رايت رايتس

أميركا صعدت إلى قمة نظام عالمي أحادي، وروسيا عادت للانتقام

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 6 دقيقة قراءة
6 دقيقة قراءة

الرئيس فلاديمير بوتين خائف على روسيا ويريد معالجة الخوف بأن يصبح مخيفاً، وأوروبا خائفة ولا تستطيع أن تصير مخيفة، وأميركا والصين توظفان الخوف في تقوية التحالفات مع هذا الخائف أو ذاك، وما يخيف أوروبا التي حكمت العالم على مدى قرنين كبير بمقدار ما كانت قوتها في الماضي.

- مساحة اعلانية-

هي خائفة مما تراه “عدوانية روسية” كشرت عن أنيابها بالحرب على أوكرانيا، وخائفة من صدام أميركي – صيني يورطها في ما لا تريد، وخائفة من عودة الرئيس دونالد ترمب للبيت الأبيض مع سياسة “أميركا أولاً” وممارسة سياسة “بندقية للإيجار” ضمن حلف الـ “ناتو”، حيث لا حماية لمن لا يدفع.

وكبير الخائفين هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فماكرون أراد منذ البدء أن يبدو في ثياب “مبهبطة” عليه هي ثياب الجنرال ديغول القائل إن “فرنسا لم تعد قوة عظمى، ولذلك يجب أن تكون لها سياسة عظمى”، فهو رأى أن الحلف الأطلسي في “موت سريري” ودعا من دون تجاوب معه إلى استقلال إستراتيجي أوروبي وبناء قوة أوروبية للتدخل السريع ضمن الـ “ناتو”، مع أن الـ “ناتو” أظهر اليوم فاعلية في دعم أوكرانيا ضد الهجوم الروسي، لكن ماكرون يدعو إلى قوة أوروبية مستقلة في ظل القوة النووية الفرنسية للدفاع عن القارة بعدما صارت بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي.

- مساحة اعلانية-

هاجسه هو أسئلة كبيرة مقلقة، ماذا لو انتصر بوتين إستراتيجياً في أوكرانيا وأراد استعادة جمهوريات أخرى كانت ضمن الاتحاد السوفياتي؟ وماذا إذا امتنعت أميركا من تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف الأطلسي في حال هجوم روسي آخر في أوروبا، وهي المادة التي جرى تفعيلها للمرة الأولى بعد تفجيرات واشنطن ونيويورك الإرهابية على أيدي “القاعدة”، لجهة اعتبار الاعتداء على أي بلد عضو في الحلف اعتداء على كل الأعضاء؟ وهل شاخت أوروبا وصارت بالفعل “القارة العجوز” كما وصفها وزير الدفاع الأميركي سابقاً دونالد رامسفيلد؟ أم أنها لا تزال قادرة على المواجهة؟

الأجوبة ليست جاهزة لكن الغريب أن تكون روسيا أقوى عسكرياً من كل أوروبا مع أن دخلها القومي لا يعادل أكثر من 40 في المئة من دخل ألمانيا وحدها، ومن هنا السخرية الأميركية بأوروبا.

روبرت كاغان في كتاب “الجنة والبراءة” يقول “الأميركيون من مارس والأوروبيون من الزهرة، أميركا صارت قوة تاريخية وأوروبا خرجت من التاريخ، أميركا تريد حل المشكلات وأوروبا تريد التعايش مع المشكلات”، وسيمون سرفاتي وضع معادلة خادعة، “أوروبا قوة في العالم لكنها ليست قوة عالمية”، وبول كينيدي كتب “النسر نزل على الأرض وهناك لاعب واحد يحسب حسابه بالمعايير العسكرية، وهذا درس كبير للأوروبيين والروس، فالتحدي الكبير أمام العالم أكثر من قوة أميركا هو سقوط قدراتها ومسؤولياتها والفوضى في مثل هذا السيناريو”، والمؤرخ بول جونسون قال إن “أوروبا مريضة، والتوتاليتارية لها جذور في الفلسفة الأوروبية، روسو وهيغل وماركس ونيتشه، وأوروبا تخلت عن تاريخها المولود من زواج ثقافة إغريقية رومانية مسيحية”، وليس من الضروري أن تصح الحسابات ولو بدت غير خيالية في وقتها.

- مساحة اعلانية-

ريجيس دوبريه في كتاب “إمبراطوريات ضد أوروبا” أوحى بأن روسيا لا تخيف لأنها ضعيفة، والماركسية فقدت جاذبيتها”، وذهب إلى حد القول إنه “لا يمكن إنهاء السوفياتية في الشرق من دون إنهاء الأميركانية في الغرب”، لكن الوقائع جاءت مختلفة وأميركا صعدت إلى قمة نظام عالمي أحادي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وروسيا عادت للانتقام من الذين هزموا الاتحاد السوفياتي بلا قتال وكان سقوطه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن الـ20″، كما قال بوتين، وأوروبا وقفت تحت المظلة النووية الأميركية وبقيت خائفة من روسيا كما من انحسار المظلة الأميركية.

والسؤال الذي جرى طرحه غير مرة هو ماذا تتعلم الدول من الهزيمة؟ والأجوبة جاءت متعددة، فروسيا تعلمت الانتقام وفرنسا تعلمت الحاجة إلى قوة أوروبية توازن أميركا وبقيت على التوجس حيال بريطانيا مع الارتياح إلى ألمانيا، وبريطانيا أدركت الحاجة إلى التكيف مع مرحلة ما بعد الإمبراطورية والحرص على العلاقات الخاصة الأميركية – البريطانية، حيث لا دور خارجياً لبريطانيا من دون أن يكون وراء الدور الأميركي، وحتى بعدما عارضت فرنسا بشدة الغزو الأميركي للعراق فإن أبسط ما تعلمته مع الندم هو العجز عن توحيد أوروبا بقيادتها ضد أميركا ولو لم يكن هناك تهديد من موسكو.

لكن الدروس ليست نهائية بالنسبة إلى الأمم التي لها تاريخ مهم، وأوروبا تواجه مشكلات داخلية إلى جانب الخوف من روسيا والقلق حيال تبدل الموقف الأميركي.

مشكلات تتعلق بالهوية، ومشكلات مرتبطة باللجوء حيث صارت العواصم الأوروبية تضم ملايين المهاجرين، وبعضهم يشكل “غيتو” في أحياء لا يجرؤ حتى البوليس على فرض القانون فيها، وتحديات مع جيل جديد يريد أن يستخدم التكنولوجيا لاستعادة العظمة الأوروبية، وبحسب المؤرخ الاقتصادي أنغوس ماديسون فإن أعظم قوة عالمية كانت دائماً الأقوى في التكنولوجيا بقياس زمنها، فهولندا كانت هي القوة العالمية في القرن الـ17، وبريطانيا كانت القوة العالمية في القرن الـ19، وأميركا كانت القوة العالمية في القرن الـ20″، أما في القرن الـ21 فإن التنافس قوي بين أميركا والصين، وفي مقابل من يصر على أن القرن الـ21 سيبقى قرن أميركا ومن يرى أنه سيكون قرن الصين، ترجح الوقائع والتطورات أن يكون القرن الأميركي – الصيني، وطموح الجيل الجديد في أوروبا هو أن يصبح قرناً أوروبياً.

أليست الصراعات الجيوسياسية في القرن الـ21 عودة لصراعات القرن لـ19؟ وما الذي يمنع الأوروبيين من استعادة المكانة التي كانت للقارة في القرن الـ19؟

تم وضع علامة:
شارك هذه المقالة
ترك تقييم