أعلن متحدث باسم الجيش الأوكراني الأربعاء، إن عدة مئات من مقاتلي مجموعة “فاغنر” الروسية الخاصة عادوا إلى شرق أوكرانيا للقتال لكن ليس لهم تأثير كبير في ساحة المعركة.
ولعب مقاتلو “فاغنر” دوراً مهماً في سيطرة روسيا على مدينة باخموت الشرقية في مايو (أيار) الماضي، بعد واحدة من أطول وأشرس المعارك في الحرب المستمرة منذ 19 شهراً في أوكرانيا.
وغادر أفراد “فاغنر” باخموت بعد المعركة وتوجه بعضهم إلى بيلاروس بموجب اتفاق أنهى تمرداً قصيراً قامت به المجموعة الروسية الخاصة في يونيو (حزيران) الماضي، سيطرت خلاله على مقر عسكري روسي وتقدمت صوب موسكو.
ومنذ مقتل زعيم “فاغنر” يفغيني بريغوجين في 23 أغسطس (آب)، عندما تحطمت طائرة خاصة كان يستقلها في ظروف لم تتضح ملابساتها، سعى الكرملين إلى إخضاع المجموعة لسيطرة أكثر صرامة من الدولة. وأفاد مدونون عسكريون روس بأن بعض مقاتلي “فاغنر” عادوا إلى أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم القيادة العسكرية الشرقية للجيش الأوكراني، سيرهي تشيريفاتي، “لقد رصدنا وجود عدة مئات من مقاتلي فاغنر على أقصى تقدير”. وأضاف أنهم “منتشرون في أماكن مختلفة ولم يكونوا جزءاً من وحدة واحدة ولم يكن لهم أي تأثير يُذكر”.
وقال مستشار الرئيس الأوكراني، ميخايلو بودولياك، إن “فاغنر لم تعد موجودة”. وأضاف أن “بعضهم ذهب إلى أفريقيا، وبعضهم مشتت عبر روسيا، وبعضهم الآخر لديه عقود مع وزارة الدفاع الروسية ويقاتلون في قطاع باخموت”.
وتابع أن التقارير عن عودتهم تهدف إلى “تشتيت الانتباه عن أنباء حول استعادة أوكرانيا قريتين قرب باخموت”.
من جهة ثانية، قال مسؤولون بالجيش الأوكراني، إن قواتهم صدت هجمات قوية يوم الأربعاء، شنتها القوات الروسية التي حاولت استعادة مواقع خسرتها على الجبهة الشرقية، فيما أشار محللون إلى أن القوات الأوكرانية تحرز تقدماً أيضاً على الجبهة الجنوبية.
وبدأ الجيش الأوكراني هجومه المضاد في يونيو الماضي بهدف استعادة الأراضي في الشرق، وأعلن في الأسبوعين الماضيين السيطرة على قريتين هامتين هما أندرييفكا وكليشيفكا قرب باخموت.
وتحاول قواتها أيضاً، التقدم جنوباً نحو بحر آزوف لقطع الجسر البري الذي أقامته روسيا بين شبه جزيرة القرم التي ضمتها والمواقع التي تسيطر عليها في الشرق.
وقال المتحدث باسم مجموعة القوات الشرقية الأوكرانية، إيليا يفلاش للتلفزيون المحلي “نواصل صد هجمات العدو المكثفة بالقرب من كليشيفكا وأندرييفكا”. وأضاف “العدو لا يزال يقتحم هذه المواقع على أمل استعادة المواقع التي فقدها، لكنه لم ينجح”.
وقال يفلاش إن آخر 24 ساعة شهدت 544 حادث قصف روسي في المنطقة، منها سبع اشتباكات قتالية وأربع هجمات جوية.
وأشار الرئيس فولوديمير زيلينسكي بشكل مقتضب في منشور على تيليغرام إلى تقدم في قطاع دونيتسك بالشرق، لكنه لم يقدم تفاصيل.
وأعلنت هيئة الأركان العامة الأوكرانية وقوع ضربات جوية على أربع أماكن في المنطقة، وقالت إن 15 بلدة وقرية تعرضت لهجمات بالمدفعية وقذائف المورتر.
وفي روايتها عن النشاط العسكري، أفادت وزارة الدفاع الروسية أيضاً بوقوع قتال عنيف في المنطقة، قائلةً إن قواتها صدت عشر هجمات شنتها القوات الأوكرانية بالقرب من كليشيفكا وجنوبا بالقرب من قرية نيفيلسكي.
وتحدث مسؤولون أوكرانيون عن مكاسب تحققت في التقدم جنوباً، إذ قال الجنرال أولكسندر تارنافسكي قائد القوات في الجنوب الأسبوع الماضي عن تحقيق “اختراق”، في حين أشار إلى أن التقدم كان أبطأ مما كان مأمولاً.
وأشار تارنافسكي إلى قرية فيربوف التي قال مسؤولون آخرون إن القوات الأوكرانية تستعد للاستيلاء عليها. وتستهدف القوات الأوكرانية قرى أخرى عدة خلال تقدمها عبر منطقة زابوريجيا باتجاه بلدة توكماك الهامة.
تجنيد كوبيين
في سياق متصل، أعلن السفير الروسي في كوبا فيكتور كورونيلي الأربعاء أن موسكو وهافانا تجريان “اتصالات” بشأن تجنيد كوبيين للمشاركة في حرب أوكرانيا، مضيفاً أنه “لا يعرف عدد” الكوبيين المعنيين.
وخلال تسليم مساعدات غذائية إلى كوبا، قال السفير كورونيلي للصحافيين رداً على سؤال عن عِلم السفارة الروسية في هافانا بعمليات التجنيد هذه، إن “الهيئات المعنية تعمل، وهي على تواصل على الجانب الروسي وعلى الجانب الكوبي”.
وأضاف كورونيلي: “لا أعرف عدد (الكوبيين) الموجودين هناك”.
وأعلنت الحكومة الكوبية مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي، اعتقال 17 شخصاً في كوبا لصلتهم المفترضة بشبكة تنشط من روسيا للتجنيد غير القانوني. ولم تقدم السلطات مذاك أي معلومات بخصوص القضية.
وفي 14 سبتمبر، أشار وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز على حسابه على موقع “إكس” إلى “الموقف القاطع” لحكومته “ضد مشاركة المواطنين الكوبيين في أي نزاع، وضد الارتزاق وضد الاتجار بالبشر”.
قبيل ذلك، قال السفير الكوبي في موسكو خوليو أنطونيو غارمينديا بينا لوسائل إعلام روسية إن حكومته لا تعارض مشاركة الكوبيين في النزاع طالما كان ذلك قانونياً.
وفي مطلع سبتمبر، كشفت وسيلة إعلام في ميامي الأميركية عن حالتي أندورف فيلاسكويز وأليكس فيغا، وهما كوبيان يبلغان 19 سنة من العمر، زعما في مقطعي فيديو أنهما تعرضا للخداع عبر فيسبوك للعمل في مواقع بناء في أوكرانيا مع الجيش الروسي لكن تم إرسالهما إلى الجبهة.
وقال ماريو فيلاسكويز والد أندورف لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف من المكسيك في منتصف سبتمبر الحالي، إن ابنه وأليكس فيغا موجودان في مستشفى في أوكرانيا، وطلب “تسريح ابنه من الجيش لأنه يعيش بكلية واحدة” منذ سنوات.
كما اتصلت وكالة الصحافة الفرنسية بكوبيَين في هافانا، لم يرغبا في الكشف عن اسميهما أو تصويرهما، وأكدا أنه عُرض عليهما عقد للعمل في البناء لصالح الجيش الروسي مقابل الإقامة في روسيا مع راتب بالروبل يناهز ألفي دولار.
وشهدت العلاقات بين موسكو وهافانا نمواً وثيقاً منذ الاجتماع الذي عقد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 بين الرئيسين، الكوبي ميغيل دياز كانيل، والروسي فلاديمير بوتين، ومازالت تتوالى زيارات الوفود بين البلدين.
واستقبل وزير الدفاع الكوبي ألفارو لوبيز مييرا في يونيو الماضي نظيره الروسي سيرغي شويغو، ثم زار بيلاروس الحليفة الوثيقة لموسكو.
تحقيق ألماني
من جهة أخرى، تحقق السلطات القضائية الألمانية في جريمة حرب محتملة ارتُكبت في مدينة هوستوميل الأوكرانية، حسب ما أفادت متحدثة باسم النيابة العامة الفيدرالية وكالة الصحافة الفرنسية الأربعاء.
وقالت المتحدثة إن مدنيين، من بينهم مواطن ألماني، يُحتمل أنهم تعرضوا لإطلاق نار وأصيبوا على يد القوات الروسية في المدينة الواقعة شمال غرب كييف. وأضافت أنه تم فتح تحقيق في الواقعة في يوليو (تموز) الماضي، وأن المدعين الألمان على اتصال وثيق بالسلطات الأوكرانية.
وكان المدعون الألمان فتحوا في مارس (آذار) 2022 تحقيقاً بنيوياً في جرائم حرب محتملة في أوكرانيا.
ولا يستهدف هذا التحقيق مشتبهاً بهم محددين، بل يهدف إلى جمع الأدلة على جرائم محتملة وتحديد الجهات التي تقف وراءها، ويمكن بعد ذلك استخدام الأدلة في الإجراءات الجنائية المستقبلية ضد المشتبه بهم الأفراد.
وتعرضت روسيا لانتقادات شديدة بسبب هجومها على المدن الأوكرانية، في عمليات تقول كييف والحكومات الغربية إنها شملت هجمات على مدارس ومستشفيات ومجمعات سكنية.
بدورها، أطلقت المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي، تحقيقاً في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مفترضة في أوكرانيا بعد أيام فقط من بدء الاجتياح الروسي في 24 فبراير (شباط) 2022.
وفي وقت سابق من هذا العام، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أيضاً مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي بتهمة ارتكاب جرائم حرب على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني.
إعادة الإعمار
على صعيد آخر، أعلنت ممثلة الولايات المتحدة الخاصة لإعادة بناء اقتصاد أوكرانيا، بيني بريتزكر، من بروكسل الأربعاء، أن إعادة إعمار أوكرانيا لا يمكن أن تنتظر حتى نهاية الحرب، ويجب أن تبدأ الآن.
وقالت بريتزكر لصحافيين في بروكسل: “إن الجهود الطويلة المدى لإنعاش الاقتصاد الأوكراني يجب أن تحصل الآن، ويجب أن تبدأ الآن، حتى في خضم الحرب والقتال المستمرين”.
وأكدت وزيرة التجارة السابقة في عهد باراك أوباما أن تكلفة إعادة الإعمار ستكون “كبيرة”، وعليه أكدت أهمية إشراك القطاع الخاص.
ويقدر البنك الدولي أن أوكرانيا ستحتاج إلى أكثر من 400 مليار دولار لإعادة الإعمار.
وقالت المليارديرة بريتزكر وسيدة الأعمال السابقة، إنها على اتصال مع أكثر من ثلاثين شركة مهتمة بالاستثمار في أوكرانيا.
وأكدت أهمية إزالة بعض العقبات، لافتةً إلى الحاجة إلى خلق بيئة تسمح للشركات الغربية المعتادة على قوانين وممارسات معينة، بالاستثمار بثقة في أوكرانيا، رغم المعارك المستمرة.
وشددت على، أن “الإصلاحات وإعادة الإعمار يجب أن تمضي قدماً معاً”.
وأوضحت بريتزكر أن الأوكرانيين يدركون أنه ما زال أمامهم “الكثير من العمل الذي يتعين عليهم القيام به بشأن الإصلاحات”، متحدثةً عن “الفساد وغسل الأموال”، وذلك غداة اجتماع للتنسيق بين مانحين وممثلين لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي.
وعلى المدى القصير، لدى أوكرانيا احتياجات هائلة في مجالات السكن والنقل والبنى التحتية وفي قطاع الطاقة. لكن بريتزكر أشارت إلى أن اقتصادها ما زال نشطا، وتريد “مواصلة تصدير الحبوب وبيعها”.
وشددت على أهمية “التأكد من أن طرق التجارة تعمل بشكل صحيح”.
ورداً على سؤال حول استخدام الأصول الروسية في الدول الغربية لتمويل عملية إعادة الإعمار جزئياً، اعتبرت بريتزكر أنه من الضروري أن تدفع روسيا، “نظراً للدمار” الذي سببته في أوكرانيا.
وقدّرت حجم هذه الأصول في الولايات المتحدة بنحو ثمانية مليارات دولار، لكنها لفتت إلى أنه يتعين القيام بعمل قانوني طويل المدى قبل أن يتسنى استخدامها لتمويل إعادة الإعمار في أوكرانيا.
المصدر: اندبندنت