واحد من أبرز الشخصيات التي كان لها أثر وبصمة مميز في الألحان والموسيقى العربية، لقبه الفنان المصري الراحل محمد عبد الوهاب بالأسطول تقديرا لإبداعاته الفنية، عازف القانون المصري الراحل “عبد الفتاح منسي”.
ولد عبد الفتاح منسي بمدينة القاهرة في الخامس والعشرين من يوليو 1924، وكان والده عبد الوهاب منسي من كبار عازفي العود كما كان مطربا معاصرا لمنيرة المهدية وجيلها، وهو شقيق عازف الكمان المصري البارع الراحل أنور منسي.
موهبة مبكرة
ونظراً لأن والده كان يعزف على آلة العود، لم يكن يعرف الطفل عبد الفتاح (ست سنوات) شكل آلة القانون، لكن كان من المعتاد في تلك الأيام أن يمر بعض البائعين المتجولين ويستبدلون أي سلعة معهم بزجاجة فارغة.
كانت أسرة منسي تسكن في ذلك الوقت بحي الموسكي، وعندما كان يمر أحد هؤلاء البائعين كان الصغير عبد الفتاح يسرع ومعه زجاجة ليستبدلها بإحدى الآلات الموسيقية التي مع الرجل، وكان يختار قطعة من الخشب مشدود عليها ثلاثة أو أربعة أسلاك، وتشبه في شكلها آلة القانون، بينما يختار شقيقه أنور منسي آلة بسيطة تشبه الربابة ولها وتر واحد.
كان عبد الفتاح يُفضل اللهو بلعبته حتى تتقطع أسلاكها، وعندئذ أدرك والده بحكم خبرته حبه لآلة القانون، فاشترى له آلة قانون تركي صغيرة (ثلث) لتناسب سنه.
معهد الاتحاد الموسيقي
ألحق عبد الوهاب منسي، عبد الفتاح وشقيقه أنور بمعهد الاتحاد الموسيقي الذي أفتتحه الفنان إبراهيم شفيق بشارع حسن الأكبر بحي عابدين بالقاهرة.
وهناك درس عبد الفتاح منسي على يد عدد من كبار الأساتذة منهم: (عبده العراقي- محمود المحلاوي- إبراهيم شفيق).
وبعد أن انتهى من دراسته وتمكن من عزف آلة القانون، قام عبد الفتاح بدراسة عزف آلة البيانو دراسة جادة لمدة خمس سنوات متوالية على أستاذ روسي يدعى (تشير نيفسكي) كان يعيش في مصر آنذاك، كما درس على الأستاذ المعروف (تيجرهان).
وفي هذه الناحية حاول الفنان عبد الفتاح منسي أن يستفيد من أسلوب عزف البيانو، في تطوير العزف على آلة القانون العربية، ولذلك فقد تميز عزفه بطابع خاص.
بداية المشوار الفني
- مارس عبد الفتاح منسي عمله كعازف بارع لآلة القانون، فعمل في فرقة (بديعة مصابني)، كما عمل مع كبار المطربين والمطربات، وكان ذلك في الثلاثينيات والأربعينيات من هذا القرن.
- سافر عبد الفتاح منسي في رحلة إلى بلاد شمال أفريقيا مع الفنان فريد الأطرش حيث زار كلا من تونس والمغرب والجزائر.
- وفي عام 1946 سافر إلى دولة فلسطين حيث عمل هناك، وأثناء وجوده هناك تعلم على يده عازف سوري يدعى (سليم بن نسيم ثروت)، وكان منسي يعتز به لحبه للموسيقى وحرصه الشديد على التعلم.
- وفي عام 1948 عاد منسي إلى أرض الوطن. وواصل عمله كموسيقي محترف.
- وبعد قيام ثورة 23 يوليو في مصر 1952، أنشئت فرقة موسيقى الإذاعة المصرية عمل بها أربعة عازفين لآلة القانون كانوا يتناوبون العزف مع الفرقة وهم: (محمد عبده صالح- عبد الفتاح منسي- كامل عبد الله- أمين فهمي).
- وكذلك فقد عمل منسي أستاذا لآلة القانون في المعهد العالي للموسيقى العربية بالقاهرة، وفي أحد الفترات جاءه اعتراض على عمله كعازف في الفنادق الكبرى وغيرها من الأماكن، مما يتعارض مع واجبات وظيفته، فاستقال من عمله بالمعهد، ليعيش فنانا حرًّا.
مشوار فني ثري في البلاد العربية
- زار عبد الفتاح منسي كل بلاد العالم العربي، وعمل كأستاذ وعازف في كل من:
- أسس مع الفنان عطية شرارة معهداً للموسيقا بمدينة طرابلس الليبية
- ساهم في أنشاء معهد الموسيقى بالكويت
- قام بتدريس آلة القانون في معهد الموسيقى بقطر.
أعمال عبد الفتاح منسي
وفي شهر أغسطس 1989، عاد عبد الفتاح منسي إلى أرض الوطن، حيث عاد لعمله كعازف بارع لآلة القانون.
كما عاد لتعليم آلة القانون بالمعهد العالي للموسيقا العربية بأكاديمية الفنون بالقاهرة.
وبجانب براعته في عزف القانون بالطريقة التقليدية، فقد كان عبد الفتاح منسي القاسم المشترك في كل المؤلفات التي كتبت لآلة القانون مع الأوركسترا السيمفوني، نظرًا لبراعته في العزف وفي قراءة التدوين الموسيقي من أول وهلة.
وقد جاءت تلك الأعمال على النحو التالي:
- موسيقا فيلم (زينب) التي كتبها الموسيقار المصري الراحل إبراهيم حجاج (1916- 1987). وقد فازت موسيقا الفيلم بجائزة في الخارج بسبب استخدام آلة القانون مع الأوركسترا.
- مُؤَلّف بعنوان (نُور من الشرق) يتكون من ثلاث حركات. وقد كتب ألحانه الفنان عبد الفتاح منسي، ووزع موسيقاه الفنان عطية شرارة (1923).
- كونسير للقانون، لمؤلف الموسيقى المصري الراحل فؤاد الظاهري (1916- 1988). وقام بعزف القانون عبد الفتاح منسي.
- المتتالية الشعبية، التي كتبها مؤلف الموسيقى المصري الراحل أبو بكر خيرت (1910- 1963) في عام 1958، وجاءت المقطوعة الثانية فيها بعنوان (أغنية وقانون). وقام بعزف القانون عبد الفتاح منسي، وتم تسجيل العمل على اسطوانة في يوغوسلافيا.
- كونشيرتو القانون والاوركسترا الذي كتبه عام 1966، مؤلف الموسيقى المصري المعاصر رفعت جرانة (1924)، وقد رجع إلى صديقه الفنان عبد الفتاح منسي للتعرف على إمكانيات آلة القانون وقدراتها التي يمكن استغلالها في عمل مع الاوركسترا السيمفوني الكامل، وقد عزف الكونشيرتو عند تقديمه الفنان سيد رجب بمصاحبة الاوركسترا السيمفوني العربي بقيادة شعبان أبو السعد. والجدير بالذكر أن عبد الفتاح منسي عندما اشترك بالعزف مع الأوركسترا السيمفوني، ظهرت له بعض الصعوبات في إمكانيات آلة القانون، فأضاف إلى الآلة عددا من (العُرَبْ) الجديدة مكنته من التغلب على تلك الصعوبات والعزف مع الاوركسترا في سهولة ويسر.
- كما ألف كتابا لتعليم عزف آلة القانون جاء في عدة أجزاء (لم ينشر).
تكريمات حصرية ومميزة
وقد حصل الفنان عبد الفتاح منسي على العديد من الأوسمة نذكر منها:
-وسام من جلالة الملك حسين ملك الأردن.
– وسام من جلالة الحسن الثاني ملك المغرب.
– وسام من الحبيب بورقيبة الرئيس الأسبق للجمهورية التونسية.
-الجائزة التقديرية من الرئيس الراحل أنور السادات.
رحيل مفاجئ
وفي الخامس عشر من فبراير 1990 قدمت فرقة أم كلثوم للموسيقا العربية حفلا بقاعة سيد درويش بالهرم، وشارك الفنان عبد الفتاح منسي بالعزف المنفرد بمصاحبة الإيقاع، وكان دوره في بداية الفصل الثاني من الحفل.
وعندما ظهر على المسرح استقبل أحسن استقبال من جمهور الحاضرين، وبعد أن عزف حوالي عشرون دقيقة، أصيب فجأة بنوبة قلبية، وهو أمام الجماهير فأسرع إليه زملائه من الكواليس، وصعد إليه طبيب كبير كان من بين جمهور الحاضرين وأوصى بسرعة نقله للمستشفى وبالفعل تم ذلك. وفي اليوم التالي (الجمعة 16 فبراير 1990) رحل عبد الفتاح منسي تاركاَ مشوارفني طويل وثري، وبصمات فنية وأكاديمية في مختلف أنحاء العالم العربي.