما تقول.
وترغب حركة ترسيم النساء في إجراء نقاشات وحوارات مفتوحة حول إقصاء النساء، وهي واثقة بأنها ستحظى بدعم الأشخاص الكاثوليك العاديين.
في البرازيل، الدولة ذات أكبر عدد من السكان الكاثوليك في أمريكا اللاتينية، يقول حوالي 8 من بين كل 10 أشخاص من أتباع الطائفة الكاثوليكية إنهم يؤيدون أن تصبح المرأة قسيسة.
وفي الولايات المتحدة، النسبة هي 6 من بين كل 10 أشخاص، وفق استبيان أجري في عام 2014. ولكن الحركة لم تجد الكثير من الأنصار لها بعد في أفريقيا، وهي المنطقة ذات السكان الكاثوليك الأسرع نموا في العالم.
وفيما يتعلق بفرص التغيير، تناشد تروبيانو البابا نفسه بأن يفتح باب الحوار، قائلة “ينبغي أن تلتقي بالنساء اللاتي يتلقين نداء الكهنوت. وسواء كن قد ‘رسّمن’ في إطار هذه الحركة أم لا، فإنك بحاجة إلى الاستماع إلى تجاربنا وأخذها بعين الاعتبار عند الصلاة”.
وفي حين أن المعركة من أجل ترسيم النساء كاهنات ستكون على ما يبدو معركة طويلة، تعتقد تروبيانو أنها معركة حيوية من أجل مستقبل الكنيسة.
وتقول “الكنيسة لن تكون قادرة على تأدية رسالتها إلا إذا كانت هناك مشاركة متساوية. في الوقت الحالي، ليس هناك ما هو أهم من ذلك”.
المصدر: “BBC”