تزايدت حدة التوتر في كافة جبهات القتال في السودان وسط تقارير عن اشتباكات دامية في أم درمان شمال العاصمة السودانية الخرطوم بين مجموعات مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش، في حين استمرت عمليات التحشيد الخطيرة حول الفاشر عاصمة إقليم دارفور والتي تعتبر آخر مدن الإقليم التي لا يزال الجيش يحتفظ فيها بوجود كبير.
وتأتي هذه التطورات وسط تصاعد كبير في المخاوف من الضغوط التي تمارسها بعض الجهات لمنع الجيش من الانخراط في المفاوضات المتوقع استئنافها في جدة خلال الإسبوعين المقابلين، في ظل ضغوط وجهود دولية متصاعدة لإنجاحها.
وبالتزامن مع اجتماعات مكثفة تجري في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا لصياغة رؤية محددة حول الحلول التي ستناقشها مفاوضات جدة، طالب مشرعون في مجلس الشيوخ الأميركي الإدارة الأميركية باتخاذ موقفا جريئًا وحازمًا والعمل على أن تكون جولة المفاوضات المقبلة مختلفة عن غيرها للخروج بحلول واضحة.
توتر ميداني
تتفاقم المخاوف من المزيد من الانفجار في الأوضاع الأمنية في ظل تحشيد وتوتر خطير في مدينة الفاشر، التي شهدت اشتباكات عنيفة الثلاثاء، وسط أنباء عن فرار آلاف السكان.
وفي الخرطوم، شهدت مناطق عدة في أم درمان، اشتباكات دامية بين وحدات تقاتل إلى جانب الجيش.
وتزايدت خلال الساعات الماضية حدة الخلافات بين الأطراف العسكرية التي تقاتل إلى جانب الجيش وسط اتهامات متزايدة للمجموعات الرافضة لوقف الحرب بمحاولة تعقيد الوضع الداخلي لإجبار قيادات الجيش السوداني المنقسمة هي الأخرى على ترجيح خيار الاستمرار في الحرب.
وحمل مراقبون “كتيبة البراء” ومجموعات تتبع لحركتي مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة ومني أركي مناوي مسؤولية التوتر الذي دفع لإعلان حالة الطوارئ في المدينة وسط توقعات بزيادة حدة الاشتباكات بين تلك الفصائل والأوضاع المتأزمة في المدينة.
كما شهدت مناطق أم درمان والخرطوم بحري تبادلا مكثفا للقصف المدفعي الذي استهدف منطقة وادي سيدنا العسكرية وعدد من المواقع التابعة للجيش، إضافة إلى مواقع تمركز قوات الدعم السريع نجم عنها سقوط شظايا وأجسام متفجرة أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من السكان المدنيين. ضغوط سياسية
واصلت الأطراف الدولية والأفريقية جهودها المكثفة من أجل الضغط على طرفي القتال للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وصعد مشرعون أميركيون من لهجتهم الداعية لحل الأزمة، وطالبوا المبعوث الخاص بيرييلو، بكسر دائرة التردد الأميركي وتزويد المجلس بخطة شاملة لإنهاء الحرب، ومحاسبة المسؤولين عنها، وتوضيح كيفية استعداد وزارة الخارجية الأميركية للسيناريو الأسوأ والتخفيف منه، مرجحين سيناريو انهيار الدولة السودانية وحدوث أعمال إبادة جماعية ومجاعة أكبر، مما سيكون له آثار خطيرة على المنطقة والأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها.
وشددوا على ضرورة أن تعمل الإدارة الأميركية على أن تكون جولة مفاوضات جدة المقبلة مختلفة عن سابقاتها وأن تحقق شيئًا ما بالفعل.
ووصف السيناتور جيم ريش، كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في جلسة استماع لتوم بيريللو، الاستجابة الأميركية للأزمة بالضعيفة، وقال “في كل مرة نعقد فيها جلسة استماع بشأن السودان، نتحدث عن مدى تدهور الوضع. وعلى الرغم من هذه المناقشات العامة والإحاطات الروتينية من وزارة الخارجية، فإن الإدارة لم تحقق في الواقع أي تقدم ملموس في تحسين المشكلة أو حلها”.
وبالتزامن مع الضغوط الأميركية، أكدت مصادر مطلعة استمرار الاجتماعات المكثفة في أديس أبابا والتي يشارك فيها مستشار المبعوث الأميركي بيريللو وممثلون عن القوى المدنية والاتحاد الأفريقي وممثلون من الاتحاد الأوروبي وعدد من البلدان الأفريقية لوضع اللمسات النهائية لصيغة مشتركة سيتم دمجها مع الخطة الأفريقية ومقترحات لجنة عسكرية مشتركة بين الجيش والدعم السريع تعقد اجتماعات سرية موازية في العاصمة البحرينية المنامة، بقية اعتمادها كأساس لمفاوضات جدة المقبلة. لكن الجهود الإقليمية والدولية تواجه بمقاومة شديدة من قبل بعض القيادات العسكرية التي تشدد على استمرار الحرب، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بالمسؤولية في إفشال تلك الجهود.
وكرر قائد الجيش عبد الفتاح البرهان اتهامه لقوات الدعم السريع بالتسبب في إفشال جولات مفاوضات جدة السابقة، لكن قائد قوات الدعم السريع قال في تغريدة على منصة “أكس” الأربعاء إنه أبلغ وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الذي أجرى معه اتصالا هاتفيا حول مفاوضات منبر جدة والأوضاع الراهنة وسبل رفع المعاناة الإنسانية التي يواجهها الشعب السوداني، أن “الطرف الآخر لا يملك إرادة حقيقية لوقف الحرب، ويسعى لإطالة أمدها وتوسيع نطاقها”، متهما اياه بعرقلة منبر جدة الأول والثاني، ورفضه لمبادرة الهيئة المعنية بالتنمية في أفريقيا “إيقاد”.