تتجه السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي إلى حصر التعاملات الداخلية بالعملة المحلية بدلاً من الدولار الذي كان سائداً خلال السنين الماضية في التعاملات الداخلية والخارجية.
وانطلاقاً من الأول من يناير (كانون الثاني) من العام المقبل سيكون التعامل فقط بالدينار العراقي في خطوة تهدف لدعمه وتقويته وإعادة الاستقرار لسوق العملة الأجنبية، التي تشهد تذبذباً نتيجة تشدد الإجراءات من قبل وزارة الخزانة والفيدرالي الأميركي.
أكد متخصصون في الشأن الاقتصادي العراقي لـ”اندبندنت عربية” أن التعامل بالدينار العراقي كوحدة للسداد في المعاملات التجارية سيسهم في تحقيق استقرار السوق ودعم سياسة البنك المركزي العراقي في تحقيق استقرار سعر الصرف والقضاء على ظاهرة دولرة المعاملات التجارية في الأسواق المحلية”، مطالبين بضرورة “محاربة المضاربين في العملات والمصارف الخاصة التي تؤثر في سعر الصرف سلباً”.
يبلغ سعر الصرف الرسمي 1320 ديناراً للدولار الواحد، بينما يصل في السوق الموازية (السوق السوداء) نحو 1580 ديناراً، في وقت تمتنع المصارف العراقية عن منح المودعين أموالهم بالدولار.
وعلى أبواب المصارف يقف العشرات من المواطنين الذين يملكون حسابات بالدينار العراقي والدولار الأميركي لسحب أموالهم إلا أن بعض المصارف تمتنع عن تسليمهم للدولار بحجة عدم وجوده وتسليم الزبون بالعملة المحلية ووفق السعر الرسمي المعتمد من قبل البنك المركزي العراقي، إلا أن ذلك واجه اعتراضات كبيرة من قبل المواطنين بسبب الفارق بين السعر الرسمي والسعر الموازي.
حظر السحب النقدي
كان المدير العام لإدارة الاستثمار والتحويلات في البنك المركزي العراقي مازن أحمد أكد في تصريح لوكالة “رويترز” أن البلاد ستحظر السحب النقدي والمعاملات بالدولار اعتباراً من الأول من يناير 2024، مبيناً الهدف من الخطوة هو وقف الاستخدام غير المشروع لنحو 50 في المئة من مبلغ نقدي يبلغ 10 مليارات دولار يستورده العراق سنوياً من بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك.
ونوه أحمد بأن الأشخاص الذين يودعون الدولارات في البنوك قبل نهاية عام 2023 سيمكنهم سحب الأموال بالدولار في عام 2024، لكن الدولارات المودعة في 2024 لا يمكن سحبها إلا بالعملة المحلية بالسعر الرسمي البالغ 1320 ديناراً للدولار.
معايير الامتثال الدولية
بعد ساعات معدودة من تصريحه، أصدر مدير العام لدائرة الاستثمارات والتحويلات الخارجية مازن صباح أحمد، توضيحاً في شأن التصريحات المنسوبة عنه في وكالة “رويترز”، بأنها تضمنت صياغات صحافية أوردتها الوكالة بصيغة غير دقيقة.
ووفق أحمد الذي نشر التوضيح على الحسابات الرسمية للبنك المركزي العراقي، أن البنك المركزي يضمن ودائع الدولار وللمواطن الذي أودع أمواله بالدولار لدى أي مصرف عراقي سابقاً أو بحلول عام 2024 حق أصيل في تسلم هذه المبالغ نقداً وبالدولار الأميركي.
وبحسب أحمد، لم يتم الإشارة في اللقاء الصحافي إلى توقعات بوصول سعر الصرف إلى 1700 دينار، وأن للبنك المركزي أدواته التي يستخدمها لخفض الفارق بين السعرين، وليس هناك أية مؤشرات إلى وصول سعر الصرف في السوق الموازية إلى هذا المستوى، بل على العكس هناك إجراءات تتخذ ستسهم في خفض الفارق. وأضاف أن الإصلاحات التي يقوم بها البنك المركزي العراقي تستهدف تحقيق امتثال البنك والنظام المصرفي عموماً لمعايير الامتثال الدولية، وبما يحول دون وصول الدولار إلى جهات ممنوعة من الحصول عليه أو المضاربة به.
وذكر أن التصريح أن تاريخ الأول من يناير 2024 سيكون بداية إيقاف السحب النقدي يشمل الحوالات الواردة فقط من خارج العراق وفق ترتيبات معينة تضمن استدامة الأعمال ولا يشمل بأي حال من الأحوال أرصدة المواطنين بالدولار الأميركي.
العملة الوطنية
تعقيباً على ذلك، أكد المتخصص في الشأن المالي والمصرفي محمود داغر أن كل عمليات الفساد والرشوة وغسل الأموال تتم بالكاش لذلك مبدأ كل دول العالم تحاول أن تعزز استخدام البطاقات وتنسحب وتقلل الكاش، سواء عملته الوطنية أو العملة الأجنبية.
وقال داغر، إن أي شخص يفتح وديعة أو لديه وديعة وتم إيداع الأموال بالدولار النقدي يستطيع سحب الوديعة والمصرف الذي لا يلبي على البنك المركزي العراقي محاسبته، إذ إن معظم المصارف عدا مصرفين ثلاثة امتنعوا بشكل موقت، لكن داغر ذكر أن أي أحد أودع نقدي يحق له التسلم نقدياً، لافتاً إلى أنه المبلغ الذي يأتي عبر الحوالة الداخلية أو الخارجية يسلم بالعملة الوطنية وبالسعر الرسمي، مؤكداً أن هذا السياق معمول به في الكثير من الدول والتي لا تتعامل بالعملة الأجنبية.
استقرار السوق
لكن الباحث الاقتصادي بسام رعد، أكد أن القرار يأتي في إطار تحقيق الاستقرار في الأسعار المحلية وبما يتوافق مع قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004 وباعتبار البنك المسؤول عن إصدار التعليمات المتعلقة بالعمليات النقدية والمالية والصرف ومتابعة تنفيذها على إيجاد مناخ اقتصادي موات لتأسيس نظام مالي كفؤ يهدف للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي، وكذلك استقرار قيمة الدينار العراقي من خلال حملة دعم الدينار العراقي التي تهدف إلى سيادة العملة المحلية في التعاملات الداخلية.
واعتبر رعد أن التعامل بالدينار العراقي كوحدة للسداد في المعاملات التجارية سيسهم في تحقيق استقرار السوق، ودعم سياسة البنك المركزي في تحقيق استقرار سعر الصرف، والقضاء على ظاهرة دولرة المعاملات التجارية في الأسواق المحلية.
وبحسب الباحث الاقتصادي، يعمل البنك المركزي العراقي على تشجيع اعتماد المصارف المجازة في البلاد على بنوك مراسلة في عمليات التحويل الخارجي وتدريجاً، ومن ثم التحول بشكل كامل إلى الاعتمادات المستندية لغرض تمويل الاستيرادات وبما يراعي الظروف التي يعيشها البلد من خلال ترشيد استيرادات القطاع الخاص.
متطلبات الخزانة الأميركية
في هذا الإطار، أكد المتخصص في مجال الاقتصاد الدولي نوار السعدي أن قرار البنك المركزي العراقي بحظر استخدام الدولار في الأسواق التجارية اعتباراً من العام المقبل يظهر بوضوح أنه تم اتخاذه بموجب الالتزام بمتطلبات الخزانة الأميركية، وذلك بسبب الانتهاكات التي تحدث نتيجة لوجود حوالات مالية أو اعتمادات تذهب إلى دول تعرضت للعقوبات الأميركية.
وأضاف السعدي أن قرار حظر استخدام الدولار في السوق العراقي قد يمنع التداول الاقتصادي بشكل مستقل، ولا أعتقد أن هذا القرار ستكون له فاعلية في تخفيض سعر صرف الدولار الموازي وإذا طبق هذا القرار في بداية السنة المقبلة حتماً سيكون هناك تفضيل بعض التجار.
ودعا إلى محاربة المضاربين في العملات والمصارف الخاصة التي تؤثر في سعر الصرف سلباً، وكذلك التعامل مع تسهيلات تهريب العملة، مطالباً في الوقت ذاته أن تكون هناك إجراءات رادعة ضد هؤلاء الجهات التي تتاجر بالعملة بشكل غير قانوني.
وأشار إلى أن هناك إرادة دولية تقوم بتتبع حركة الدولار الذي يدخل إلى الدولة العراقية، من أجل حرمان الدول المفروض عليها حصار من الحصول على الدولار سواء كانت دول جوار أو غير ذلك.
المصدر: اندبندنت