فاقت المدة، التي استغرقتها الحرب الجارية في قطاع غزة مدة أي حرب فلسطينية – إسرائيلية متواصلة منذ الانتفاضة الثانية عام 2002، الأمر الذي يرتد بأمراض وندوب نفسية على المقاتلين والمدنيين من الجانبين.
وفي ظل غياب أفق واضح لنهاية الحرب، التي تجاوزت الـ70 يوما، يوضّح متخصّص في الصحة النفسية آثار إطالتها على الصحة النفسية للجنود المشاركين، وكذلك المدنيين، أثناء وبعد المعارك.
ونشرت عدة وسائل إعلام إسرائيلية، منها صحيفة “هاآرتس” هذا الشهر، نتائج دراسات أظهرت أن 34 في المئة من جنود الجيش الإسرائيلي يعانون أعراض ما بعد الصدمة؛ بسبب الهجوم الواسع الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، وأن مركز إعادة التأهيل التابع للجيش يستقبل العشرات من قوات الاحتياط بعد تعرّضهم للإصابات.
ويطال التأثير النفسي لإطالة أمد الحرب المدنيين في غزة، خاصة الأطفال، فوفق تقارير لمركز الإحصاء الفلسطيني، يشكّل الأطفال هناك 60 في المئة من السكان، ويعاني 30 في المئة منهم من أمراض نفسية تلازمهم طيلة فترة حياتهم؛ نتيجة تعرضهم الطويل لمشاهد القتل والدمار والترهيب يوميا، كما يُصاب المراهقون باضطرابات سلوكية.
والأحد، نشر موقع “124 نيوز” الإسرائيلي أن عدد الجنود القتلى خلال العملية البرية في قطاع غزة ارتفع إلى 121، بعد إعلان الجيش مقتل جنديين في معارك بشمال وجنوب القطاع.
وسبق أن قُتِل 1200 شخص وأصيب الآلاف داخل إسرائيل ومستوطناتها خلال هجوم 7 أكتوبر، مقابل مقتل أكثر من 18 ألف فلسطيني وإصابة عشرات الآلاف في القصف الجوي والهجوم البري الإسرائيلي الجاري في غزة.
إدمان وغضب
عن تأثير طول الحرب، يقول الدكتور أزاد علي إسماعيل، أستاذ الصحة النفسية، لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن للحروب تأثيرات في إحداث صدمات عنيفة، تختلف عن تلك التي تسبّبها الكوارث الطبيعية.
ويضرب إسماعيل مثلا بالصدمات النفسية التي عاد بها الجنود الأميركيون من حرب فيتنام في ستينيات القرن العشرين.
وأكثر الأمراض النفسية التي تظهر على الجنود بعد فترات الحرب الطويلة، هي:
“توتر ما بعد الصدمة” يصيب أكثر من 50 في المئة من الحالات، نتيجة الصدمات الكثيرة التي يتعرض لها الجنود خلال الحرب، وما يرتبط بها من مشاعر الخوف والغضب والإحساس بالذنب والحزن، خاصة مع الفقد (فقد أعزاء له من زملائه أو بعض أجزاء جسمه).
بعد الحرب، قد يتّجه بعضهم للإدمان للتقليل من الضغط النفسي الناجم عن ذكرياته الأليمة والدموية التي عاد بها.
تطارد الجنود والمدنيين بعد الحرب أمراض الاكتئاب الرئيسي، أو الفوبيا (الخوف غير المبرَّر)، وجرح المخ الصدمي، إضافة إلى أمراض صعوبة التأقلم والتكيف عند البعض مع الأحوال الجديدة الناجمة عن الحرب.
غياب الاستقرار
وجاءت الحرب في إسرائيل وغزة على مجتمعات تعاني في الأساس من عدم الاستقرار؛ نتيجة مواجهات سابقة أو عدم الإحساس بالأمان فيما يخص المستقبل.
وعلى سبيل المثال، نشر موقع “124 نيوز” الإسرائيلي في يونيو الماضي، أن واحدا من كل 3 إسرائيليين، معظمهم من النساء، يعانون من نوبة هلع بانتظام، مما زاد من تناول مضادات الاكتئاب والقلق بشكل كبير.
في عام 2022، كان نحو 7.5 في المئة من سكان إسرائيل (ما يقرب من 64000 شخص) يتناولون مضادات الاكتئاب ومزيلات القلق، بينما كانت النسبة 5 في المئة عام 2016.
وأرجعت مصادر للموقع ذلك إلى صعوبات في الأحوال الاقتصادية لإسرائيل، وأزمة فيروس كورونا، وعدم الاستقرار السياسي، وتحديات يواجهها المهاجرون الجدد، وحتى الذين عاشوا هناك فترة طويلة.
وعلى صعيد محاولات وضع حد للحرب، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية “مكان” على حسابها في منصة “إكس”، الأحد، أن إسرائيل ستبادر لصفقة تبادل جديدة، ونقلت عن “جهات مطّلعة” أن “المفاوضات لإبرام صفقة إنسانية، كالتي تمت قبل أسبوعين، ستكون هذه المرة طويلة وشاقة”.