تخطط روسيا للسيطرة بشكل مباشر على قوات مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة في جمهورية إفريقيا الوسطى، والتي تعد أكبر معاقل المجموعة في القارة، وفق صحيفة “واشنطن بوست”.
وقالت الصحيفة الأميركية، الاثنين، إن عناصر “فاغنر” منذ وصولهم إلى بانجي للمرة الأولى، قبل 5 سنوات، تم دمجهم في العمليات الأمنية وفي اقتصاد البلد، مضيفة أنه على الرغم من أن المجموعة كانت تعمل بشكل مستقل عن موسكو، إلا أنها ساعدت في بسط النفوذ الروسي في القارة.
وأضافت “واشنطن بوست” أنه بعد وفاة قائد المجموعة يفغيني بريغوزين، الشهر الماضي، في حادث تحطم طائرة وصفته بأنه “محل شكوك”، يقول مسؤولون في إفريقيا الوسطى إن الحكومة الروسية باتت تتحرك، أخيراً، للسيطرة بشكل مباشر على أكثر من 1000 عنصر من قوات “فاغنر” هناك.
ونقلت الصحيفة عن رئيس إفريقيا الوسطى، فاوستين آركانج تواديرا، قوله خلال مقابلة بالقصر الرئاسي إن “المقاتلين الروس سيبقون بموجب اتفاقنا مع موسكو، وسيواصلون توفير الأمن للبلاد في هذه اللحظة الصعبة”، حيث تواصل بانغي صراعها مع الجماعات المتمردة التي تهاجم الجنود والمدنيين في الريف.
وأضاف تواديرا، الذي يضم حرسه الشخصي مقاتلين من “فاغنر” يرتدون ملابس عسكرية ويقفون خارج مكتبه: “تعاقُدنا كان مع الحكومة الروسية”.
وهذا الشهر، زار نائب وزير الدفاع الروسي يونس يفكوروف، والجنرال أندريه أفريانوف في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة GRU، بانغي، وأبلغا تواديرا وكبار المسؤولين في البلاد، أن الوجود الروسي سيستمر، ولكن تحت قيادة وزارة الدفاع الروسية، بحسب ما ذكره مسؤولون محليون وغربيون للصحيفة.
من جانبه، أكد تواديرا هذا اللقاء قائلاً: “تربطنا علاقات مع روسيا، ولذا فإنه من الطبيعي أن يزورنا نائب الوزير في سياق العلاقات الأمنية بين البلدين”.
وقال فيديل جواندجيكا، وهو أحد مستشاري تواديرا، إنه في حال لم يرغب عناصر “فاجنر” في الانصياع لوزارة الدفاع الروسية، فلن يكون أمامهم خيار سوى مغادرة البلاد، مضيفاً أن “روسيا هي التي أرسلتهم وسلحتهم، وهي التي ستقرر متى ستغادر فاغنر”.
أكبر معاقل “فاغنر“
ولطالما مثلت إفريقيا الوسطى أكبر معاقل “فاغنر” في القارة، وذلك على الرغم من أنها تعمل بنشاط في 4 دول إفريقية أخرى على الأقل، كما تضع أنظارها على عدة بلدان أخرى، ما يثير قلقاً متزايداً في عواصم غربية، بحسب الصحيفة.
ونقلت “واشنطن بوست” عن مسؤول غربي، لم تكشف هويته، قوله إن الرحلة كانت تهدف إلى إرسال رسالة واضحة مفادها أن “إمبراطورية بريغوزين مترامية الأطراف، قد أصبحت الآن تحت سيطرة الحكومة الروسية”.
وقال دبلوماسي غربي آخر في بانغي، طلب عدم كشف اسمه، إن 450 من عناصر “فاغنر” الذين غادروا البلاد بعد تمرد بريغوزين ضد الحكومة الروسية أواخر يونيو الماضي، لم يعودوا مرة أخرى، ولم يتم تعويضهم.
وحتى بعد وفاة بريغوزين، لا يزال اثنان من قادة المجموعة، وهما فيتالي بيرفيليف، وديميتري سيتي، موجودين في بانغي ويمارسان مهامهما، وفقاً للعديد من المسؤولين في إفريقيا الوسطى والغرب.
استراتيجية التغلغل
ويقول دبلوماسي غربي آخر في بانغي، رفض الكشف عن هويته، إن مخالب “فاغنر” وصلت إلى حكومة البلاد والأجزاء الأكثر ربحية في اقتصادها، إذ تدير المجموعة جزءاً خاصاً بها في مطار بانجي، ومنجماً يحتوي على ذهب بقيمة تزيد عن مليار دولار، وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، التي فرضت هذا الصيف عقوبات على 4 مجموعات مرتبطة بـ”فاغنر” تعمل في صناعة الذهب في إفريقيا الوسطى.
وعلى الرغم من الانتقادات التي تواجهها للمجموعة، فإن المسؤولين الحكوميين والعديد من السكان يعزون الفضل إليها في استعادة الأمن والأمان في مساحات شاسعة من البلاد، التي كانت مهددة في عام 2020 بالتمرد المسلح.
وقال الرئيس تواديرا، أثناء المقابلة إن “روسيا لم تكن الخيار الأول لجمهورية إفريقيا الوسطى”.
وذكرت الصحيفة أنه عندما تولى تواديرا السلطة في عام 2016، وجد أن 90% من البلاد كانت تحت سيطرة المتمردين، وكانت الحكومة بحاجة إلى أسلحة للدفاع عن نفسها، لكنها واجهت حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة في عام 2013، بعد أن أطاحت قوة متمردة بالحكومة السابقة.
وأضاف تواديرا: “لم تكن لدينا الوسائل اللازمة لتجهيز قواتنا، ولكن الروس، وليس فرنسا أو الولايات المتحدة، هم الذين وافقوا بشكل كريم على مساعدتنا”.
وتبع إرسال الأسلحة إرسال مدربين روس في عام 2018، لتدريب الجيش على كيفية استخدام هذه الأسلحة، وسرعان ما أصبح من الواضح أن هؤلاء المدربين كانوا من مرتزقة “فاغنر”، كما تضخمت أعدادهم في عام 2020، عندما هدد متمردون بإسقاط الحكومة في بانجي، ولذا ينسب المسؤولون الحكوميون الفضل إلى مقاتلي المجموعة في إنقاذ البلاد، بحسب الصحيفة.
استبدال موسكو
وفي الوقت نفسه، يقول تواديرا، إن بلاده منفتحة على الحصول على المساعدة الأمنية من واشنطن ودول أخرى، موضحاً: “إذا أرادت الولايات المتحدة إرسال المساعدة، سنقبلها، ولكن هذا لا يعني أنها ستكون بديلاً لروسيا”.
وتقول دانييل دارلان، وهي الرئيسة السابقة للمحكمة الدستورية في جمهورية إفريقيا الوسطى، إنها كانت من بين أولئك الذين اعتقدوا في البداية أن المقاتلين الروس جاءوا لتأمين البلاد، لكنها وجدت أنهم باتوا في الآونة الأخيرة ينخرطون في سياساتها.
وذكرت دارلان كيف طلب منها مسؤول بالسفارة الروسية المساعدة في إبقاء تواديرا في السلطة بعد انتهاء فترة ولايته، ولكنها رفضت الأمر، وبعد سبعة أشهر تمت الإطاحة بها من منصبها بموجب مرسوم رئاسي، ثم سمحت المحكمة بإجراء استفتاء لإلغاء حدود فترة ولاية الرئيس.
وتعرب دارلان عن شعورها بالقلق من أن تعاون الدول الأخرى في المنطقة مع موسكو بشأن الأمن، يؤدي لفتح الباب أيضاً أمام التدخل الروسي في بلادهم.
ولم ترد وزارة الدفاع الروسية على طلبات الصحيفة الحصول على تعليق، كما نفى متحدث باسم السفارة الروسية في بانغي عقد الاجتماع، قائلاً إن السفارة “لم تتلق أي تعليمات لمناقشة الشؤون الداخلية لإفريقيا الوسطى”.
من جانبه، توقع رولاند مارشال، وهو عالم اجتماع في جامعة “ساينس بو” في باريس، والذي درس شؤون إفريقيا الوسطى لسنوات، أن تستمر معظم عمليات “فاغنر” في البلاد، ولكنها على الأرجح ستكون في شكل جديد.
وأضاف، أن “عمليات المجموعة في إفريقيا تمثل استثمارات استراتيجية لروسيا، إذ أنها توفر عائدات مالية مربحة وتعزز النفوذ السياسي لموسكو”.
ولفتت الصحيفة إلى أنه على الرغم من استمرار أنشطة “فاغنر” في بانجي، فقد قوبلت وفاة زعيمها، التي يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها “عملية اغتيال” أمر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بصمت تام في البلاد، إذ لم يكن هناك أي بيانات حكومية رسمية، حتى أن آلة الدعاية المؤيدة للمجموعة نفسها تجنبت الحديث عن وفاة بريغوزين إلى حد كبير.
المصدر: الشرق