رايت رايتس

كيف يؤثر التصعيد في غزة على أسعار الغاز العالمية؟

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 43 دقيقة قراءة
43 دقيقة قراءة

يقع قطاع الغاز في القلب من تلك التوترات، لا سيما بالنظر إلى المكانة الإقليمية التي تشغلها إسرائيل في هذا القطاع، رغم أن حجم إنتاجها وصادراتها –بالمعايير الدولية- ليس ضخماً.

- مساحة اعلانية-

تشمل التأثيرات المحتمل تصاعدها –وفق ما تفرضه ظروف وتطورات العمليات الحالية في قطاع غزة- كلاً من إسرائيل وعدد من دول المنطقة، لا سيما مصر والأردن، وتمتد بنسب متفاوتة إلى أوروبا المستفيدة من واردات الغاز من مصر ، كمركز إقليمي لنقل الغاز الوارد من إسرائيل، وحيث تجري عمليات الإسالة.

وعانت أوروبا خلال العام الماضي من أزمة طاقة مستعرة، تحت وطأة تداعيات الحرب في أوكرانيا وتوقف الإمدادات الروسية، فضلاً عن العقوبات المفروضة على موسكو وآثارها على دول القارة العجوز نفسها. فيما تتسبب التوترات الحالية بالمنطقة في تصاعد مخاوف مماثلة، لا سيما في ظل السيناريوهات المحتملة للتوترات الحالية، بما في ذلك السيناريو الأسوأ المرتبط بتوسع دائرة الصراع ودخول أطراف جديدة، بما يهدد بتداعيات شديدة على الأسواق، بما في ذلك أسواق الطاقة، الأمر الذي يهدد بمعاناة متجددة للقارة  العجوز التي بالكاد تسعى للعبور من ارتدادات الحرب في أوكرانيا.

- مساحة اعلانية-

مخاطر متعددة

وفي هذا السياق، نقل تقرير نشرته مؤسسة “ستاندرد آند بورز غلوبال”، عن الرئيس التنفيذي لشركة Wintershall Dea الألمانية، قوله:

  • إن أوروبا لا تزال تواجه مخاطر “متعددة” محتملة فيما يخص إمدادات الغاز هذا الشتاء، مع استمرار المخاوف بشأن القدرة على تحمل تكاليف الغاز.
  • “نحن الآن في موسم الشتاء البارد.. وقبل ثلاثة أشهر حذرنا من التراخي في هذا الشتاء.. وكما رأينا في الأشهر الثلاثة الماضية، لا تزال هناك مخاطر على القدرة على تحمل التكاليف وأمن الإمدادات”.
  • الوضع لا يزال هشاً، مع وجود مخاطر محتملة “متعددة” على الإمدادات بما في ذلك الصراع الحالي في الشرق الأوسط.

وفي 27 أكتوبر، قيّمت “ستاندرد آند بورز كوموديتي إنسايتس”، مؤشر TTF الهولندي القياسي لأسعار الغاز للشهر السابق عند 50.44 يورو/ ميغاوات في الساعة.

- مساحة اعلانية-

وذكر الرئيس التنفيذي للشركة الألمانية، ماريو مهرين، أن “أي مصادر جديدة للغاز لضمان أمن الإمدادات الأوروبية ستكون موضع ترحيب”.

تأثير محدود

لكن من باريس، يقول الخبير الاقتصادي، دانيال ملحم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه بالنسبة لأوروبا حتى اليوم لا يزال التأثير محدوداً لعدة اعتبارات؛ من أبرزها:

  • امتلاء المخزون الاستراتيجي من الغاز بالنسبة لدول القارة بمستويات مرتفعة وبشكل مبكر هذا العام.
  • انخفاض الطلب بنسبة 15 بالمئة في أوروبا.
  • الشتاء الماضي لم يكن بارداً بشكل كبير، وبالتالي بقي جزء كبير من المخزون السابق.
  • فصل الشتاء الجديد لم يبدأ مبكراً، وحتى اليوم لا تزال هناك درجات حرارة مرتفعة بشكل واضح.
  • عملياً استهلاك الغاز لم يكن كبيراً، بالتالي انخفض الطلب، وفي المقابل كان هناك عرض لا بأس به في السوق، كما أن المخزونات الاستراتيجية تكفي لسد الحاجة.

ويضيف: “هناك مخاطر جيوسياسية معروفة، بعد أن برزت إلى السطح التوترات الحالية بين إسرائيل وفلسطين، وبالتالي احتمالات تأثر الغاز القادم من إسرائيل نحو أوروبا أو الغاز الوارد من مصر قائمة، لكن لا تزال التأثيرات محدودة”.

ويشير إلى أن “الغاز الإسرائيلي يأتي أوروبا لكن بكميات قليلة ضئيلة، وسريعاً ما يمكن أن تتم الاستعاضة عنه من سوق الغاز المسال العالمية المتوفرة، وبالتالي التأثير يظل محدوداً، رغم ارتفاع الأسعار من 30 و35 يورو إلى 55 يورو، وهو الارتفاع الذي من شأنه نوعاً ما أن  يؤدي في مكان ما للضغط على الأسعار وتكاليف الإنتاج، لكن لا تزال الأمور محدودة نسبياً، كما أن أغلب الشركات الأوروبية تستطيع اليوم تحمل التكاليف المؤقتة، على اعتبار أن أغلب العقود طويلة الأجل، بينما هذه التقلبات قصيرة الأجل لن تؤثر بشكل كبير”.

ويعتقد الخبير الاقتصادي بأن التأثير الأقوى على أوروبا سيظهر إذا جاء شتاء قارس، “وفي ظل الضغوطات على المعروض العالمي من الغاز المسال يمكن أن يؤدي ذلك لارتفاع الأسعار من جديد”.

تهديدات أوسع

فيما ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، في تقرير لها أن تلك التوترات التي تشهدها إسرائيل “تهدد الكثير في دول المنطقة وحتى خارجها”، كما أن لتصاعد التوترات والمخاوف الأمنية “تداعيات محتملة على طموحات البلاد لتنمية صادراتها من الغاز الطبيعي”.

ورسم التقرير صورة عامة للمشهد فيما يخص قطاع الغاز في إسرائيل، وتداعيات الأزمة الراهنة على الإنتاج والصادرات، والبلدان المتأثرة:

  • في غضون ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان، أصبحت إسرائيل منتجاً هاماً للغاز ومصدراً إقليميا.
  • أنتجت ما يقرب من 22 مليار متر مكعب من الغاز العام الماضي من حقلي ليفياثان وتمار العملاقين، تم نقل 9 مليارات متر مكعب منها إلى مصر والأردن.
  • شركة شيفرون هي المساهم الرئيسي في كلا الحقلين. وتمتلك شركة نيوميد إنرجي الإسرائيلية 45 بالمئة من ليفياثان.
  • الحكومة الإسرائيلية منحت قبيل أيام 12 رخصة استكشاف أخرى لمشغلين بما في ذلك شركة إيني الإيطالية وشركة بريتيش بتروليوم.
  • كانت النتيجة المباشرة للصراع هي إغلاق حقل تمار. وقد أدى هذا إلى تضاؤل الصادرات إلى مصر، وهو ما يمثل مشكلة خطيرة بالنسبة لجار إسرائيل الأكثر اكتظاظاً بالسكان.

ويأتي خفض الواردات الإسرائيلية وسط تراجع الإنتاج المحلي في مصر، بعد الانخفاض بنسبة 10 بالمئة في الأشهر الثمانية الأولى من العام، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن جريج مولنار من وكالة الطاقة الدولية. فيما شهدت البلاد انقطاعات في التيار الكهربائي خلال فصل الصيف.

وفي الشتاء الماضي، تمكنت مصر من تصدير 4.5 مليار متر مكعب من الغاز من خلال البنية التحتية لتسييله (محطات الإسالة). ومن دون استئناف الواردات الإسرائيلية، فإنها ستواجه صعوبة في تكرار هذا العمل.

وبيّن التقرير أنه لدى إسرائيل القدرة على زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي، ربما بمقدار 15 مليار متر مكعب بحلول العام 2026، من خلال تكثيف وتطوير الحقول الحالية. ومن الممكن أن تضيف عمليات الاستكشاف الجديدة – مثل تلك المتوخاة في التراخيص الممنوحة أخيراً – موارد إضافية.

رسائل إسرائيلية

من جانبها، تُبرز خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتايان، في تصريحاتها لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إعلان وزير الطاقة الإسرائيلي، الأحد، عن جولة التراخيص الرابعة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، والتي تمت بموجبها منح رخص لمجموعة من الشركات، وهي (بي.بي البريطانية، وشركة النفط الوطنية في أذربيجان سوكار، ونيو ميد الإسرائيلية) وذلك شمالي حقل ليفياثان، إضافة إلى شركات (إيني الإيطالية ودانا بتروليوم وريشيو إنرجيز الإسرائيلية) لأعمالال تنقيب في منطقة غربي حقل ليفياثان.

وتشير إلى أن توقيت الإعلان عن تلك العقود “مثير للاهتمام”، حتى إن كانت جولة التراخيص مفتوحة منذ قبل يوم السابع من أكتوبر، فإسرائيل تريد أن تُظهر أنه رغم كل شيء لا يزال اقتصادها يفرض نفسه، وأن هناك شركات مهتمة بالتنقيب والعمل داخل إسرائيل ولا تزال إسرائيل تستقطب الشركات الكبيرة، لا سيما وأن مجموعة الشركات المذكورة منهم أربع شركات تعمل للمرة الأولى هناك وهي (سوكر وبي بي وإيني ودانا بتروليوم).

وفي السياق، توضح هايتايان، في معرض حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الحقول العاملة الأساسية في إسرائيل هي (لڤياثان وتمار وكاريش)، وقد وصل الإنتاج العام الماضي من هذه الحقول إلى 21.9 مليار متر مكعب، منهم 9.2 مليار متر مكعب تم تصديرهم لمصر والأردن، وكان من المتوقع هذا العام 2023 أن تزيد نسبة الإنتاج والتصدير، خاصة لمصر، وبعد الاتفاق السابق المرتبط بدخول الغاز الإسرائيلي لمصر ومن ثم تصديره لأوروبا (بعد التفاهم الذي تم في العام 2022 بين الاتحاد الأوروبي ومصر وإسرائيل)، فضلاً عن أنه كانت هناك مشاريع لبناء أنابيب جديدة من إسرائيل إلى مصر مع زيادة إنتاج الغاز الإسرائيلي.  

توقف حقل تمار

وعلقت شركة شيفرون أنشطتها في حقل تمار لاستخراج الغاز قبالة السواحل الاسرائيلية، وذلك التزاماً بتعليمات الحكومة الإسرائيلية بعد أحداث السابع من أكتوبر. لكن الشركة أوضحت أنها ستواصل إمداد العملاء في إسرائيل والمنطقة من منصة ليفياثان.

وتوضح الخبيرة أن “توقف حقل تمار عن الإنتاج –على خلفية الأحداث- له تداعيات كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي وكذلك على الاقتصاد المصري والأردني أيضاً (..)”. كذلك فإن توقف التصدير من الحقل إلى مصر عبر خط أنابيب شرق المتوسط (إي.إم.جي) من عسقلان إلى العريش، يعني تعديل مسار الغاز الإسرائيلي إلى مصر، للمرور بالحدود الأردنية عبر الأنبوب الذي يقطع الأردن، بما لذلك من مخاطر جيوسياسية (..)”.

وكان بنك غولدمان ساكس، قد ذكر في تقرير له أن “تقليص إنتاج الغاز في إسرائيل بسبب الصراع الدائر من المرجح أن يؤدي إلى تراجع المعروض العالمي لكن التأثير على أسعار الغاز الأوروبية هامشي في الوقت الحالي”.

ومع ذلك، يرى البنك أن المخاطر على أسعار الغاز في أوروبا تميل نحو الاتجاه الصعودي نظرا لحالة عدم اليقين حول مدة تعطل إنتاج الغاز وفي ظل تزايد الغموض حول التداعيات الجيوسياسية للصراع المستمر في الشرق الأوسط.

 تأثر الإنتاج والتصدير

من لندن، يقول الخبير في اقتصادات الطاقة، الدكتور نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الغاز الإسرائيلي الآن يخضع إلى “حالة الطوارئ” وذلك يعني أن تلبية الطلب الداخلي المحلي يأخذ محل الأولوية وليس التصدير، ويخضع قطاع الطاقة لاعتبارات أمنية، مشيراً إلى إغلاق حقل تمار لأسباب أمنية قبل أسبوعين، لا سيما وأنه قريب من شواطئ غزة، على بعد حوالي 25 كيلومتر شمال غرب غزة.

ويضيف: “إن إنتاج وتصدير إسرائيل من الغاز ليس كبيراً بالمقارنة بالمستويات العالمية، إلا أن 70 بالمئة من الكهرباء المحلية تأتي من الغاز الإسرائيلي ذاته، و40 بالمئة من مزيج الطاقة تأتي من إمدادات الغاز من حقلي ليفياثان وتمار، اللذين يصل حجم الاحتياطي فيهما إلى ما يزيد على 30 تريليون قدم مكعب، فيما بلغ الإنتاج السنوي في العام 2022 من الغاز الإسرائيلي حوالي 22 مليار متر مكعب، منهم 11.4 من ليفياثان و10.2 من تمار، وهذه الكميات “بالتأكيد سوف تتأثر بسبب الحرب القائمة وقانون الطوارئ”.

ويشدد الخبير في اقتصادات الطاقة، على أن ثمة خططاً ومشاريع من شأنها أن تواجه شبح التأجيل على وقع التوترات الراهنة، من بينها الخطة المرتبطة بإنتاج 6.5 مليار متر مكعب من حقل كاريش، علاوة على خطط توسعة حقل تمار بنسبة 60 بالمئة التي قد تتأخر عن الموعد المحدد في 2026.

ويتحدث في السياق نفسه عن تبعات تلك المعطيات على مصر –التي بلغ إجمالي صادراتها من الغاز في العام الماضي 8 ملايين طن منهم 5 ملايين للاتحاد الأوروبي- موضحاً أن صادرات القاهرة ستقل، لا سيما وأنها ستستلم كميات أقل من إسرائيل عبر خط أنابيب شرق البحر المتوسط، والذي لا نعرف على وجه الدقة ما إن توقف كلياً أم جزئياً وننتظر مزيداً من المعلومات بشأنه.

وبحسب البيانات المصرية الرسمية، فإن كميات الغاز الموردة إلى البلاد من خارج مصر انخفضت من 800 مليون قدم مكعب غاز يومياً إلى “صفر”.

يأتي ذلك في وقت كانت تعتزم فيه القاهرة استئناف تصدير الغاز الطبيعي اعتباراً من أكتوبر الجاري بعد توقفه خلال شهور الصيف مع زيادة الاستهلاك المحلي وأزمة انقطاع التيار الكهربائي التي أثارت جدلاً واسعاً، لكن مع انخفاض وارداتها من الغاز الإسرائيلي بعد وقف الإنتاج في حقل “تمار”، يبدو أنها قد لا تتمكن من تحقيق هذا الهدف.

ويستطرد الخبير في شؤون الطاقة: “مصر تستورد الغاز من إسرائيل وتقوم بتسييله في محطات الإسالة المحلية، ثم إعادة تصديره إلى أوروبا، وبالتالي هو أمر مفيد للجانبين (المصري والإسرائيلي) بينما حالة الحرب القائمة الآن ستؤثر على ذلك، تماماً كما ستؤثر على المشاريع الإسرائيلية الهادفة إلى جذب الاستثمار الأجنبي في مشاريع الطاقة وغيرها من المشاريع الأخرى (..)”.

ويشار هنا إلى ما أورده تقرير صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، والتي ذكرت أنه رغم أن موارد الغاز الإسرائيلية ليست ضخمة بالمعايير الدولية، إلا أنها تتمتع بأهمية إقليمية وجيوسياسية. على سبيل المثال، يعتبر مصدراً محتملاً جذاباً للغاز غير الروسي بالنسبة لأوروبا.

وبناءً على ذلك، تم طرح طرق تصدير جديدة، بما في ذلك محطة للغاز الطبيعي المسال في المياه الإسرائيلية، أو خط أنابيب إلى أوروبا، على الرغم من أن الأخير قد يحتاج إلى التغلب على التحديات الفنية المكلفة.

ومع ذلك، بالنسبة لقطاع الغاز الناشئ في إسرائيل، فإن الوقت هو جوهر الأمر. وتسارع الولايات المتحدة وقطر إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال. ومن المتوقع على نطاق واسع توفير المزيد من هذا الوقود في منتصف العقد. وإذا أدى الصراع إلى إبطاء وتيرة الاستثمار، فإن البلاد تخاطر بتفويت فرصتها، بحسب الصحيفة.

وبالعودة لحديث إسماعيل، فإنه بينما أشار إلى أن الوارادت الأوروبية من الغاز الإسرائيلية محدودة، يختتم تصريحاته مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بقوله:

  • ما يجري في غزة الآن له تأثير كبير على الطاقة، ورغم أن إسرائيل ليست منتج ومصدر ضخم (..) إلا أن لها تأثير إقليمي، وعلى المدى البعيد ربما تأثير أكبر.
  • بالنسبة لحجم إسرائيل فهي كميات جيدة (الكميات المنتجة والمصدرة) وتدر دخلاً جيداً وتسد الحاجة المحلية وتصدر للدول المجاورة.
  • الجو الجيوسياسي المتوتر يؤثر على قطاع الطاقة الإسرائيلي تأثيراً كبيراً، وتعتمد السيناريوهات على عنصرين (فترة استمرار الحرب ومدى اتساعها بدخول دول أخرى مثل إيران).

وترتبط غالبية المخاوف بشأن أسعار الغاز بالسيناريوهات المحتملة للصراع الحالي ومدى إمكانية توسعه. فيما تعول أوروبا على شركاء أساسيين لتأمين إمدادات الغاز.

النرويج والجزائر

وفي سياق الأسواق التي تعتمد عليها القارة العجوز لتأمين إمدادات الغاز، يشير تقرير “إس آند بي غلوبال” المشار إليه إلى كل من النرويج والجزائر بشكل أساسي.

ونقل التقرير الرئيس التنفيذي لشركة Wintershall Dea الألمانية، تعهده بمواصلة الالتزام بوجود شركته في النرويج، التي تعد الآن أكبر مصدر منفرد لإمدادات الغاز إلى أوروبا.  وقال: “نحن مقتنعون بأن النرويج مكان جيد للاستثمار؛ لأن النرويج ستظل أهم مصدر للغاز إلى أوروبا لعقود قادمة.”

وأشار مهرين إلى حقل غاز Dvalin التابع للشركة قبالة سواحل النرويج باعتباره مفتاحاً للمساعدة في أمن الطاقة الأوروبي. واستأنف الحقل – الذي تبلغ طاقته الإنتاجية الإجمالية 9 ملايين متر مكعب يومياً-  الإنتاج في يوليو بعد أن واجه مشاكل فنية منذ بدء تشغيله الأولي في أواخر العام 2020.. ووفق المدير المالي للشركة الألمانية، بول سميث، فإن:

  • اثنين من الآبار الأربعة في Dvalin كانا قيد الإنتاج وينتجان “بشكل جيد للغاية… “سيستمر الاثنان الآخران في إجراء أعمال ضمان النزاهة ونأمل أن يكونا قيد التشغيل في المستقبل غير البعيد”.
  • النرويج كانت أساسية لمستويات الإنتاج الإجمالية لشركة فينترسهال ديا.. ومع بدء تشغيل جميع المشاريع الثلاثة الكبرى في النرويج الآن، نتوقع الخروج من هذا العام بزخم تشغيلي قوي.
  • النشاط الإجمالي قبالة سواحل النرويج ظل نشطًا، مدفوعاً بعدد قياسي من التطورات الميدانية التي أقرتها الحكومة النرويجية.
  • لدى فينترسهال ديا ثماني خطط تطوير – اثنتان قيد التشغيل وستة غير مشغلة – تم نضجها والموافقة عليها.
  • “لسنا وحدنا، الجميع يفعل الشيء نفسه، لذلك هناك سوق إمدادات ضيقة للغاية في النرويج”.

فرص الجزائر

كما أبرز تقرير”إس آند بي غلوبال”، فرص الجزائر، حيث تنشط الشركة الألمانية المذكورة  Wintershall Dea هناك، وقد وصف الرئيس التنفيذي للشركة الجزائر بأنها مصدر رئيسي آخر للغاز بالنسبة لأوروبا.

  • الجزائر مصدر رئيسي للغاز إلى أوروبا وتأمل في الحفاظ على مستويات العرض الحالية من خلال استثمارات جديدة في مجال المنبع.
  • انخفض إنتاجها من الغاز المسوق بشكل طفيف في العام 2022 إلى 99.2 مليار متر مكعب، مقارنة بـ 102.8 مليار متر مكعب في العام 2021.
  • تتوقع سوناطراك تتوقع إمداد سوق الغاز بأكثر من 110 مليار متر مكعب سنويا حتى العام 2027 لتلبية الطلب المحلي وطلب التصدير.
  • تزود الجزائر أوروبا بالغاز عبر خطوط الأنابيب إلى إسبانيا وإيطاليا، ولديها أيضاً محطات لتصدير الغاز الطبيعي المسال في سكيكدة وأرزيو.
  • بلغت صادرات الجزائر من الغاز العام الماضي 46 مليار متر مكعب، بحسب بيانات S&P Global Commodity Insights.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أكملت شركة المرافق الإيطالية إديسون بيع حصتها البالغة 11.25بالمئة  في حقل غاز رقان نورد في الجزائر إلى فينترسهال ديا وريبسول الإسبانية.

ووافقت إديسون في يونيو من العام الماضي على بيع الحصة إلى فينترسهال ديا وريبسول بما يتماشى مع الحصص الحالية لتلك الشركتين، بما يعني إنشاء كونسورتيوم جديد يضم سوناطراك المملوكة للدولة (40 بالمئة) وريبسول (36 بالمئة) وفينترسهال ديا (24 بالمئة).

وينتج حقل رقان نورد – الذي بدأ في العام 2017 – حوالي 2.8 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز، وهو جزء رئيسي من صناعة الغاز المحلية في الجزائر.

كما وقعت فينترسهال ديا أيضاً في العام 2020 مذكرة تفاهم مع سوناطراك لتحديد فرص عمل إضافية في البلاد وإمكانية الوصول إليها. وفي العام 2022، قام الشركاء بتمديد مذكرة التفاهم وتوسيعها لتشمل النظر في المشاريع مع التركيز على إدارة الكربون والهيدروجين.

هدوء نسبي

من برلين، يقول مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية، رضوان قاسم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن التوترات الجيوسياسية الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فيما يخص المواجهات بين حماس وإسرائيل “بالتأكيد سيكون لها تأثير سلبي على أسواق الغاز في أوروبا”؛ لا سيما وأن القارة العجوز تعيش هذه الأزمة منذ بدء الحرب في أوكرانيا (في الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام 2022) مع قطع الإمدادات الواردة من روسيا (والتي كانت تعتمد عليها دول أوروبا بشكل واسع)، الأمر الذي رفع من أسعار الطاقة بشكل كبير.

ويضيف: “منذ الحرب في أوكرانيا شهدت أسعار الغاز ارتفاعات واسعة، ثم عاودت الانخفاض تدريجياً” وقد ساعد في ذلك “الاستقرار المناخي” الذي شهدته القارة (في إشارة للشتاء الماضي الذي لم يكن بارداً بشكل كبير، ما أسهم في الخروج بمخزونات غاز ملائمة) علاوة على أنه خلال فترة الصيف وبشكل طبيعي تقلص الطلب، مشدداً على أنه “مع حلول الشتاء يبدأ الحديث عن ارتفاع الأسعار من جديد، وتُفاقم التوترات الجيوسياسية هذه الأزمة”.

ويشير قاسم إلى ما تشهده أسعار النفط والغاز من تذبذبات، لافتاً إلى أن من بين محددات الأسعار في هذا السياق هي الظروف السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي سيكون هناك تأثير كبير محتمل على الدول الأوروبية خاصة وأننا على أبواب الشتاء، وبما يزيد الأزمة تعقيداً أكثر فأكثر.

ويوضح أن عديداً من الدول الأوروبية تستورد الطاقة من دول منطقة الشرق الأوسط (بما في ذلك واردات الغاز من إسرائيل ومصر) وحال ما إن تطورت الأحداث في غزة وتوسعت أكثر من ذلك وصولاً إلى الإقليم “فسنكون أمام أزمة جديدة فيما يخص الطاقة، وأمام مستويات أسعار مرتفعة جداً جراء تلك التطورات”، لكن حتى الآن “الأمور لا تزال هادئة نسبياً، لكن ثمة خوفاً واسعاً، في ظل أننا لا نعرف إلى أي مدى يمكن أن تتطور الأحداث في المنطقة”.

كما استعرض مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية، في حديثه جوانب من أزمة الطاقة التي تواجه دول القارة العجوز والإجراءات المتخذة من قبل الحكومات في سياق التعاطي مع تلك الأزمة، والعوامل المُهددة بتفجر الأوضاع بشكل أوسع في الفترات المقبلة، ومن بينها السيناريوهات التي يفرضها الصراع الدائر في الشرق الأوسط.

ويشير في هذا السياق إلى عوامل أخرى تشكل عوامل خطر بالنسبة لأسعار الغاز في أوروبا، آخرها التسرب في خط أنابيب الغاز الممتد بين فنلندا وإستونيا.

وبحسب تقرير “إس أند بي غلوبال”، فقد ارتفعت أسعار الغاز الأوروبية في الأسابيع الأخيرة، مع فزع السوق؛ بسبب التوترات الدائرة بين إسرائيل وحماس، والأضرار التي لحقت بخط الأنابيب بين فنلندا وإستونيا، علاوة على الرسوم البلغارية الجديدة على عبور الغاز الروسي.

يقع قطاع الغاز في القلب من تلك التوترات، لا سيما بالنظر إلى المكانة الإقليمية التي تشغلها إسرائيل في هذا القطاع، رغم أن حجم إنتاجها وصادراتها –بالمعايير الدولية- ليس ضخماً.

تشمل التأثيرات المحتمل تصاعدها –وفق ما تفرضه ظروف وتطورات العمليات الحالية في قطاع غزة- كلاً من إسرائيل وعدد من دول المنطقة، لا سيما مصر والأردن، وتمتد بنسب متفاوتة إلى أوروبا المستفيدة من واردات الغاز من مصر ، كمركز إقليمي لنقل الغاز الوارد من إسرائيل، وحيث تجري عمليات الإسالة.

وعانت أوروبا خلال العام الماضي من أزمة طاقة مستعرة، تحت وطأة تداعيات الحرب في أوكرانيا وتوقف الإمدادات الروسية، فضلاً عن العقوبات المفروضة على موسكو وآثارها على دول القارة العجوز نفسها. فيما تتسبب التوترات الحالية بالمنطقة في تصاعد مخاوف مماثلة، لا سيما في ظل السيناريوهات المحتملة للتوترات الحالية، بما في ذلك السيناريو الأسوأ المرتبط بتوسع دائرة الصراع ودخول أطراف جديدة، بما يهدد بتداعيات شديدة على الأسواق، بما في ذلك أسواق الطاقة، الأمر الذي يهدد بمعاناة متجددة للقارة  العجوز التي بالكاد تسعى للعبور من ارتدادات الحرب في أوكرانيا.

مخاطر متعددة

وفي هذا السياق، نقل تقرير نشرته مؤسسة “ستاندرد آند بورز غلوبال”، عن الرئيس التنفيذي لشركة Wintershall Dea الألمانية، قوله:

  • إن أوروبا لا تزال تواجه مخاطر “متعددة” محتملة فيما يخص إمدادات الغاز هذا الشتاء، مع استمرار المخاوف بشأن القدرة على تحمل تكاليف الغاز.
  • “نحن الآن في موسم الشتاء البارد.. وقبل ثلاثة أشهر حذرنا من التراخي في هذا الشتاء.. وكما رأينا في الأشهر الثلاثة الماضية، لا تزال هناك مخاطر على القدرة على تحمل التكاليف وأمن الإمدادات”.
  • الوضع لا يزال هشاً، مع وجود مخاطر محتملة “متعددة” على الإمدادات بما في ذلك الصراع الحالي في الشرق الأوسط.

وفي 27 أكتوبر، قيّمت “ستاندرد آند بورز كوموديتي إنسايتس”، مؤشر TTF الهولندي القياسي لأسعار الغاز للشهر السابق عند 50.44 يورو/ ميغاوات في الساعة.

وذكر الرئيس التنفيذي للشركة الألمانية، ماريو مهرين، أن “أي مصادر جديدة للغاز لضمان أمن الإمدادات الأوروبية ستكون موضع ترحيب”.

تأثير محدود

لكن من باريس، يقول الخبير الاقتصادي، دانيال ملحم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه بالنسبة لأوروبا حتى اليوم لا يزال التأثير محدوداً لعدة اعتبارات؛ من أبرزها:

  • امتلاء المخزون الاستراتيجي من الغاز بالنسبة لدول القارة بمستويات مرتفعة وبشكل مبكر هذا العام.
  • انخفاض الطلب بنسبة 15 بالمئة في أوروبا.
  • الشتاء الماضي لم يكن بارداً بشكل كبير، وبالتالي بقي جزء كبير من المخزون السابق.
  • فصل الشتاء الجديد لم يبدأ مبكراً، وحتى اليوم لا تزال هناك درجات حرارة مرتفعة بشكل واضح.
  • عملياً استهلاك الغاز لم يكن كبيراً، بالتالي انخفض الطلب، وفي المقابل كان هناك عرض لا بأس به في السوق، كما أن المخزونات الاستراتيجية تكفي لسد الحاجة.

ويضيف: “هناك مخاطر جيوسياسية معروفة، بعد أن برزت إلى السطح التوترات الحالية بين إسرائيل وفلسطين، وبالتالي احتمالات تأثر الغاز القادم من إسرائيل نحو أوروبا أو الغاز الوارد من مصر قائمة، لكن لا تزال التأثيرات محدودة”.

ويشير إلى أن “الغاز الإسرائيلي يأتي أوروبا لكن بكميات قليلة ضئيلة، وسريعاً ما يمكن أن تتم الاستعاضة عنه من سوق الغاز المسال العالمية المتوفرة، وبالتالي التأثير يظل محدوداً، رغم ارتفاع الأسعار من 30 و35 يورو إلى 55 يورو، وهو الارتفاع الذي من شأنه نوعاً ما أن  يؤدي في مكان ما للضغط على الأسعار وتكاليف الإنتاج، لكن لا تزال الأمور محدودة نسبياً، كما أن أغلب الشركات الأوروبية تستطيع اليوم تحمل التكاليف المؤقتة، على اعتبار أن أغلب العقود طويلة الأجل، بينما هذه التقلبات قصيرة الأجل لن تؤثر بشكل كبير”.

ويعتقد الخبير الاقتصادي بأن التأثير الأقوى على أوروبا سيظهر إذا جاء شتاء قارس، “وفي ظل الضغوطات على المعروض العالمي من الغاز المسال يمكن أن يؤدي ذلك لارتفاع الأسعار من جديد”.

تهديدات أوسع

فيما ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، في تقرير لها أن تلك التوترات التي تشهدها إسرائيل “تهدد الكثير في دول المنطقة وحتى خارجها”، كما أن لتصاعد التوترات والمخاوف الأمنية “تداعيات محتملة على طموحات البلاد لتنمية صادراتها من الغاز الطبيعي”.

ورسم التقرير صورة عامة للمشهد فيما يخص قطاع الغاز في إسرائيل، وتداعيات الأزمة الراهنة على الإنتاج والصادرات، والبلدان المتأثرة:

  • في غضون ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان، أصبحت إسرائيل منتجاً هاماً للغاز ومصدراً إقليميا.
  • أنتجت ما يقرب من 22 مليار متر مكعب من الغاز العام الماضي من حقلي ليفياثان وتمار العملاقين، تم نقل 9 مليارات متر مكعب منها إلى مصر والأردن.
  • شركة شيفرون هي المساهم الرئيسي في كلا الحقلين. وتمتلك شركة نيوميد إنرجي الإسرائيلية 45 بالمئة من ليفياثان.
  • الحكومة الإسرائيلية منحت قبيل أيام 12 رخصة استكشاف أخرى لمشغلين بما في ذلك شركة إيني الإيطالية وشركة بريتيش بتروليوم.
  • كانت النتيجة المباشرة للصراع هي إغلاق حقل تمار. وقد أدى هذا إلى تضاؤل الصادرات إلى مصر، وهو ما يمثل مشكلة خطيرة بالنسبة لجار إسرائيل الأكثر اكتظاظاً بالسكان.

ويأتي خفض الواردات الإسرائيلية وسط تراجع الإنتاج المحلي في مصر، بعد الانخفاض بنسبة 10 بالمئة في الأشهر الثمانية الأولى من العام، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن جريج مولنار من وكالة الطاقة الدولية. فيما شهدت البلاد انقطاعات في التيار الكهربائي خلال فصل الصيف.

وفي الشتاء الماضي، تمكنت مصر من تصدير 4.5 مليار متر مكعب من الغاز من خلال البنية التحتية لتسييله (محطات الإسالة). ومن دون استئناف الواردات الإسرائيلية، فإنها ستواجه صعوبة في تكرار هذا العمل.

وبيّن التقرير أنه لدى إسرائيل القدرة على زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي، ربما بمقدار 15 مليار متر مكعب بحلول العام 2026، من خلال تكثيف وتطوير الحقول الحالية. ومن الممكن أن تضيف عمليات الاستكشاف الجديدة – مثل تلك المتوخاة في التراخيص الممنوحة أخيراً – موارد إضافية.

رسائل إسرائيلية

من جانبها، تُبرز خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتايان، في تصريحاتها لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إعلان وزير الطاقة الإسرائيلي، الأحد، عن جولة التراخيص الرابعة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، والتي تمت بموجبها منح رخص لمجموعة من الشركات، وهي (بي.بي البريطانية، وشركة النفط الوطنية في أذربيجان سوكار، ونيو ميد الإسرائيلية) وذلك شمالي حقل ليفياثان، إضافة إلى شركات (إيني الإيطالية ودانا بتروليوم وريشيو إنرجيز الإسرائيلية) لأعمالال تنقيب في منطقة غربي حقل ليفياثان.

وتشير إلى أن توقيت الإعلان عن تلك العقود “مثير للاهتمام”، حتى إن كانت جولة التراخيص مفتوحة منذ قبل يوم السابع من أكتوبر، فإسرائيل تريد أن تُظهر أنه رغم كل شيء لا يزال اقتصادها يفرض نفسه، وأن هناك شركات مهتمة بالتنقيب والعمل داخل إسرائيل ولا تزال إسرائيل تستقطب الشركات الكبيرة، لا سيما وأن مجموعة الشركات المذكورة منهم أربع شركات تعمل للمرة الأولى هناك وهي (سوكر وبي بي وإيني ودانا بتروليوم).

وفي السياق، توضح هايتايان، في معرض حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الحقول العاملة الأساسية في إسرائيل هي (لڤياثان وتمار وكاريش)، وقد وصل الإنتاج العام الماضي من هذه الحقول إلى 21.9 مليار متر مكعب، منهم 9.2 مليار متر مكعب تم تصديرهم لمصر والأردن، وكان من المتوقع هذا العام 2023 أن تزيد نسبة الإنتاج والتصدير، خاصة لمصر، وبعد الاتفاق السابق المرتبط بدخول الغاز الإسرائيلي لمصر ومن ثم تصديره لأوروبا (بعد التفاهم الذي تم في العام 2022 بين الاتحاد الأوروبي ومصر وإسرائيل)، فضلاً عن أنه كانت هناك مشاريع لبناء أنابيب جديدة من إسرائيل إلى مصر مع زيادة إنتاج الغاز الإسرائيلي.  

توقف حقل تمار

وعلقت شركة شيفرون أنشطتها في حقل تمار لاستخراج الغاز قبالة السواحل الاسرائيلية، وذلك التزاماً بتعليمات الحكومة الإسرائيلية بعد أحداث السابع من أكتوبر. لكن الشركة أوضحت أنها ستواصل إمداد العملاء في إسرائيل والمنطقة من منصة ليفياثان.

وتوضح الخبيرة أن “توقف حقل تمار عن الإنتاج –على خلفية الأحداث- له تداعيات كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي وكذلك على الاقتصاد المصري والأردني أيضاً (..)”. كذلك فإن توقف التصدير من الحقل إلى مصر عبر خط أنابيب شرق المتوسط (إي.إم.جي) من عسقلان إلى العريش، يعني تعديل مسار الغاز الإسرائيلي إلى مصر، للمرور بالحدود الأردنية عبر الأنبوب الذي يقطع الأردن، بما لذلك من مخاطر جيوسياسية (..)”.

وكان بنك غولدمان ساكس، قد ذكر في تقرير له أن “تقليص إنتاج الغاز في إسرائيل بسبب الصراع الدائر من المرجح أن يؤدي إلى تراجع المعروض العالمي لكن التأثير على أسعار الغاز الأوروبية هامشي في الوقت الحالي”.

ومع ذلك، يرى البنك أن المخاطر على أسعار الغاز في أوروبا تميل نحو الاتجاه الصعودي نظرا لحالة عدم اليقين حول مدة تعطل إنتاج الغاز وفي ظل تزايد الغموض حول التداعيات الجيوسياسية للصراع المستمر في الشرق الأوسط.

 تأثر الإنتاج والتصدير

من لندن، يقول الخبير في اقتصادات الطاقة، الدكتور نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الغاز الإسرائيلي الآن يخضع إلى “حالة الطوارئ” وذلك يعني أن تلبية الطلب الداخلي المحلي يأخذ محل الأولوية وليس التصدير، ويخضع قطاع الطاقة لاعتبارات أمنية، مشيراً إلى إغلاق حقل تمار لأسباب أمنية قبل أسبوعين، لا سيما وأنه قريب من شواطئ غزة، على بعد حوالي 25 كيلومتر شمال غرب غزة.

ويضيف: “إن إنتاج وتصدير إسرائيل من الغاز ليس كبيراً بالمقارنة بالمستويات العالمية، إلا أن 70 بالمئة من الكهرباء المحلية تأتي من الغاز الإسرائيلي ذاته، و40 بالمئة من مزيج الطاقة تأتي من إمدادات الغاز من حقلي ليفياثان وتمار، اللذين يصل حجم الاحتياطي فيهما إلى ما يزيد على 30 تريليون قدم مكعب، فيما بلغ الإنتاج السنوي في العام 2022 من الغاز الإسرائيلي حوالي 22 مليار متر مكعب، منهم 11.4 من ليفياثان و10.2 من تمار، وهذه الكميات “بالتأكيد سوف تتأثر بسبب الحرب القائمة وقانون الطوارئ”.

ويشدد الخبير في اقتصادات الطاقة، على أن ثمة خططاً ومشاريع من شأنها أن تواجه شبح التأجيل على وقع التوترات الراهنة، من بينها الخطة المرتبطة بإنتاج 6.5 مليار متر مكعب من حقل كاريش، علاوة على خطط توسعة حقل تمار بنسبة 60 بالمئة التي قد تتأخر عن الموعد المحدد في 2026.

ويتحدث في السياق نفسه عن تبعات تلك المعطيات على مصر –التي بلغ إجمالي صادراتها من الغاز في العام الماضي 8 ملايين طن منهم 5 ملايين للاتحاد الأوروبي- موضحاً أن صادرات القاهرة ستقل، لا سيما وأنها ستستلم كميات أقل من إسرائيل عبر خط أنابيب شرق البحر المتوسط، والذي لا نعرف على وجه الدقة ما إن توقف كلياً أم جزئياً وننتظر مزيداً من المعلومات بشأنه.

وبحسب البيانات المصرية الرسمية، فإن كميات الغاز الموردة إلى البلاد من خارج مصر انخفضت من 800 مليون قدم مكعب غاز يومياً إلى “صفر”.

يأتي ذلك في وقت كانت تعتزم فيه القاهرة استئناف تصدير الغاز الطبيعي اعتباراً من أكتوبر الجاري بعد توقفه خلال شهور الصيف مع زيادة الاستهلاك المحلي وأزمة انقطاع التيار الكهربائي التي أثارت جدلاً واسعاً، لكن مع انخفاض وارداتها من الغاز الإسرائيلي بعد وقف الإنتاج في حقل “تمار”، يبدو أنها قد لا تتمكن من تحقيق هذا الهدف.

ويستطرد الخبير في شؤون الطاقة: “مصر تستورد الغاز من إسرائيل وتقوم بتسييله في محطات الإسالة المحلية، ثم إعادة تصديره إلى أوروبا، وبالتالي هو أمر مفيد للجانبين (المصري والإسرائيلي) بينما حالة الحرب القائمة الآن ستؤثر على ذلك، تماماً كما ستؤثر على المشاريع الإسرائيلية الهادفة إلى جذب الاستثمار الأجنبي في مشاريع الطاقة وغيرها من المشاريع الأخرى (..)”.

ويشار هنا إلى ما أورده تقرير صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، والتي ذكرت أنه رغم أن موارد الغاز الإسرائيلية ليست ضخمة بالمعايير الدولية، إلا أنها تتمتع بأهمية إقليمية وجيوسياسية. على سبيل المثال، يعتبر مصدراً محتملاً جذاباً للغاز غير الروسي بالنسبة لأوروبا.

وبناءً على ذلك، تم طرح طرق تصدير جديدة، بما في ذلك محطة للغاز الطبيعي المسال في المياه الإسرائيلية، أو خط أنابيب إلى أوروبا، على الرغم من أن الأخير قد يحتاج إلى التغلب على التحديات الفنية المكلفة.

ومع ذلك، بالنسبة لقطاع الغاز الناشئ في إسرائيل، فإن الوقت هو جوهر الأمر. وتسارع الولايات المتحدة وقطر إلى زيادة الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال. ومن المتوقع على نطاق واسع توفير المزيد من هذا الوقود في منتصف العقد. وإذا أدى الصراع إلى إبطاء وتيرة الاستثمار، فإن البلاد تخاطر بتفويت فرصتها، بحسب الصحيفة.

وبالعودة لحديث إسماعيل، فإنه بينما أشار إلى أن الوارادت الأوروبية من الغاز الإسرائيلية محدودة، يختتم تصريحاته مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بقوله:

  • ما يجري في غزة الآن له تأثير كبير على الطاقة، ورغم أن إسرائيل ليست منتج ومصدر ضخم (..) إلا أن لها تأثير إقليمي، وعلى المدى البعيد ربما تأثير أكبر.
  • بالنسبة لحجم إسرائيل فهي كميات جيدة (الكميات المنتجة والمصدرة) وتدر دخلاً جيداً وتسد الحاجة المحلية وتصدر للدول المجاورة.
  • الجو الجيوسياسي المتوتر يؤثر على قطاع الطاقة الإسرائيلي تأثيراً كبيراً، وتعتمد السيناريوهات على عنصرين (فترة استمرار الحرب ومدى اتساعها بدخول دول أخرى مثل إيران).

وترتبط غالبية المخاوف بشأن أسعار الغاز بالسيناريوهات المحتملة للصراع الحالي ومدى إمكانية توسعه. فيما تعول أوروبا على شركاء أساسيين لتأمين إمدادات الغاز.

النرويج والجزائر

وفي سياق الأسواق التي تعتمد عليها القارة العجوز لتأمين إمدادات الغاز، يشير تقرير “إس آند بي غلوبال” المشار إليه إلى كل من النرويج والجزائر بشكل أساسي.

ونقل التقرير الرئيس التنفيذي لشركة Wintershall Dea الألمانية، تعهده بمواصلة الالتزام بوجود شركته في النرويج، التي تعد الآن أكبر مصدر منفرد لإمدادات الغاز إلى أوروبا.  وقال: “نحن مقتنعون بأن النرويج مكان جيد للاستثمار؛ لأن النرويج ستظل أهم مصدر للغاز إلى أوروبا لعقود قادمة.”

وأشار مهرين إلى حقل غاز Dvalin التابع للشركة قبالة سواحل النرويج باعتباره مفتاحاً للمساعدة في أمن الطاقة الأوروبي. واستأنف الحقل – الذي تبلغ طاقته الإنتاجية الإجمالية 9 ملايين متر مكعب يومياً-  الإنتاج في يوليو بعد أن واجه مشاكل فنية منذ بدء تشغيله الأولي في أواخر العام 2020.. ووفق المدير المالي للشركة الألمانية، بول سميث، فإن:

  • اثنين من الآبار الأربعة في Dvalin كانا قيد الإنتاج وينتجان “بشكل جيد للغاية… “سيستمر الاثنان الآخران في إجراء أعمال ضمان النزاهة ونأمل أن يكونا قيد التشغيل في المستقبل غير البعيد”.
  • النرويج كانت أساسية لمستويات الإنتاج الإجمالية لشركة فينترسهال ديا.. ومع بدء تشغيل جميع المشاريع الثلاثة الكبرى في النرويج الآن، نتوقع الخروج من هذا العام بزخم تشغيلي قوي.
  • النشاط الإجمالي قبالة سواحل النرويج ظل نشطًا، مدفوعاً بعدد قياسي من التطورات الميدانية التي أقرتها الحكومة النرويجية.
  • لدى فينترسهال ديا ثماني خطط تطوير – اثنتان قيد التشغيل وستة غير مشغلة – تم نضجها والموافقة عليها.
  • “لسنا وحدنا، الجميع يفعل الشيء نفسه، لذلك هناك سوق إمدادات ضيقة للغاية في النرويج”.

فرص الجزائر

كما أبرز تقرير”إس آند بي غلوبال”، فرص الجزائر، حيث تنشط الشركة الألمانية المذكورة  Wintershall Dea هناك، وقد وصف الرئيس التنفيذي للشركة الجزائر بأنها مصدر رئيسي آخر للغاز بالنسبة لأوروبا.

  • الجزائر مصدر رئيسي للغاز إلى أوروبا وتأمل في الحفاظ على مستويات العرض الحالية من خلال استثمارات جديدة في مجال المنبع.
  • انخفض إنتاجها من الغاز المسوق بشكل طفيف في العام 2022 إلى 99.2 مليار متر مكعب، مقارنة بـ 102.8 مليار متر مكعب في العام 2021.
  • تتوقع سوناطراك تتوقع إمداد سوق الغاز بأكثر من 110 مليار متر مكعب سنويا حتى العام 2027 لتلبية الطلب المحلي وطلب التصدير.
  • تزود الجزائر أوروبا بالغاز عبر خطوط الأنابيب إلى إسبانيا وإيطاليا، ولديها أيضاً محطات لتصدير الغاز الطبيعي المسال في سكيكدة وأرزيو.
  • بلغت صادرات الجزائر من الغاز العام الماضي 46 مليار متر مكعب، بحسب بيانات S&P Global Commodity Insights.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أكملت شركة المرافق الإيطالية إديسون بيع حصتها البالغة 11.25بالمئة  في حقل غاز رقان نورد في الجزائر إلى فينترسهال ديا وريبسول الإسبانية.

ووافقت إديسون في يونيو من العام الماضي على بيع الحصة إلى فينترسهال ديا وريبسول بما يتماشى مع الحصص الحالية لتلك الشركتين، بما يعني إنشاء كونسورتيوم جديد يضم سوناطراك المملوكة للدولة (40 بالمئة) وريبسول (36 بالمئة) وفينترسهال ديا (24 بالمئة).

وينتج حقل رقان نورد – الذي بدأ في العام 2017 – حوالي 2.8 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز، وهو جزء رئيسي من صناعة الغاز المحلية في الجزائر.

كما وقعت فينترسهال ديا أيضاً في العام 2020 مذكرة تفاهم مع سوناطراك لتحديد فرص عمل إضافية في البلاد وإمكانية الوصول إليها. وفي العام 2022، قام الشركاء بتمديد مذكرة التفاهم وتوسيعها لتشمل النظر في المشاريع مع التركيز على إدارة الكربون والهيدروجين.

هدوء نسبي

من برلين، يقول مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية، رضوان قاسم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن التوترات الجيوسياسية الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فيما يخص المواجهات بين حماس وإسرائيل “بالتأكيد سيكون لها تأثير سلبي على أسواق الغاز في أوروبا”؛ لا سيما وأن القارة العجوز تعيش هذه الأزمة منذ بدء الحرب في أوكرانيا (في الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام 2022) مع قطع الإمدادات الواردة من روسيا (والتي كانت تعتمد عليها دول أوروبا بشكل واسع)، الأمر الذي رفع من أسعار الطاقة بشكل كبير.

ويضيف: “منذ الحرب في أوكرانيا شهدت أسعار الغاز ارتفاعات واسعة، ثم عاودت الانخفاض تدريجياً” وقد ساعد في ذلك “الاستقرار المناخي” الذي شهدته القارة (في إشارة للشتاء الماضي الذي لم يكن بارداً بشكل كبير، ما أسهم في الخروج بمخزونات غاز ملائمة) علاوة على أنه خلال فترة الصيف وبشكل طبيعي تقلص الطلب، مشدداً على أنه “مع حلول الشتاء يبدأ الحديث عن ارتفاع الأسعار من جديد، وتُفاقم التوترات الجيوسياسية هذه الأزمة”.

ويشير قاسم إلى ما تشهده أسعار النفط والغاز من تذبذبات، لافتاً إلى أن من بين محددات الأسعار في هذا السياق هي الظروف السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي سيكون هناك تأثير كبير محتمل على الدول الأوروبية خاصة وأننا على أبواب الشتاء، وبما يزيد الأزمة تعقيداً أكثر فأكثر.

ويوضح أن عديداً من الدول الأوروبية تستورد الطاقة من دول منطقة الشرق الأوسط (بما في ذلك واردات الغاز من إسرائيل ومصر) وحال ما إن تطورت الأحداث في غزة وتوسعت أكثر من ذلك وصولاً إلى الإقليم “فسنكون أمام أزمة جديدة فيما يخص الطاقة، وأمام مستويات أسعار مرتفعة جداً جراء تلك التطورات”، لكن حتى الآن “الأمور لا تزال هادئة نسبياً، لكن ثمة خوفاً واسعاً، في ظل أننا لا نعرف إلى أي مدى يمكن أن تتطور الأحداث في المنطقة”.

كما استعرض مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية، في حديثه جوانب من أزمة الطاقة التي تواجه دول القارة العجوز والإجراءات المتخذة من قبل الحكومات في سياق التعاطي مع تلك الأزمة، والعوامل المُهددة بتفجر الأوضاع بشكل أوسع في الفترات المقبلة، ومن بينها السيناريوهات التي يفرضها الصراع الدائر في الشرق الأوسط.

ويشير في هذا السياق إلى عوامل أخرى تشكل عوامل خطر بالنسبة لأسعار الغاز في أوروبا، آخرها التسرب في خط أنابيب الغاز الممتد بين فنلندا وإستونيا.

وبحسب تقرير “إس أند بي غلوبال”، فقد ارتفعت أسعار الغاز الأوروبية في الأسابيع الأخيرة، مع فزع السوق؛ بسبب التوترات الدائرة بين إسرائيل وحماس، والأضرار التي لحقت بخط الأنابيب بين فنلندا وإستونيا، علاوة على الرسوم البلغارية الجديدة على عبور الغاز الروسي.

تم وضع علامة:
شارك هذه المقالة
ترك تقييم