أثار تجهيز الجيش الإسرائيلي لإطلاق عملية عسكرية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، المحاذية للحدود المصرية، مخاوف مصرية واسعة من “العواقب الوخيمة” لمثل هذا الإجراء في خضم تكدس النازحين الفلسطينيين البالغ عددهم ما يقارب 1.4 مليون نسمة.
يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه مصدر مصري رفيع المستوى، إن القاهرة تتابع عن كثب الموقف في رفح الفلسطينية، مشددًا على “الاستعداد للتعامل مع كل السيناريوهات”.
وذكر محللون وخبراء عسكريون، في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن تخوف مصر الرئيسي يكمن في أن تدفع العملية العسكرية التي تخطط لها تل أبيب، مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين تجاه الأراضي المصرية في سيناء واختراق الحدود، فضلًا عن احتمال قيام الجيش الإسرائيلي بشن هجمات في محور فيلادلفيا وهو أمر ترفضه القاهرة.
ومع ذلك، أشار المحللون إلى مواصلة مصر التحرك إقليمياً ودولياً للضغط على إسرائيل لوقف تلك العملية، وتجنب تدهور العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، مما سيُلقي بتداعيات على اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين.
وقامت مصر بتحصين حدودها مع غزة بشكل كبير، حيث أقامت منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات وجدرانا خرسانية فوق وتحت الأرض.
ماذا يحدث؟
طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إعادة تعبئة جنود الاحتياط من أجل الاستعداد للاجتياح العسكري لرفح، في الوقت الذي كشفت “القناة 13” الإسرائيلية، أن الجيش سينفذ غارات جوية في رفح بشكل شبه يومي، حتى بعد أن طلب من المدنيين في الأسابيع الأخيرة البحث عن مأوى هناك هربا من القتال البري في مدينة خان يونس، إلى الشمال مباشرة.
كشفت القناة 12 الإسرائيلية أن الهجوم على رفح أصبح جاهزا وينتظر موافقة المستوى السياسي، مضيفة أن الجيش خلال الهجوم سيركز على هدفين هما محور فيلادلفيا و”تطهير” مدينة رفح نفسها من كتائب حماس، هذا بالإضافة إلى إجلاء مواطني غزة إلى مناطق أخرى في القطاع.
الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى، فضلاً عن العديد من الدول والمنظمات، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا والإمارات والسعودية ومصر، أعربت عن قلقها إزاء الهجوم البري على رفح، وتأثيره على السكان المدنيين فيها.
من جانبها، قالت واشنطن إنها لن تدعم عملية عسكرية إسرائيلية في رفح “دون تخطيط جاد” نظرا لمخاطرها المحتملة.
تحذير مصري
طالبت مصر “بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح الفلسطينية، التي باتت تأوي ما يقرب من 1.4 مليون فلسطيني نزحوا إليها لكونها آخر المناطق الآمنة بالقطاع”، حسب بيان صادر عن الخارجية المصرية.
شددت مصر على أن “استهداف رفح، واستمرار انتهاج إسرائيل لسياسة عرقلة نفاذ المساعدات الإنسانية، بمثابة إسهام فعلى فى تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته”.
أشار البيان المصري إلى أن القاهرة “تواصل اتصالاتها وتحركاتها مع مختلف الأطراف، من أجل التوصل إلى وقف فورى لإطلاق النار، وإنفاذ التهدئة وتبادل الأسرى والمحتجزين”، ودعت إلى “تكثيف الضغوط على إسرائيل للتجاوب مع تلك الجهود، وتجنب اتخاذ إجراءات تزيد من تعقيد الموقف، وتتسبب فى الإضرار بمصالح الجميع دون استثناء”.
لوحت مصادر مصرية بتعليق معاهدة السلام المبرمة مع إسرائيل في حال إرسال الجيش الإسرائيلي لقوات إلى رفح.
سارعت وزارة الخارجية المصرية إلى التعليق على تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، التي لمح فيها إلى “مسؤوليتها” عن هجوم حماس في 7 أكتوبر، حيث اعتبر المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، أن مثل تلك التصريحات “غير مقبولة جملة وتفصيلا، حيث تسيطر مصر بشكل كامل على أراضيها، ولا تسمح لأي طرف بأن يقحم اسمها في أي محاولة فاشلة لتبرير قصور أدائه”.
الخيارات المصرية
وبشأن خيارات التعامل إزاء تنفيذ إسرائيل لخطتها باجتياح رفح وتداعياتها على الأمن القومي المصري، قال رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان، إن “الدولة المصرية لن تكتفي بإجراءات رمزية إذا تعلق الأمر بتهديد الأمن القومي وأراضيها، وكذلك تصفية القضية الفلسطينية”.
وأوضح رشوان أن “لدى مصر جبهة موحدة، وحزمة كبيرة من التحركات والإجراءات، كما لدى القاهرة من الوسائل ما يُمكنها من الدفاع عن أمنها، ومنها في بعض المراحل الاحتجاج لإجراءات ذات طبيعة رمزية مثل سحب سفير أو طرد سفير”، قبل أن يمضي قائلًا إن “الإجراءات الفعلية وصلت إلى إسرائيل، ووصلت إلى من يوصلون إليها (تلك الرسائل) ما قد يترتب عليه أي تحرك عسكري غريب (في المناطق الحدودية).
وشدد على أن “مصر لن تقبل بالمساس بأراضيها أو تصفية القضية الفلسطينية”، لافتًا إلى أن مصر تلعب أدوارًا في ملف الوساطة لا يمكن الاستغناء عنها.
موقف معاهدة السلام
من جانبه، اعتبر الخبير المصري المتخصص في العلاقات الدولية، أيمن سمير، أن العملية الإسرائيلية المزمع تنفيذها في رفح “تضع العلاقات المصرية-الإسرائيلية في اختبار هو الأصعب منذ اتفاقية السلام عام 1979”.
وقال “سمير” في حديث لموقع سكاي نيوز عربية، إن مصر لديها خيارات كثيرة للتعامل مع هذا الوضع، يتمثل في العمل على عدة محاور:
أولا: مصر عملت على بناء مسار سياسي رافض للأفكار الإسرائيلية في اجتياح رفح، بدعم من الدول العربية والإسلامية، وكذلك حشد الدعم الدولي لإثناء تل أبيب عن خطتها بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي التي أعلنت رفضها للعملية العسكرية بمدينة رفح.
ثانياً: تستطيع مصر أن تتعامل مع مظلة المواقف الدولية والقانون الدولي الإنساني بما في ذلك الأمم المتحدة التي ترفض بكل وكالاتها وهيئاتها وكذلك أمينها العام ومبعوثه للشؤون الإنسانية، المنطق الإسرائيلي للسيطرة على رفح ودخولها برياً، للتنديد بما تقوم به إسرائيل.
ثالثاً: تمتلك مصر خيار تعليق بعض الاتفاقيات الثنائية مع تل أبيب، سواءً كانت هذه الاتفاقيات سياسية أو اقتصادية، وعلى رأس ذلك اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين، خاصة أن تلك التحركات العسكرية تمثل خرقًا لها، وبالتالي ستُشكل تلك الخطورة أكبر خسارة لإسرائيل التي تعتبر أن هذه الاتفاقية تمثل أكبر مكسب تحقق للسلام والاستقرار في المنطقة، وبالتالي تعليقها يشكل ضربة كبيرة لهذا المسار، أو قد تنسحب من دور الوساطة بين إسرائيل وحماس، وهذا سيضر محاولات إسرائيل للإفراج عن “رهائنها”، وكذلك التلويح باتفاقية “الكويز” وهي اتفاقية تجارية تضم كلاً من مصر وإسرائيل وأميركا، وتسمح للمنتجات المصرية بالدخول إلى الولايات المتحدة دون جمارك بشرط أن يدخل فيها مكون إسرائيلي بنسبة محددة.
جدل محور فيلادلفيا
وبالتزامن مع ذلك، حذر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري، اللواء أحمد العوضي، من مغبة إقدام إسرائيل على اجتياح عسكري لمدينة رفح الفلسطينية، معتبرًا ذلك “تهديدًا غير مباشر لمصر”.
وأكد العوضي في تصريحاته لـ”سكاي نيوز عربية”، أن اجتياح رفح يخل بشكل واضح ببنود اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل، في وقت حذرت فيه مصر ودول العالم من خطورة وتداعيات هذا الاجتياح.
وأضاف أن “اقتراب إسرائيل من محور فيلادلفيا، هو مخاطرة، وتهديد غير مباشر لمصر، حتى لو لم يتدخل في الأراضي المصرية”، حيث إنه وفقا لاتفاقية السلام، التي وقعتها مصر وإسرائيل عام 1979، فهو يقع ضمن المنطقة “د” العازلة منعا لحدوث أي توترات.
ويطلق اسم محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، على شريط يمتد على الحدود بين مصر وقطاع غزة، ويقع ضمن المنطقة “د” العازلة بموجب اتفاقية السلام، ويمتد المحور من البحر المتوسط شمالا إلى معبر كرم أبو سالم جنوبا، بطول نحو 14 كيلومترا.
وفي معاهدة كامب ديفيد تم إدراج بنود ذات طابع أمني وعسكري، لضمان عدم حصول أي تصعيد بين البلدين، ومن ضمن تلك البنود، إنشاء منطقة عازلة على طرفي الحدود الدولية المعترف بها.