منذ أشهر تعمل الحكومة الفرنسية على تهيئة المواطنين على احتمال قطع الكهرباء، وبدأت تهيئ المواطنين للسيناريو الأسواء المتمثل في قطع التيار الكهربائي لساعات حتى لا تضطر إلى قطعه بشكل كامل، وهو الإجراء الذي سيطاول جميع القطاعات والمواصلات وحتى المدارس.
فرنسا لم تعد بلداً مصدراً للكهرباء، بل باتت تستوردها بعد أن أضحى نصف مفاعلاتها النووية في حال التوقف للصيانة وتحت تأثير ضغوط الخضر المعارضين للطاقة النووية.
وأعلنت رئيسة الوزراء خلال زيارة إلى منطقة ألبي الخميس الماضي، أنه “في حال خفض استهلاكنا للطاقة فإن ذلك سيكون إيجابياً على جميع الصعد فهو جيد للقدرة الشرائية وجيد للقدرة التنافسية للشركات، مما يساعدنا في تفادي أن تكون إنتاجية الطاقة أقل من الطلب”.
وأخطرت وزارة الطاقة النقابات بأن قطع التيار قد يشمل المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والمدارس الداخلية، إذ يتم إلغاء الحصص الدراسية خلال فترات التقنين التي تتوزع على ثلاث مرات.
وفي هذه الحال ستتوقف المدارس صباحاً في المناطق التي يشملها برنامج التقنين المحدد هذا الشتاء، بحسب ما أعلن وزير التعليم بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وساعات التقنين ستكون في الأوقات من الثامنة وحتى الـ 10، ومن الـ 10 وحتى الـ 12 ومن السادسة بعد الظهر وحتى الثامنة مساء.
وأشار الوزير إلى أن الأوقات الأكثر صعوبة هي ساعات التقنين الصباحية كونها ساعات دراسة، وبناء على ذلك فإن التلاميذ في المناطق التي يشملها قطع التيار صباحاً، سيواظبون على الدراسة ما بعد الظهر، مع تهيئة الوجبات للأطفال المسجلين في مطاعم المدرسة.
ولن تشهد المناطق قطع التيار مرتين في اليوم، فهي ستكون خاضعة للتقنين في ساعات النهار ما بين الثامنة صباحاً والواحدة بعد الظهر، إما مساء ما بين السادسة بعد الظهر وحتى الثامنة مساء.
وهذا السيناريو يبقى محتملاً وسيمثل أسوأ الحالات بحسب ما كرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع القناة الأولى مساء السبت.
ومن بين القطاعات التي لن يشملها التقنين القطاعات ذات الأنشطة المتعلقة بالأمن والدفاع الوطني، والمستشفيات وبعض المؤسسات التي لم تفصح عنها الحكومة لأسباب أمنية.
والسيناريو الأقسى في أوقات الصقيع والبرد هو أن تضطر الحكومة لقطع الكهرباء عن المدارس والمواصلات والاتصالات بشكل محدود.
ووصفت صحيفة “لوفيغارو” احتمال انقطاع اتصالات الهاتف المحمول في المناطق التي تكون خاضعة لساعات التقنين، بحسب المذكرة الحكومية، بـ “شيء من حجر الطاقة” على غرار حجر “كوفيد”.
وتعزو الشركة الموزعة للكهرباء اللجوء إلى تدبير قطع التيار بشكل محدود وبالتناوب بين المناطق إلى تراجع في حجم توليد الكهرباء في فرنسا، كون نحو 30 محطة نووية تعمل من أصل 56، وهي في حال إعادة التأهيل والصيانة، كما أسهمت حركة الإضراب التي شلت القطاع خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في خفض الإنتاج، إضافة إلى الأزمة الأوكرانية والاعتماد على الغاز الروسي المنقطع بسبب العقوبات على موسكو.
وتعمل شبكات الربط ما بين دول الاتحاد على تبادل الطاقة بحسب حاجة كل دولة، وتربط فرنسا 50 شبكة متبادلة من بينها تلك التي تربطها مع كل من إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وسويسرا والمملكة المتحدة، لكن هذه الشبكة لن تكون قادرة على تأمين الطاقة اللازمة في حال كان الشتاء قارساً.
وكما أوردت مجلة “لكسبرس” فإن شبكتي التوزيع EDF وRTE ستكونان قادرتين على تأمين 40 غيغاواط خلال شهر يناير (كانون الأول) المقبل، أي ما يعادل 65 في المئة من قدرتها النووية بدل 55 غيغاواط التي كانت أعلنت عنها في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، في حين أن الكمية المعتادة بتلك الفترة من العام عادة ما كانت تعادل 50 إلى 60 غيغاواط، مما يعني أن 40 غيغاواط لا تترك هامشاً كبيراً في الاحتياط.
وتعمل الشركتان الوطنيتان لنقل الكهرباء على مشروع يربط فرنسا بإيرلندا حتمه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسيبدأ العمل به العام 2023، ويكون في حال جهوزية العام 2026، وتبلغ كلفته 1.623 مليار يورو، وهو بقدرة 700 ميغاواط إلى جانب خط آخر يصل فرنسا بإيطاليا عبر جبال الألب بقدرة 1200 ميغاواط، بدأ العمل فيه العام 2015 وسيكون في الخدمة جزئياً ابتداء من الفصل الرابع من هذا العام إلى أن يصل قدرته الكاملة بحلول العام 2023.
وأشارت صحيفة “لوفيغارو” نقلاً وزير يعمل على الموضوع منذ الساعات الأولى لإعلان مسألة تهديد مصادر التزويد، أن تدابير التقنين تهدف إلى درء كارثة الانقطاع الكامل للتيار.
وأعلن المتحدث باسم الحكومة أوليفيه فيران، “لسنا بصدد إعلان قطع التيار الكهربائي، ففي حال كان الشتاء قارساً ومكلفاً لاستهلاك الطاقة فإن زيادة الاستهلاك ستضع التيار تحت الضغط”. وشدد على أن الغاية من التقنين هي استدراك الانقطاع الكلي.
وأشارت “لوفيغارو” إلى أن خشية السلطات ليست مما قد يحصل هذا الشتاء، بل من الآتي خلال العامين المقبلين 2023 و2024.
المصدر : “إندبندنت عربية”