في خبر يذكر بالاختراق العلمي الكبير الذي حدث مع استنساخ النعجة دوللي (1996) في “معهد روزالين” الاسكتلندي، نجح علماء في “معهد وايزمان” الإسرائيلي في استيلاد جنين بشري من خلايا المنشأ في أطباق المختبر.
وثمة فارق واسع بين الحدثين، على رغم التقاطعات الكبرى بينهما، يجدر التشديد عليه ويتمثل في أن الأجنة المستولدة في أطباق المختبر لم يستعمل في تجربتها لا بويضة ولا حيوان منوي ولا رحم.
في المقابل، يحتاج الاستنساخ إلى بويضة الأنثى، التي ينقل إليها نواة خلية بالغة ثم تحفز على التكاثر، وحينما تصل إلى مرحلة تكوين كيس الحمل، تنقل إلى الرحم.
ومنذ الاستنساخ الذي أنجزه البروفيسور إيان ويلموت، ثارت نقاشات عدة تضمنت الجدال عن إمكان استيلاد جنين بتقنيات جينية محضة، من دون الحاجة إلى الأعضاء والأنسجة التي تتولى عملية التكاثر في الكائنات البيولوجية المتطورة كالثدييات التي ينتمي إليها الجنس البشري.
وفي السنوات التي تلت ولادة النعجة دوللي، التي هرمت بسرعة وقضت بأسلوب القتل الرحيم، أجريت تجارب تضمنت تنويعات على الاستيلاد خارج إطار الطرق السائدة في الطبيعة، وترافق ذلك مع التطور المذهل في علوم الجينات الذي وفر للعلماء وسائل لمقاربات “ثورية” في التكاثر الجيني، على رغم أنها دوماً ترافقت مع جدالات أخلاقية وفلسفية متنوعة.
في استنساخ دوللي، أخذت نواة خلية بالغة ثم وضعت في أطباق المختبر وجرى الاشتغال عليها كي تعود لمرحلة مبكرة من نموها، خصوصاً أن تستعيد مواصفات خلايا المنشأ التي تسمى أيضاً الخلايا الجذعية.
وفي التكاثر الطبيعي، تلقح البويضة من حيوان منوي يدخل إلى نواتها، وبعدها تشرع في التكاثر، بمعنى أنها تصنع نسخاً من نفسها، إلى أن تصبح كتلة من الخلايا الأولية [الجذعية أو المنشأ] التي تتمايز في المراحل التالية من النمو، كي يتفرع منها الخلايا الجذعية التي تشكل الأنسجة ثم الأعضاء المتنوعة في الجسم. وبتبسيط سيئ تماماً، تشبه الخلايا الجذعية صفحة بيضاء يمكن أن يرسم عليها أشياء كثيرة، يعني ذلك أنها الخلايا التي تحدث تغيرات في تراكيبها الجينية، فتعطي كل أنواع الخلايا التي تكون أنسجة الجسم وأعضائه.
ويخرج من الخلايا الجذعية أنواع متخصصة تعمل على تشكيل العين والأذن واللحم والعظم والأعصاب والنخاع الشوكي والدماغ وغيرها.
تجربة رائدة بيد بريطانيا وأميركا
في يونيو (حزيران) من صيف عام 2023، شهدت بريطانيا تجربة نوعية في التكاثر، إذ استطاع علماء من “جامعة كامبريدج” ومعهد كاليفورنيا للتقنية”، استيلاد أجنة في أطباق المختبر انطلاقاً من خلايا المنشأ الجذعية.
وحينها، أوضحت البروفيسورة ماغدالينا زيرنيكا غويتز التي قادت ذلك الفريق العلمي، أنه بات من المستطاع استيلاد أجنة بشرية من الخلايا الجذعية وحدها.
وأخيراً، نقل موقع “بي بي سي” بياناً عن “معهد وايزمان” تضمن نجاح علمائه في استيلاد أجنة بشرية كاملة من خلايا المنشأ، على غرار ما فعل نظرائهم البريطانيين والأميركيين.
وفي ملمح متمايز، أشار البروفسور جاكوب هانا الذي شارك في تجربة “معهد وايزمان”، إلى أن الإنجاز الخاص الذي تحقق في تلك التجربة يتمثل في استيلاد “نموذج كامل لجنين بشري” ترك لينمو إلى عمر الأسبوعين، وبلغ نجاح التجربة إلى حد أن “الجنين” المتكون أفرز هرمونات الحمل من النوع المستعمل في فحوص الحمل عند البشر.
وشدد البروفيسور هانا على أن ما أنجزه “معهد وايزمان” سيساعد في فهم الآليات التي تنتقل عبرها خلايا المنشأ الجذعية إلى خلايا متخصصة في صنع أنسجة الجسم وتراكيبه المختلفة، وبالتالي، فإنها قد تفتح الباب أيضاً أمام فهم الاضطرابات في مسار تلك العملية، التي تؤدي أو تسهم في نشوء أمراض واعتلالات جينية وتشوهات خلقية وغيرها.
وبديهي القول إن هذه التجربة، على غرار محاولات علمية مماثلة، يتوقع لها أن تثير جدالات وإشكالات أخلاقية وفلسفية وفكرية شتى.