العلاقة بين المستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، ليست سهلة، فقد التقيا مرتين فقط منذ بداية الحرب، المرة الأولى كانت في يونيو/ حزيران الماضي في كييف بعد وقت طويل من زيارة ساسة كبار آخرين للعاصمة الأوكرانية.
سبق ذلك خلاف بين برلين والسفير الأوكراني السابق أندريه ميلنيك.
اتهم الدبلوماسي “غير الدبلوماسي” الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير بتقارب كبير مع موسكو والمستشار شولتس بالتردد الطويل في تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وعزم شتاينماير زيارة كييف ولكن تم إلغاء الزيارة، ثم عندما ألغى شولتس زيارة كانت مقررة لكييف، نعته ميلنيك بوصف غير لائق، ثم مرت عدة أسابيع قبل أن تهدأ الأجواء بين العاصمتين مرة أخرى.
“تحسنت العلاقة بشكل كبير”، يقول هينينغ هوف من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية، إذ لعب تعيين السفير أولكسي ماكييف “الأكثر هدوءا وتوازنا” بدلا من ميلنيك دورا في ذلك، يشرح هوف لـ DW.
ولكن تغيير قيادة وزارة الدفاع الألمانية من كريستين لامبريشت إلى بوريس بيستوريوس، ساعد في تحسين العلاقات أيضا، كما يرى هينيغ هوف ويضيف: “مع بيستوريوس، هناك الآن وزير يقول بوضوح أن هدفه هو انتصار أوكرانيا”، وأكد أيضا على “تسليم سلس وفي الوقت المحدد” للدبابات القتالية من طراز ليوبارد 2 إلى أوكرانيا، هناك “نغمة وطابع مختلف تماما”.
أسلحة.. أسلحة
من المرجح أن تعود طلبات المزيد من الأسلحة الفعالة من ألمانيا مرة أخرى من جانب زيلينسكي، بالإضافة لطلب المزيد من الذخيرة، وهي مسألة “رئيسية” بالنسبة لزيلينسكي في الوقت الحالي.
كانت ألمانيا مترددة أكثر من الدول الأخرى في تقديم المساعدة العسكرية.
انتظر شولتس عدة أشهر قبل أن يوافق على تسليم أسلحة ثقيلة مثل الدبابات والمدفعية، ثم استغرقت أشهرا طويلة أخرى حتى قام بإضافة الدبابات القتالية إلى القائمة، وذلك فقط عندما أعلنت الولايات المتحدة أيضا إرسال دبابات قتالية.
تسليم طائرات قتالية غير وارد حتى اللحظة بالنسبة لأولاف شولتس.
يقول هينينغ هوف: “لم يكن من المستحسن بشكل خاص استبعاد أنظمة أسلحة معينة مثل الطائرات القتالية، لأنه من المستحيل معرفة كيف سيتطور مسار الحرب”، ولكن الخبير لا يتوقع في الوقت الحالي أن يعرض شولتس تسليم طائرات.
لكن ذلك ليس حال كل داعمي كييف، فهولندا تتشاور حاليا مع الدنمارك وبريطانيا بشأن تسليم طائرات F-16 القتالية إلى أوكرانيا.
وقال رئيس وزراء هولندا مارك روته خلال زيارة زيلينسكي الماضية لهولندا: “هذا ليس محظورا”، ولم يتم التوصل لاتفاق بعد فيما يخص هذه النقطة، بيد أن ذلك مسألة وقت.
“شكوك” في نجاح الهجوم المضاد
في زيارته لفنلندا وخلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو، أعرب الرئيس الأوكراني عن ثقته قائلاً: “سنهاجم قريبا، وبعد ذلك سيتم تزويدنا بالطائرات”.
إلا أنه عاد وقال لهيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي” يوم (11 مايو/ أيار 2023) إن أوكرانيا يمكنها الهجوم والنجاح في ذلك بالعتاد الذي لديها بالفعل، لكنه استدرك “لكن سوف نفقد الكثير من الأرواح. أعتقد أن هذا غير مقبول. لذلك علينا أن ننتظر. مازلنا نحتاج المزيد من الوقت”، وأشار إلى المركبات المدرعة التي لم تصل بعد.
زيلينسكي يدرك أن الدعم من الغرب ليس دعما غير محدود.
المدة الطويلة منذ العمليات العسكرية الناجحة لأوكرانيا في الخريف، وتسليم الدبابات الذي تم بعد مفاوضات شاقة مع الشركاء في التحالف الغربي زادت الضغط على الرئيس الأوكراني.
“نحن بحاجة إلى نجاح”، اعترف الرئيس مؤخرًا، ولكن بعد تسريب معلومات من وكالة الاستخبارات الأمريكية، زادت حدة الشكوك الغربية بنجاح الهجوم المقبل.
الحال نفسه في ألمانيا، فولفغانغ إيشينغر، الرئيس السابق لمؤتمر ميونخ للأمن، شكك قبل عدة أيام في برنامج على قناة (ARD) في نجاعة الهجوم: “الأمر ليس مسألة أيام، ولكنه عملية طويلة الأمد”.
لا توجد تعهدات ملموسة حتى الآن من قبل الحكومة الألمانية بشأن عضوية أوكرانيا في الناتو أو الاتحاد الأوروبي، وهو ما يأمله زيلينسكي.
زيلينسكي يدرك أن الدعم من الغرب ليس دعما غير محدود.
ماذا عن قبول كييف في الاتحاد الأوروبي والناتو؟
لا توجد تعهدات ملموسة حتى الآن من قبل الحكومة الألمانية بشأن قبول عضوية أوكرانيا في الناتو أو الاتحاد الأوروبي، وهو ما يأمله زيلينسكي.
في حزيران/ يونيو 2022، تم منح بلاده رسميا حالة دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورزولا فون دير لاين، خلال زيارتها الخامسة لكييف في “يوم أوروبا” في 9 أيار/ مايو، أن “أوكرانيا تنتمي إلى الأسرة الأوروبية”.
على الرغم من أن هذه الكلمات جميلة، إلا أن زيلينسكي لا يمكنه بها شراء أي شيء، وتشكل صادرات الحبوب الأوكرانية مشكلة، إذ يعتبر مزارعون في دول في شرق أوروبا، مثل بولندا وبلغاريا، المنتجات الزراعية الأوكرانية تهديدا اقتصاديا بسبب أسعارها المنخفضة وقد حظرت هذه الدول استيرادها، مما أدى إلى وصف زيلينسكي ذلك بحضور فون دير لاين بأنه فعل “فظيع”.
“لن يتم الأمر بالسرعة التي تتمناها في كييف”، يقول هينينغ هوف من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية حول آفاق انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، و”لكننا لا يمكن أن نسمح بأن يستغرق الانضمام عقدا من الزمن”.
ويردف هينينغ هوف: “الأكثر تعقيدا هو انضمام أوكرانيا لحلف الناتو”.
في أيلول/ سبتمبر 2022، تقدمت أوكرانيا بطلب للانضمام السريع إلى الناتو، وقال زيلينسكي قبل بضعة أيام في لاهاي أنه “لن يتم بلوغ هذه المرحلة أثناء الحرب”، بيد أنه أردف: “لكننا نرغب في رؤية رسالة واضحة جدا خلال الحرب بأننا سنكون في حلف الناتو بعد الحرب”، وهو ينتظر رسالة واضحة دون جدوى حتى الآن.
هناك بعض الكلمات المشجعة من بعض دول حلف الناتو والأمين العام ينس ستولتنبرغ على مبدأ أن “الباب مفتوح”، ومع ذلك، لا يوجد شيء محدد، ولا يتم تحديد أي مواعيد محتملة.
يعتقد هنينغ هوف، أن الحكومة الألمانية تعتبر عضوية حلف الناتو عموما فكرة غير جيدة، “الفكرة هي ضمان أمان أوكرانيا من خلال تقديم ضمانات أمنية. ولكن كيف يجب أن تكون هذه الضمانات؟ أمر غير واضح”.
جائزة كارل للشعب الأوكراني
نيابة عن الشعب الأوكراني بأكمله، سيتسلم زيلينسكي في ألمانيا جائزة كارل (القيصر كارل الكبير) الشهيرة التي تقدمها مدينة آخن.
تمنح هذه الجائزة منذ عام 1950 للشخصيات التي ساهمت في تحقيق وحدة أوروبا.
في أوكرانيا، جرى الاحتفال رسميا بـ “يوم أوروبا” في التاسع من أيار/ مايو هذا العام بمبادرة من زيلينسكي، في حين قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو روسيا كضحية لحرب الغرب ضد بلاده في الذكرى السنوية للانتصار على ألمانيا النازية.
“رغبة الأوكرانيين في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أعادت تذكيرنا جميعا بأهمية مشروع الوحدة الأوروبية وبأن أوكرانيا تدافع حاليا عن حريتنا وأسلوب حياتنا”، يقول هينينغ هوف من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية.
ويختم بالقول: “أعتقد أن الشعب الأوكراني مستحق للفوز بالجائزة، لأنه ذكّرنا جميعا بما يُعانيه (ذلك الشعب) وما يجب أن ندافع عنه نحن”.
المصدر: DW