تشهد ليبيا تحركات مكثفة من القوى العالمية الكبرى الساعية إلى فتح قنوات اتصال وارتباط مع أطراف رئيسية وفاعلة شرق وغرب البلاد التي تمر بأزمة سياسية مزمنة، وفي ظل وضع إقليمي ودولي مضطرب.
وعلى مدار الأيام الماضية، عُقدت اجتماعات بين قادة ميليشيات في المنطقة الغربية، في محاولة لـ”نزع فتيل” صراع كاد أن يشعل طرابلس وأماكن أخرى، بالتوازي مع دعم غربي لتشكيل قوة مشتركة تضم عددا من تلك المجموعات المسلحة، حسب مصادر.
تحركات أميركية وروسية
ومنذ وصوله العاصمة الليبية منتصف الشهر الماضي، يجري وفد شركة “أمنتوم” لقاءات مكثفة مع القادة المؤثرين غرب البلاد، في حين أكدت السفارة الأميركية خلال بيان سابق أن الشركة تنفذ برنامج “المساعدة في مكافحة الإرهاب” التابع لجهاز الأمن الدبلوماسي الأميركي، وبمقتضاه توفر الولايات المتحدة “معدات وتدريبات” لـ”وكالات إنفاذ القانون” في الدول الشريكة.
هذا الحراك الأميركي غير المسبوق في الملف الليبي، جاء بعد نحو ثمانية أشهر من زيارة وفد عسكري رفيع المستوى للمنطقة الشرقية، على رأسه وزير الدفاع الروسي يونس بيك يوفغورف، الذي التقى قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، ودارت محادثات حول التعاون والتنسيق بين الطرفين في مجالات التدريب والتأهيل والصيانة للأسلحة والمعدات الروسي لدى القيادة العامة.
مشهد ليبي مهدد بالانفجار
ويرى المحلل السياسي الليبي عزالدين عقيل إن ليبيا “معرضة بالفعل لخطر أن تكون ساحة لتصفية الحسابات” بين القوى العظمى، مشيرا إلى رغبة الدول الغربية في التدخل لمواجهة النفوذ الروسي في ليبيا، لكنهم سيجدون معضلة في التعامل مع “الميليشيات” بالمنطقة الغربية التي تتصرف مثل “الدويلات” في نطاق نفوذ كل منها.
وقد تكون الأحداث التي شهدها معبر رأس اجدير الحدودي، والصدام بين حكومة الوحدة الوطنية متمثلة في وزير الداخلية بها عماد الطرابلسي وميليشيات محلية للسيطرة على هذا المنفذ المهم “هي بداية جهد لتصفية واختيار الميليشيات، بحيث لا يبقى إلا التي ستكون قادرة على التماشي مع المصالح الغربية”، والحديث لـ”عقيل”. أجندات دولية
أما روسيا، فيشير المحلل السياسي إلى اهتمامها بليبيا كـ”مفتاح” للدخول إلى دول الساحل والصحراء في القارة الأفريقية، فتسعى عبر شراكات مع جهات في ليبيا للنفاذ إلى أفارقيا جنوب الصحراء، مستغلة انزعاج الأفارقة من “الصلف الغربي” في التعامل معهم وذلك لكسبهم في صفها، كما أنها تعول على حليفها الصيني الذين يتحرك خلف الكواليس لتثيبت مصالح أوسع في القارة الأفريقية.
ولا يخفي عقيل تخوفه من إمكاينة اندلاع أي مواجهة داخل ليبيا في حالة التصعيد بين تلك القوى الكبرى، ومع انحدار البلاد إلى حالة الجمود السياسي التام، مع استقالة المبعوث الأممي السابق عبدالله باثيلي، وإمكانية أن ترفض الصين وروسيا التجديد لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بعد محاولة واشنطن الدفع بالدبلوماسية الأميركية ستيفاني جوري كبديل لباثيلي.
حرب الوكالة
وبالمثل حذر أستاذ العلوم السياسية جامعة بنغازي الدكتور أحمد العبود من “غرق ليبيا في حرب الوكالة والفوضي” في ظل الجهود الرامية إلى تشكيل قوة مشتركة من الميليشيات، تضم في قوامها جماعات مسلحة هي الأقوى على الساحة ومنها “اللواء 444 قتال”.
ويشير العبود في هذا السياق إلى الحديث عن توريط تلك القوة المشتركة في مواجهات مع أطراف أخرى بغية صد ما يسمى بـ”المد الروسي” في جنوب الساحل المتوسط وحتى إلى القلب من القارة الأفريقية.
وفي مقال تحليل مطول، حذر المبعوث الأميركي السابق إلى ليبيا جوناثان واينر بلاده مما وصفه بـ”الدور الروسي المدمر” في ليبيا، الذي وصفه بأنه يمثل “تهديدا للأمن القومي الأميركي”، حيث دعا الإدارة الأميركية الحالية بالتخلي عن سياسة “إهمال” ليبيا واستخدام “أدواتها” لممارسة نفوذ بها.