تترقب أسواق النفط بحذر شديد تداعيات التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط، على خلفية التصعيد الأخير في غزة، حيث أعادت هذه الأزمة التذكير بأهمية المنطقة الاستراتيجية فيما يتعلق بإمدادات النفط وخطوط التجارة العالمية، بما تتضمنه من ممرات مائية حيوية.
فقد تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، في أعقاب إعلان واشنطن عن تنفيذ ضربات، الخميس، على منشأتين في شرق سوريا يستخدمهما الحرس الثوري الإيراني، كما أن واقعتي سقوط طائرة مسيّرة مجهولة الهوية في مدينة طابا المصرية، إضافة لسقوط مقذوف على مدينة نويبع، أثارا مخاوف بشأن امتداد التوتر إلى البحر الأحمر، الذي يعتبر ممر مائي مهم يربط بين الشرق والغرب عبر قناة السويس.
وعلى الرغم من أن الضربات لم تؤثر بشكل مباشر على الإمدادات، فقد تتزايد المخاوف من أن التوترات في منطقة الشرق الأوسط عموما، بما في ذلك تصاعد الأحداث في قطاع غزة، قد تسهم -لا سيما حال توسع دائرة الصراع- في التأثير سلباً على الإمدادات.
وارتفعت أسعار النفط نحو واحد بالمئة، الجمعة، لترتفع العقود الآجلة لخام برنت تسليم ديسمبر 93 سنتا، أو 1.1 بالمئة، إلى 88.86 دولار للبرميل. كما زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي تسليم ديسمبر 91 سنتا، أو 1.1 بالمئة، إلى 84.12 دولار للبرميل.
وارتفع الخامان بأكثر من اثنين بالمئة للبرميل في وقت سابق من الجلسة.
ويتجه كل الخامين لتسجيل أول تراجع أسبوعي بعد 3 أسابيع من المكاسب.
تأثير مباشر على أسواق النفط
في هذا الصدد، أكدت خبيرة النفط والغاز في منطقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتايان، في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الأحداث الجيوسياسية خلال الفترة الحالية لها تأثير مباشر على أسعار النفط والغاز، خاصة تلك المناوشات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
وقالت إنه على الرغم من العقوبات التي فرضت على إيران، إلا أنها في الفترة الأخيرة كانت تستطيع أن تصدر النفط بكميات لا بأس بها إلى الأسواق العالمية، حيث كانت أميركا تغض الطرف عن النفط الإيراني وسط محاولات لتحسين العلاقات مع إيران للتخفيف من مخاطرها، إضافة إلى أنه كانت هناك بوادر لانفتاح كان يحدث في المنطقة إن كان بين الإيرانيين والسعوديين من جهة والسعودية وإسرائيل من جهة أخرى، إلى أن جاء يوم السابع من أكتوبر وتصاعدت التوترات بالشرق الأوسط من جديد.
وتخشى الأسواق في الوقت الحالي من اتساع رقعة الصراع ودخول أطراف إقليمية أخرى ما يؤثر على الإمدادات القادمة من المنطقة التي تضم مجموعة من كبار منتجي النفط.
وفي مذكرة لغولدمان ساكس، أبقى البنك على توقعاته لسعر النفط عند 95 دولاراً للبرميل خلال الربع الأول من العام المقبل 2024.
وأوضح محللو البنك، أن الأسعار قد ترتفع بنسبة 20 بالمئة عن المستوى المتوقع، في حال حدث اضطراب في الإمدادات المارة عبر مضيق هرمز، وهو سيناريو ضعيف الاحتمال.
سيناريوهات الحرب
وأشارت هايتايان إلى أن ارتفاع حدة نبرة إيران بخصوص ما يحدث في غزة، والضربة الأميركية الأخيرة لأهدافا إيرانية في سوريا قد ينذر بخلل بأسواق النفط والأسعار.
وأكدت خبيرة النفط والغاز، على أهمية مضيق هرمز، الذي يخرج منه نفط المنطقة، مشيرة إلى أن معالجة الأزمة الراهنة تتسم بالحساسية، متسائلة “هل إيران تريد التصعيد لدرجة خلق مشكلة عالمية تضرهم أيضا، والإعلان عن الحرب العالمية؟”.
وأشارت إلى أن الصين تلعب دورًا أساسيًا في العلاقات الجيوسياسية مع إيران، وتحصل على كميات من النفط الإيراني، مستبعدة أن تسعى إيران لخسارة السوق الصينية عبر تسببها في أية ضربات تؤدي إلى تداعيات سلبية على تدفقات النفط والغاز.
ومضيق هرمز من أهم الممرات المائية في العالم ، ويمتد على طول حوالي 21 ميلاً بحريا ويعتبر ممرًا حيويًا لنقل النفط، ويقع في منطقة الخليج ويفصل بين إيران من الشمال وسلطنة عمان من الجنوب.
وتكمن أهمية مضيق هرمز في الدور الحيوي الذي يلعبه في تصدير النفط، حيث يمر منه حوالي 21.7 مليون برميل يومياً، من دول الخليج وإيران.
ويمر عبر المضيق حوالي خمس استهلاك العالم من النفط يوميا، أي ما يعادل نحو 21.7 مليون برميل يوميا من الخام، بحسب وكالة S&P Global.
وتبعا لذلك فإن أي اضطراب في مضيق هرمز يمكن أن يؤثر بشكل كبير على أسواق النفط العالمية ويزيد من تقلب أسعار النفط، وهو ما يجعله نقطة حساسة في السياسة العالمية ومحورًا للتوترات الجيوسياسية بين مختلف الدول وخاصة بين إيران والدول المجاورة والقوى العالمية.
وبحسب بيانات صادرة عن شركة “فورتكسا” فإن نحو 80 مليون طن أو 20 بالمئة من تدفقات الغاز الطبيعي المسال في العالم تمر عبر المضيق كل عام.
مخاوف واسعة
يتزامن ذلك مع المخاوف الواسعة التي يهدد بها توسع التوترات في منطقة الشرق الأوسط، في وقت تثير فيه الأحداث التي تشهدها الحدود المصرية قلق بالغ، آخرها الإعلان عن سقوط طائرة مسيرة مجهولة الهوية في مدينة طابا المتاخمة للحدود مع إسرائيل، وقبلها قصف إسرائيلي بالخطأ لموقع على الحدود، وتقديم اعتذار لمصر في هذا الصدد.
تدعم تلك التطورات المخاوف وحالة عدم اليقين التي تعززها الأحداث الجارية، لا سيما بالنسبة لأسواق النفط، خاصة وأن شبح الحرب يطل برأسه على ممرات مائية رئيسية، من بينها قناة السويس التي تشهد مرور أكثر من 23 ألف سفينة سنويا، علاوة على مضيق باب المندب الذي يمر منه 6.2 مليون برميل يوميا، ومضيق هرمز مع 21.7 مليون برميل.
وأكدت أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، الدكتورة وفاء علي، في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن ملف الطاقة تحول إلى أولوية قصوى بالنسبة لجميع دول العالم، وأصبح من أدوات التصعيد والمساومة السياسية فى الفترة الراهنة خصوصاً عندما تمت عسكرة هذا الملف على خلفية الحرب في أوكرانيا.
وأضافت أن التوترات فى غزة نشبت فى الوقت الذى يتصارع فيه الجميع وسط أزمة طاقة عالمية يتطاحن فيها الجميع من أجل البقاء، والتي نشأت في ظل عدد من العوامل، منها:
- شح المعروض في السوق العالمية من النفط، على أثر خفض الإنتاج الطوعى للسعودية وروسيا.
- العقوبات والأطراف المتنازعة فيما يتعلق بملف الطاقة، وهذا ما يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع التدريجي حتى ولو بوتيرة غير سريعة ولكنه ينذر مع تصاعد الأحداث في غزة إلى صعود الأسعار نحو 100 دولار للبرميل.
وشددت على أن ملف الطاقة يعد من أهم الملفات التى تتأثر بالصراعات الجيوسياسية الدائرة بمنطقة الشرق الأوسط، والتي تمثل ما يقرب من ثلث العرض العالمي من النفط.
ورأت أن الأزمة الحالية تعتبر هى الخطر الجيوسياسي الأكبر الذي يهدد سوق الطاقة العالمية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا فى فبراير 2022، مشيرة إلى أن هناك مخاوف من اتساع دائرة الصراع ليضم الدول القريبة المنتجة للنفط مثل إيران، وفى حالة ثبوت تورطها فى هذا الصراع كما يقول الساسة الأميركان سيتم تشديد العقوبات مرة أخرى وهو ما يؤدي إلى تفاقم الضغوط فى سوق الطاقة التي تعاني أصلا من شح المعروض، وهنا قد تقع الولايات المتحدة فى مأزق بسبب المخزونات.
المصدر: سكاي نيوز