رايت رايتس

المواجهة المؤجلة..مناورات سياسية وإعلامية بين إسرائيل و”حزب الله”

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 12 دقيقة قراءة
12 دقيقة قراءة
نصرالله

تدخل المواجهة غير المباشرة إعلامياً وسياسياً بين إسرائيل و”حزب الله” مساحة من المناورة السياسية والاستراتيجية بين الجانبين بخاصة مع ما يجري من توتر على طول منطقة الحدود، من الجانبين، وفي ظل إطلاق تصريحات حول ما يجري، ودخول الوسطاء سواء الفرنسي أو الأميركي على الخط، ومحاولة للتهدئة في ظل مناكفات عامة يطلقها كل طرف.

- مساحة اعلانية-

وأخيراً عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جلسات عدة ومشاورات أمنية وتقييم للوضع في ما يتعلق بالساحة الشمالية بمشاركة عديد من الشخصيات والقادة في الاستخبارات والجيش الإسرائيليين، وبينما تمت الدعوة إلى الرد عسكرياً على “حزب الله” بشكل محسوب لعدم انجرار الأمور إلى حرب، فإن أصواتاً دعت لوساطة طرف ثالث من أجل رسم الحدود البرية بين البلدين، بعد أن تم رسم الحدود البحرية العام الماضي بوساطة أميركية.

يتزامن مع ذلك قيام “حزب الله” بإجراء مناورة تكتيكية في منطقة عرمتى بجنوب لبنان والتي أخذت حيزاً من الاهتمام اللبناني، حيث رأى فيها معارضوها تعدياً على السيادة اللبنانية، مؤكدين أنها ستزيد من حظوظ مرشح “حزب الله” الرئاسي.

- مساحة اعلانية-

اتفاق جمعي

يكاد يتفق المستويان السياسي والاستراتيجي في إسرائيل على ضرورة تجنب حال المواجهة العسكرية الراهنة مع “حزب الله” والتركيز على ضرورة استمرار عدم المواجهة في ظل حال عدم الاستقرار السياسي، والتخوف من الدخول في مواجهة مفتوحة مع الحزب، وغياب أية مقاربة للتوافق حيث ما زال “حزب الله” اللاعب المركزي الرئيس في المواجهة الراهنة مع إسرائيل وليس حركتي “الجهاد الإسلامي” أو “حماس”.

فوفقاً للمصادر العسكرية الإسرائيلية فإن “حزب الله” ما زال يتسلح ويملك قدرات صاروخية كبيرة وقادراً على إمطار سماوات إسرائيل بعشرات الصواريخ يومياً، وهو ما قد يدفع لإعادة النظر في ما يجري من طروحات في إطار المواجهة المحتملة، بخاصة أن كل الفرص قد تكون مهيأة نظرياً في إطار ما يجري، وعلى إسرائيل أن تتأهب لما هو قادم من سيناريوهات حقيقية وممكنة تدفع بضرورة التعامل الرشيد وعدم الذهاب إلى مواجهة قد تخسر فيها كثيراً من ثوابتها في التعامل.

- مساحة اعلانية-

يتواكب تحرك قيادة “يونيفيل” مع تحرك للسفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا سعياً لنزع فتيل احتمال تفجير الوضع في المنطقة التي تشهد استقراراً منذ التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

مع تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية للبنان والتخوف من تصعيد عسكري بين “حزب الله” وإسرائيل على خلفية بناء جيش الاحتلال سياجاً شائكاً وجداراً إسمنتياً حول بلدة الغجر جنوب شرقي لبنان، فيما نصب “حزب الله” خيمتين عسكريتين في منطقة مزارع شبعا المحتلة كرد في ما يبدو على الخطوة الإسرائيلية في الغجر، تسعى فرنسا للدخول على خط التفاوض بين إسرائيل ‏و”حزب الله” لوقف الاشتباكات المحتملة.‏

وتأتي مبادرة باريس في وقت فشلت جميع الحلول التي طرحتها فرنسا للأزمات اللبنانية، بيد أنها تأتي لحماية مصالحها الاقتصادية لا سيما في ظل تولي شركة “توتال” التنقيب عن الغاز في البلوكات اللبنانية، وطرح بعض المراقبين تساؤلات عن مدى نجاح هذه التدخلات الفرنسية، بخاصة أن “حزب الله” يقف على أرض صلبة.

في المقابل، تسود على جانبي الحدود بين لبنان واسرائيل حال من الترقب والحذر للأسبوع الثاني على التوالي في ظل الاستنفار المتبادل بين “حزب الله” والقوات الإسرائيلية، وهذا ما بدا واضحاً أخيراً على طول الخط الحدودي في القطاع الشرقي من جنوب لبنان انطلاقاً من محور تلة العباد مقابل حولا وحتى مثلث “الوزاني، سهل مرجعيون” المحاذي لمستعمرة “المطلة” مروراً بتلال العديسة وبوابة فاطمة.

المستوى العسكري

يري المستوى العسكري في إسرائيل أن من الضروري الانتقال إلى استراتيجية الردع، وهي الأهم في ما يجري، خصوصاً أن إسرائيل ليست لديها الفرص السياسية مثلما كانت في مواجهات سابقة، فالجبهة الداخلية ضعيفة والقادة العسكريون ما زال أغلبهم جدداً في مواقعهم في ظل حال من عدم الاستقرار العام في الدولة وغياب الحل السياسي في التعامل، مما يؤكد أن الجبهة الداخلية مضطربة وغير مستقرة وتدفع بجملة من الحسابات المعقدة التي يجب أن تنضبط في مسارها الطبيعي بدلاً من خوض مواجهة غير مطلوبة في الوقت الراهن.

وترى الاستخبارات العسكرية “أمان” أن تقييمات المستوى السياسي تدفع إلى مزيد من التوتر في ظل اتهام “حزب الله” بالعمل على دفع الأمور إلى حافة الهاوية، وأنها تعمل في إطار من الخيارات المكلفة مع التأكيد أنه لا مجال للربط بين المبادرة الرئاسية الفرنسية والانتهاكات الإسرائيلية على الأراضي الحدودية، وأن باريس عليها أن تُسمع مبادرتها في تل أبيب وليس في بيروت.

فعندما وضع الخط الأزرق عام 2000 من قبل الأمم المتحدة، وجاء في أكثر من مكان لا يتطابق مع الحدود الدولية، وتم إطلاق خط انسحاب وليس خط حدود، كان الهدف اللبناني أن يصبح الخط الأزرق متطابقاً مع الحدود الدولية، وقد رفضت الـ”أندوف” المتحدة التمركز في هذه المنطقة التي لا تخضع لخطة الانتشار اللبناني الدولي لتطبيق القرار 425، بل وتقع ضمن الأراضي السورية، وكان قد سبق للأمم المتحدة أن وجهت إلى الحكومة اللبنانية وتحديداً بعد التحرير الأول للجنوب من الاحتلال بالتواصل مع الحكومة السورية للتوقيع معها على ما يُثبت لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

من ثم فإن مصدر القلق العام في إسرائيل ليس فقط مرجعه ما يمثله “حزب الله” من أخطار وتهديدات على أمن إسرائيل، وإنما أيضاً مرتبط بما يمكن أن يكون عليه مستوى التهديد إذا استمرت المواجهات الراهنة أو تطورت إلى مواجهة أياً كان إطارها وشكلها المرسوم أو المحدد.

وتأتي التهديدات الإسرائيلية الراهنة فيما يغرق لبنان في إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية حول العالم منذ عقود، إذ خسرت العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها الشرائية، في حين ارتفعت معدلات الفقر والبطالة.

إشكاليات جوهرية

الإشكالية الرئيسة التي يعمل عليها المستوى العسكري هو تحييد جبهة لبنان لبعض الوقت وعدم تصعيدها، أو تسخينها لجملة من الاعتبارات المتعلقة ليس بموقف الداخل فقط، وإنما أيضاً بخيارات متدرجة للحكومة الإسرائيلية التي تركز على التهدئة العامة في الوقت الراهن تجاه السلطة الفلسطينية بل وقطاع غزة، وطرح حلول لتسكين حال التأزم تجاه الجانب الفلسطيني في القطاع والضفة، وهو ما سيكون عنواناً للمرحلة الراهنة من أجل التركيز مع جبهة لبنان لمواجهة أخطار “حزب الله” بالأساس وليس أي تهديد آخر.

وتدفع الحكومة الإسرائيلية نحو مقاربة سياسية واقتصادية وليست عسكرية متعلقة بتوجه حكومي بارز يقوده رئيس الوزراء نتنياهو شخصياً على رغم حال الاعتراض والتحفظ من قبل بعض الوزراء، وتهديدهم بعدم الموافقة على ما يطرح تجاه الجانب الفلسطيني في الوقت الراهن، والمحتمل بهدف العمل من أجل استراتيجية من جانب واحد لإعادة تعويم السلطة الفلسطينية في المقام الأول، والعمل وفق استراتيجية مهمة انتقالية للتركيز على الأسس الحاكمة التي ستعمل الحكومة الراهنة بمقتضاها، والتي لا تريد أية تدخلات على الخط في إطار ما قد يهدد الجبهة الداخلية في الوقت الراهن، مع التحسب التام إلى أن الحكومة ليست ضعيفة بل متماسكة البنيان، وائتلافها عكس ما يتردد في إسرائيل بخاصة أن التطورات السياسية والأمنية لا تشير إلى أن هناك قبولاً بما يمكن أن يجري في إطار مواجهات من أي نوع، وليس فقط على الجبهة اللبنانية، وفي ظل الوضع الراهن في إسرائيل فإن من مصلحتها أن تعمل على خيارات الداخل المتوتر، وليس خيارات الخارج، لتأكيد شكل ونمط أية مواجهة محتملة في المدي المنظور، سواء مع “حزب الله” أو فصائل قطاع غزة.

ما زال الجيش الإسرائيلي يشهد حالاً من الاستنفار والترتيبات الأمنية وإعادة تشكيل خريطة التهديدات، ليس من مصلحته خوض مواجهة قد يخسر فيها أو يتعرض لحال من الإنهاك الأمني أو الاستراتيجي، بخاصة أن الخروج إلى مواجهة “حزب الله” ليس سهلاً، وقد يؤثر الأمر على ما يجري ويحبط حركة الوسطاء ويوقف تنفيذ اتفاق ترسيم الحدود البحرية ويحبط الوسيط الأميركي، وقد يعرقل الذهاب إلى ترسيم الحدود البرية ويؤثر على نمط التحالفات الإسرائيلية في الإقليم، وهو ما قد يدفع نحو مزيد من الخسائر الإسرائيلية التي تتم في الوقت الراهن في ظل ما يواجه البيئة الداخلية من خسائر اقتصادية حقيقية سواء في البورصة أو في جذب رؤوس الأموال والتأثير على الشركات التكنولوجية وريادة الأعمال التي تعمل في السوق الإسرائيلية، والتي قد يكون تأثيرها مكلفاً على كل المستويات، والواقع أن الخط الأزرق هو خط انسحاب وليس ترسيماً أو تثبيت حدود، ويريد لبنان إظهار حدوده الجنوبية مع فلسطين، لافتاً إلى أن لبنان لا يعترف بالخط الأزرق الموجود داخل مزارع شبعا والمحدد بواسطة الأمم المتحدة.

إن حدود لبنان الجنوبية مع الجانب الفلسطيني تبدأ في الناقورة جنوب غرب وتنتهي في نهر الوزاني جنوب شرق، مع التأكيد على أن إدارة بايدن ترى أن بدء التنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية يمكن أن يساعد في كبح جماح “حزب الله” بينما تسعى البلاد إلى الخروج من أزمتها الاقتصادية المدمرة، ويتفق مسؤولو الأمن الإسرائيليون مع هذا التقييم.

تقييمات حاسمة

هناك إذاً قناعة إسرائيلية عامة على المستويين السياسي والأمني بأن الكلفة والعائد والنفقة قد لا تعمل في إطار مصالح إسرائيل، ليس فقط في المدى القصير بل والطويل الأجل، الأمر الذي قد يدفع إسرائيل إلى استمرار الدوران في حلقة مفرغة من الخيارات المفتوحة، والتي قد تؤثر في اتجاهات عامة، بدليل أن ما يهم إسرائيل في الوقت الراهن ليس توقف الاحتجاجات فقط، بل الانطلاق إلى تحقيق الاستقرار السياسي منعاً لمزيد من التجاذبات داخل الجيش الذي يوفر المناعة الوطنية لكل شعب إسرائيل.

من ثم فان ما يجري على طول الحدود اللبنانية – الإسرائيلية يجب أن يفرض استراتيجية ردع أولاً في وجه “حزب الله” وتضييق الخناق حوله لمنع تهديده لأمن إسرائيل، بخاصة مع التخوف من أن تمتد التظاهرات إلى كل إسرائيل وينفتح المشهد على سيناريوهات صفرية مكلفة، وهو ما يحذر منه جهازا “شاباك” و”أمان” معاً، ويؤدي إلى مزيد من التأزم المفصلي المؤثر في إسرائيل ليصبح دائماً.

الخلاصات الأخيرة

من الواضح أن الأزمة بين “حزب الله” وإسرائيل ليست فقط أزمة حدود أو خيام أو نقاط متابعة أو غيرها من التفاصيل، وإنما الأمر متعلق بما هو قادم من أطر مقترحة لرسم مصالح البلدين في ظل عدم وجود مقاربة لبنانية كاملة حول ما يجري قد تخص لبنان الدولة، وليس “حزب الله” كفصيل سياسي له اليد الطولي في ما يجري بمنطقة الحدود مع إسرائيل، ومن اللافت أن الأطراف المعنية بما يجري قد تكون لها حساباتها وتقديراتها، وتعمل على مراجعة مواقفها وسياساتها تجاه الطرفين سواء “حزب الله” أو إسرائيل.

المصدر: إندبندنت عربية

تم وضع علامة:
شارك هذه المقالة
ترك تقييم