حسب تقارير حقوقية، تصاعدت وتيرة الإجراءات والقيود المتصلة بتنقل النساء، في صنعاء على الأقل، منذ أكثر من عام، بالتزامن مع قرارات وتعميمات للفصل بين الجنسين في مرافق تعليمية عامة وخاصة. وتصل القيود وفق مصادر حقوقية، إلى مطالبة المرأة الراغبة بالسفر بموافقة خطية من “ولى أمرها” معمدة من عاقل (مأمر) الحارة ومن وزارة الداخلية. بيد أن المشكلة لا تنتهي بوجود “المحرم” أو الرجل المطلوب وصايته على المرأة، إذ يخضع العديد من الأشخاص إلى التدقيق في الهويات للتأكد من صلة القرابة، وهي عملية قد تستغرق ساعات في بعض حواجز التفتيش، يتعرض خلالها بعض من يتم إيقافهم لأسئلة وأحياناً لعبارات جارحة واتهامات.
“محرم” لمرافقة العاملات في مجال الإغاثة!
كانت العاملات في المجال الإغاثي، في مقدمة المتأثرين بالقيود الجديدة، ويقول أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، إن قيود الحركة كانت النمط السائد من العراقيل المبلغ عنها، خلال الربع الثالث من العام الجاري يوليو/تموز وحتى سبتمبر/أيلول، إذ سُجلت 307 حالة خلال ذات الفترة، وهو ما عزاه التقرير إلى فرض أنصار الله قيوداً على سفر العاملات في المجال الإغاثي، في داخل وإلى خارج البلاد، إلى جانب الاستمرار بالمطالبة بـ”محرم” لمرافقة اليمنية العاملة في الإغاثة عند السفر في بعثات ميدانية داخل وبين المحافظات، وكذلك خارج اليمن عبر مطار صنعاء الدولي. على أن 6 بالمائة من الحالات كانت في مناطق سيطرة الحكومة (المعترف بها دولياً).
في المقابل، وفي حديث خاص لـDW عربية، تقول حورية مشهور، وهي ناشطة حقوقية ووزيرة حقوق إنسان سابقة، إن هذه الإجراءات تتعارض “مع أحكام الدستور والقوانين النافذة والاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق المرأة ومن ضمنها حقها في حرية الحركة والتنقل”.
وتضيف أن التفسير الديني لهذا الإجراء لا يتوافق مع العصر الحديث؛ حيث أن تنقل المرأة قبل أكثر من 1400 سنة كان يمثل خطورة عليها، ويحتم ربما مرافقة الرجال لها لحمايتها أما “في عالم اليوم ومع توفر وسائل النقل والاتصال الحديثة فلا معنى على الإطلاق لهذه الحجج والمبررات للتضيق على حركة المرأة”.
وتضيف مشهور “بالتأكيد لقد أثر هذا الإجراء على النساء العاملات في مجال الإغاثة الإنسانية وعلى الناشطات المدنيات للمشاركة في كثير من الأنشطة والفعاليات التي تعقد في أماكن متفرقة، وعلى الخبرات النسوية العالية اللاتي يفترض مشاركتهن في فعاليات إقليمية أو دولية”، كما أن “ذلك يرفع تكاليف المشاركة أو يمنعها من الإساس ان المنظمات المستضيفة لهذه الأنشطة لا يكون لديها الإمكانية أو الرغبة في تغطية سفر تكاليف المرافق”. وتخلص إلى “هذا الإجراء ينتقص من أهلية المرأة وفيه مساس بإنسانيتها وكرامتها”.
حماية لا قيود تعسفية
في المقابل، يقول لـDW عربية، مسؤول الإعلام في وزارة حقوق الإنسان في حكومة أنصار الله (غير معترف بها دوليا)، سند الصنيدي، إن القرار ما يزال قيد الدراسة والمناقشة، وإن “الهدف منه ليس فرض قيود تعسفية على المرأة وإنما حماية لها من الابتزاز والتحرش والمضايقات باعتبارها من اشد الفئات المدنية ضعفا، كما يأتي في سياق الحد من مكافحة جرائم الاتجار بالبشر”.
ويشدد المسؤول على أن مناقشة هذا القرار جاءت “بعد حوادث وانتهاكات كثيرة تعرضت لها المرأة اليمنية في ظل الحرب والفوضى الدائرة”، كما “حدث هناك تضليل واستغلال لها بدوافع العمل والتأهيل والتدريب من قبل بعض المنظمات والأشخاص والجهات، وفوجئت اسر يمنية بأن بناتهم وقعت في هذا الفخ وخصوصا في المناطق الواقعة تحت سيطرة تحالف الحرب على اليمن”، حد وصفه للمناطق التي تقع ضمن نفوذ الحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية.
وفي واقع الحال، لا ينكر معارضو إجراءات قيود تنقل المرأة، بوجود مخاطر في ظل الظروف غير المستقرة في البلاد والتي تضع تحديات على التنقل بشكل عام حتى للرجال، لكن هذه التحديات هي في الأصل من صميم اهتمام الأسر نفسها، التي تتحقق في الغالب من سلامة إجراءات التنقل وظروف العمل، وبالتالي فإنها مبررات لا تعوض العديد من اليمنيات، كما هو حال لمياء، فرص تنمية مهاراتها المعرفية وقدرتها على خدمة أسرتها والمجتمع بشكل عام.