حذر كبير مسؤولي الاستقرار المالي في صندوق النقد الدولي من أن خطر نشوب صراع أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط يهدد بعكس اتجاه الارتفاع في أسعار الأصول ذات المخاطر العالية منذ بداية العام.
وقال تقرير الاستقرار المالي العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي، والذي نشر الثلاثاء، إن التوقعات بأن الاقتصاد العالمي سيتجنب الركود الذي كان يخشى كثيرا منه أدت إلى ارتفاع أسعار الأصول مثل الأسهم والسندات ذات الدرجة المنخفضة منذ مطلع العام.
وقال مدير إدارة الأسواق النقدية ورأس المال في الصندوق، توبياس أدريان: “في بداية العام شهدنا الكثير من التفاؤل في الأسواق.. كانت هناك توقعات بهبوط سلس للاقتصاد على الصعيد العالمي، وعودة التضخم إلى مستوياته المستهدفة”، موضحاً أن تكاليف الإقراض انخفضت “بشكل كبير”، خاصة بالنسبة للمقترضين ذوي المخاطر العالية.
لكن أدريان قال لصحيفة “فاينانشيال تايمز” إن ارتفاع “الإقبال على المخاطرة” قد ينتهي قريبًا.
تراجعت أسواق الأسهم العالمية وانخفضت العملات الآسيوية يوم الثلاثاء وسط تضاؤل الآمال في تخفيضات سريعة لأسعار الفائدة الأميركية ومخاوف من تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.
وكانت التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران قد أدت بالفعل إلى “الهروب الكلاسيكي إلى الأصول عالية الجودة”، مثل سندات الخزانة الأميركية، بعيدا عن الأسهم.
يوم الجمعة الماضي، انخفض عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات – وهو مقياس رئيسي لتكاليف الاقتراض العالمية – من 4.56 بالمئة إلى 4.5 بالمئة، في حين انخفضت الأسهم.
وقال أدريان إن أسعار النفط ستكون عاملا حاسما في تحديد آفاق الاستقرار المالي. وانخفض خام برنت القياسي قليلا لكنه ظل قريبا من 90 دولارا للبرميل، بعد أن ارتفع أكثر من 6 بالمئة خلال الشهر الماضي.
وتابع: “يكمن الخطر في أن تؤدي أسعار النفط المرتفعة إلى مزيد من الارتفاع في أسعار السلع الأساسية على نطاق أوسع، مما يضغط على التضخم ومن ثم يؤدي إلى تغيير في موقف السياسة النقدية وسيؤدي إلى تأثير على التقييمات على نطاق أوسع”.
وشدد أدريان، في التصريحات التي نقلتها عنه الصحيفة البريطانية، على أنه يتوقع أيضًا أن تؤثر اضطرابات سلسلة التوريد على مستوردي النفط، مثل معظم الدول الأوروبية، بشكل أقوى من المنتجين مثل الولايات المتحدة.
وحاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ثني إسرائيل عن الرد بعد أن شنت إيران هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ ردا على غارة إسرائيلية على مجمعها الدبلوماسي في سوريا. ومع ذلك، أشارت إسرائيل إلى أنه من المرجح أن ترد، مما قد يؤدي إلى صراع شامل في الشرق الأوسط.
وقال أدريان إن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يثير المزيد من “الأسئلة حول مستوى التقييمات ومستوى إصدار (الديون) الذي شهدناه”. وأضاف: “قد يؤثر ذلك في النهاية على الاستقرار المالي ومخاطر الجانب السلبي”.
العوائد الثابتة الأكثر جذباً
كبير الاقتصاديين في شركة ACY في أستراليا، نضال الشعار، أكد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:
العالم يشهد خلال المرحلة الحالية بدء دورة اقتصادية جديدة تتزامن معها توترات جيوسياسية قد تشكل خطراً أوسع على اقتصاديات العالم ومعدلات النمو بشكل عام.
التوترات الجيوسياسية المستمرة منذ فترة وآخرها حرب غزة والصراعات الأخيرة، كان لها تأثير سلبي على مجمل الأصول في فترة ما.
المستثمرون عادة ما يبحثون عن الأصول التي تتمتع بدخل ثابت مثل السندات والذهب كملاذ آمن.
السندات تعتبر حالياً -في ظل الوضع الراهن – أول أصل مالي، وفي ظل حفاظ البنوك المركزية على معدلات الفائدة المرتفعة الآن، وهو ما يشجع على تدفق المتعاملين عليها.
وتوقع أنه في حال استمرار التطورات الجيوسياسية وتباطؤ الاقتصاد الأميركي و /أو العالمي بشكل عام فقد يتم التوجه نحو خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد وهو ما يتبعه تغيراً في الاستراتيجيات الاستثمارية للمتعاملين (المستثمرين) مرة أخرى.
وأضاف كبير الاقتصاديين في شركة ACY في أستراليا: في حال استمرار التوترات الجيوسياسية (بوتيرتها الراهنة) بالمنطقة فإن ذلك يدفع المستثمرين نحو الاتجاه إلى أصول ذات عوائد ثابتة.
سيناريو صندوق النقد
وبينما يظل السيناريو المركزي لصندوق النقد الدولي بمثابة هبوط سلس للاقتصاد العالمي، قال مدير إدارة الأسواق النقدية ورأس المال في صندوق النقد، توبياس أدريان، إن مدى الحاجة إلى بقاء السياسة النقدية التقييدية لكبح ضغوط الأسعار بشكل كامل هو “السؤال الرئيسي” الآن.
وبعد رفع أسعار الفائدة بشكل حاد في عامي 2022 و2023 لمعالجة أسوأ موجة تضخم منذ جيل، من المتوقع أن تخفض البنوك المركزية على جانبي المحيط الأطلسي أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة.
مع ذلك، فإن هذه التوقعات لتكاليف الاقتراض العالمية ستواجه تحديا إذا ثبت أن تراجع التضخم بطيء بشكل غير متوقع – أو اتجه في الاتجاه المعاكس، كما يخشى المستثمرون.
وقال تقرير الاستقرار المالي العالمي: “إن توقف تراجع التضخم يمكن أن يفاجئ المستثمرين، مما يؤدي إلى إعادة تسعير الأصول وتجدد تقلبات الأسواق المالية”.
طبيعة الأسواق تحدد الفرص
وإلى ذلك، أوضحت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:
التوترات في الشرق الأوسط بشكل خاص تؤثر على اتجاهات وميول المستثمرين.. إلا أنه يتعين مراعاة أمر هام وهو تمتع فئة من المستثمرين بالقدرة على تحمل المخاطر خلال فترات الأزمات.
رؤية وتوجهات المستثمرين تختلف من سوق لأخرى.. مع تسليط الضوء على الأسواق المنتجة للنفط، تنعكس الأزمات والتوترات الحالية بالمنطقة بالإيجاب على أسعار النفط مع ارتفاع سعر برميل النفط بشكل عام، ومن ثم يؤثر على حركة المؤشرات والأسهم بتلك الأسواق.
البدائل الاستثمارية تختلف من سوق لأخرى وفقاً لطبيعة الظروف المحيطة؛ فمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام تمتلك فرصاً استثمارية متنوعة وفقاً لتحمل المتعاملين للمخاطر ووفقاً لرؤيتهم المستقبلية بشأن مدة تأثير هذه الأزمات الجيوسياسية على الاستثمار في أسواق المنطقة.
ثمة فرص في قطاعات مثل العقارات والأدوية، وهي قطاعات يتجه إليها المتعاملون لتحقيق أرباح رأسمالية في ظل الأزمات الحالية والتوترات الجيوسياسية.
وشددت على أن الاتجاه إلى السندات وأذون الخزانة مرتبط بمعدلات الفائدة داخل الدول، فبعض من دول المنطقة تتجه إلى خفض أسعار الفائدة بالتزامن مع توجهات الفيدرالي الأميركي لخفضها خلال الفترة المقبلة، لذلك يعتبر الاستثمار في سندات وأذون الخزانة في هذه الدول بديلاً وخياراً استثمارياً ثانياً.
بينما يختلف الوضع في أسواق مثل مصر في ظل ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم وعدم ارتباط قرارات البنك المركزي المصري بقرارات الفيدرالي الأميركي، لذلك تمثل سندات الخزانة المصرية أكثر جاذبية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
الذهب في المقدمة
واستعرض خبير أسواق المال، حسام الغايش، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أبرز البدائل الاستثمارية الجاذبة للمستثمرين في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص في ضوء التوترات الجيوسياسية الحالية والمستمرة منذ فترة.
أضاف: التوترات الجيوسياسية تؤثر بشكل كبير على توجه المستثمرين في المرحلة الحالية، وهو ما يعيد ترتيب الأصول في ضوء طبيعة المعطيات الحالية على النحو التالي:
الذهب، يأتي في صدارة الأصول والبدائل الاستثمارية الحالية لأغلب المستثمرين بالمنطقة كملاذ آمن وفي ضوء طبيعة التوترات الجيوسياسية الحالية، الأمر الذي يتيح بديلا لضخ سيولة استثماريه به وتسييله بصورة أسرع.
سندات الخزانة، تأتي في المرتبة التالية لاسيما في الدول النامية التي تشهد ارتفاعا على صعيد معدلات أسعار الفائدة.
أصول أخرى سواء أسهم أو عقارات تحتل مرتبة من اهتمامات المستثمرين وفق الملاءة المالية ولكن بنسبة أقل من الذهب والسندات.