هدوء حذر يشوب جبهة القتال في الخرطوم حيث خفتت حدة العمليات الحربية الكبيرة والاشتباكات والمواجهات المباشرة والقصف المدفعي خلال الأسبوع الماضي، وشهد الخميس قصفاً متبادلاً متقطعاً بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، بخاصة في محيط القيادة العامة شرق مطار الخرطوم، فضلاً عن منطقة محيط سلاح المدرعات جنوب العاصمة السودانية.
تفاقم الوضع الإنساني
وأكدت مصادر عسكرية ميدانية استمرار العمليات النوعية البرية للقوات الخاصة بتعقب تجمعات قوات “الدعم السريع” في مناطق عدة بالعاصمة، مشيرة إلى تنفيذ مهام عدة استهدفت قيادات وتجمعات “الدعم السريع”.
في الأثناء تصاعدت شكاوى السكان الذين ما زالوا عالقين وسط القتال داخل العاصمة السودانية، من أخطار تفاقم معاناتهم وسط المعارك، مع أزمة عطش مزمنة نتيجة تعطل نصف محطات تنقية المياه، وبات الناس مضطرين إلى الشرب من مياه النيل مباشرة، والسير مسافات طويلة من أجل الحصول عليها، بكل ما يترتب على ذلك من أخطار صحية كبيرة ومخاوف من انتشار الأوبئة، لا سيما في ظل ظهور حالات مؤكدة بالكوليرا في الولاية.
وتعاني مناطق عدة أبرزها الخرطوم بحري حيث فر معظم سكانها بعد القصف الذي تعرضت له محطة بحري التي كانت تغذي المدينة وجزءاً من أم درمان، ولحقت بها محطة مياه المنارة شمال أم درمان، التي تفتقر إلى المواد اللازمة وتعذر وصول فرق الصيانة بسبب الظروف الأمنية.
وأطلقت لجان مقاومة امتداد ناصر شرق مطار الخرطوم صرخة استغاثة في شأن الأوضاع الإنسانية بالغة الصعوبة التي يعيشها سكان المنطقة، نتيجة الاشتباكات والانقطاع التام للمياه والكهرباء عنهم.
انهيار وشيك
وكان وزير الصحة الاتحادي المكلف هيثم محمد إبراهيم استعرض أمام اجتماع اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية بالقاهرة، الآثار المدمرة للحرب بفقدان النظام الصحي أحد مقوماته الأساسية المتمثلة في المخزون الرئيس للإمداد الطبي من أدوية وأجهزة ومعدات تقدر بنحو 500 مليون دولار، إضافة إلى معظم الخدمات التخصصية وأصولها من الأجهزة والمعدات، وخروج أكثر من 100 مستشفى من الخدمة في الخرطوم وولايات دارفور، وأوضح إبراهيم أن تدهور وضع الصحة العامة أدى إلى ظهور أوبئة الحميات والإسهالات وبعض أمراض الطفولة، وسط ضغط كبير بولايات النزوح، تأثرت به خدمات غسيل الكلى والطوارئ والعناية المكثفة والعمليات.
وحذرت منظمة “أطباء بلا حدود” من أن الوضع الصحي في السودان على حافة الانهيار مع استمرار الحرب في البلاد، ولفت بيان للمنظمة إلى أن الاستجابة غير كافية لتلبية الحاجات الهائلة للمحتاجين في المناطق التي يتم فيها تقديم المساعدة.
مخاوف في دارفور
في دارفور، كشفت مصادر أهلية عن توترات ومخاوف عديدة بخصوص نوايا قوات “الدعم السريع” في تسخين جبهة الإقليم خلال الفترة المقبلة، بخاصة في مدن زالنجي (عاصمة وسط دارفور)، ونيالا جنوب دارفور، وأوضحت المصادر أن “الدعم السريع” تضع يدها على ولاية غرب دارفور وتهيمن على الطرق المؤدية إلى مدينة زالنجي، وتحشد بشكل مستمر للسيطرة على مدينة نيالا، مطالبة بضرورة الانتباه لما يجري التخطيط له في دارفور، وتأمين حماية المدنيين من عمليات تطهير محتملة، بتعزيز قدرات الفرق العسكرية وتنشيط دور القوات المشتركة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، والمراقبة الصارمة لحدود البلاد الغربية للحد من تحركات وعمليات إمداد محتملة لقوات “الدعم السريع”.
في السياق، قال الباحث السياسي المستشار السابق بقوات “الدعم السريع” يعقوب الدموكي “من الواضح أن حركات مسار دارفور تواجه مأزقاً وتحديات حقيقية، وتقف بين خيارين أحلاهما مر، فهي لا تستطيع الإعلان صراحة الوقوف إلى جانب الدعم السريع في حربها ضد القوات المسلحة، لأن ذلك يعتبر نهاية لاتفاقية جوبا لسلام السودان، ومن ثم تصبح هدفاً للجيش، فضلاً عن أن الحاضنة الاجتماعية للحركات لا تقبل هذا النوع من التحالف بالنظر إلى خلفيات الصراع المسلح في دارفور خلال الأعوام الـ20 الماضية”. وتابع “كذلك لا تستطيع الحركات الوقوف إلى جانب الجيش، لأن ذلك من شأنه أن يضعها في مواجهة مع الدعم السريع داخل الإقليم الذي يشكل حاضنة اجتماعية للطرفين”.
وعن مدى نجاح تجربة القوات المشتركة في تحقيق بعض الاستقرار بالإقليم في ظل حيادها المعلن تجاه الحرب، أوضح الدموكي أن قوات “الدعم السريع” أكدت عدم ممانعتها مرور قوافل المواد الإغاثية والتجارية، بل تقوم في كثير من الأحيان بتوصيل تلك المواد والبضائع بنفسها، لكن إذا رفض “الدعم السريع” دخول القوافل، فإن الحركات لن تستطيع ذلك، مشيراً إلى وجود اتفاق بينها وبين الحركات حول هذا الموضوع.
وأشار الباحث السياسي إلى أن القوات المشتركة التي تم تخرجها قبل اندلاع الحرب كانت بغرض حماية المدنيين وكبح الصراعات القبلية، لكن الحقيقة هي أن الموضوع أصبح الآن أكبر من طاقتها.
وكانت قوات “الدعم السريع” رحبت بإعلان اللجنة المدنية بشرق دارفور تأييدها ومساندتها لها، في بيان بثته على منصة “إكس”.
تباعد المواقف
وحول قرار مجلس حقوق الإنسان بإنشاء بعثة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، بدا واضحاً التباعد والتباين في ردود الفعل بالأوساط السياسية، فبينما أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً جددت فيه رفضها القرار، منتقدة تجاهل الدول الراعية له أولويات السودان في إنهاء التمرد وحماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية، وغضه الطرف عن فظائع وانتهاكات ما وصفته بـ”الميليشيات المتمردة”، محملة مقدميه مسؤولية تبعاته، رحبت، في المقابل، معظم القوى السياسية والمدنية بالقرار.
وأكد حزب الأمة القومي اتساق القرار مع ما ظل ينادي به بضرورة تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات التي وقعت في السودان لتوضيح الحقائق وتقديم المسؤولين عنها إلى محاكمة عادلة لإنصاف الضحايا، مناشداً جميع الأطراف السودانية التعاون مع اللجنة.
كما رحب تحالف قوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي بالقرار كخطوة مهمة في سبيل وقف وإنهاء الانتهاكات المرتبطة بالحرب وإنصاف ضحاياها من المدنيين، مؤكداً التزامه الكامل التعاون مع لجنة التحقيق.
كذلك رحبت أحزاب المؤتمر السوداني وحزب التجمع الاتحادي بالقرار، كونه يرسخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب وتقديم كل من يثبت تورطه إلى العدالة.
وأبدت هيئة محامي الطوارئ استعدادها لتسخير كل إمكاناتها وقدراتها لدعم إنجاح عمل اللجنة.
تراجع وتحذير
اقتصادياً، توقع صندوق النقد الدولي تراجع نمو السودان هذا العام بنسبة 18 في المئة بسبب تداعيات الحرب الأخيرة، مما سيفاقم بدوره الأزمة الإنسانية القائمة أصلاً بسبب النزاعات المستمرة منذ عقود، وأوضح الصندوق أن الأزمة المتفاقمة في السودان ستؤدي إلى اضطرابات اقتصادية حادة وأضرار في البنية التحتية وصعوبة كبيرة في توفير الخدمات الأساسية ونزوح واسع مما يؤثر في الدول المجاورة.
وحذر البنك الدولي في منشور عن آخر التطورات الاقتصادية في السودان، من أن الوضع في السودان أصبح أكثر خطورة مع الصراع الأخير، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى حله بسرعة، والعودة إلى الاستقرار السياسي واستئناف الإصلاحات، لبناء أسس النمو الشامل والمرن.
نزوح وفظائع
وفي نداء على موقع الأمم المتحدة لوقف الأعمال العدائية، حض مدير المكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لشرق أفريقيا والقرن الأفريقي والبحيرات الكبرى مامادو ديان بالدي أطراف النزاع في السودان على الدخول في عملية سلام تساعد الذين اضطروا إلى الفرار على العودة إلى بلادهم.
ووصف المسؤول الأممي الحالة في السودان بأنها تشكل واحدة من كبرى أزمات الحماية داخل البلد نفسه، حيث غالبية الناس لا تملك الموارد اللازمة للمغادرة.
ولفت بالدي إلى المعاناة الرهيبة والانتهاكات التي واجهها الفارون “لقد رأيت وشهدت بنفسي مستوى انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت داخل السودان، وما نسمعه من الأشخاص الذين عبروا الحدود أمر مفجع حقاً”.
وذكرت المفوضية أن أزمة النزوح المستمرة الناتجة من الصراع في السودان أجبر فيها ما يقارب ستة ملايين شخص على ترك منازلهم، نحو 90 في المئة منهم من النساء والأطفال.
المصدر: اندبندنت