لم يكن 2023 عاماً جيداً على البنوك، إذ انهارت منذ مارس أربعة بنوك كانت أصول كل منها تفوق مليار دولار، وانتقلت ودائع بالمليارات من حسابات البنوك إلى بدائل ذات عوائد أعلى، وكشفت الجهات الناظمة عن قواعد جديدة شاملة قد تقلّص حجم الأموال التي يمكن للبنوك إقراضها.
رغم أن أكبر المؤسسات المصرفية تمكنت من اجتياز أسوأ مراحل الاضطراب، فإن البنوك متوسطة الحجم، التي تتراوح قيمة أصولها بين 85 و250 مليار دولار تقريباً، لا تزال تتصدى للمشكلات التي أثارت حالةً ذعر في وقت سابق من هذا العام.
وأشارت الجهات الناظمة إلى أن البنوك ستكون عرضة لقواعد أشد في المستقبل القريب، ويعبّر بعض المحللين عن مخاوف بشأن مركز تلك البنوك في النظام البيئي للقطاع.
قال براندون كينغ، المحلل في “ترويست سكيوريتيز” (Truist Securities): “الأمر أشبه بالوجود في منطقة رمادية، فأنت لست بنكاً كبيراً بما يكفي لتصبح من البنوك الكبرى المتموضعة في مراكز صناعة المال، مثل (جيه بي مورغان) أو (بنك أوف أميركا) أو (ويلز فارغو)، أي أن يكون لك وزن هائل وأنشطة مستقرة، فلا تحتاج إلى الاعتماد على فارق الدخل بين الإيرادات والمصروفات وحده”.
خفضت “إس آند بي غلوبال ريتينغز” في 21 أغسطس تصنيفها الائتماني لبنكَي “كي كورب” و”كوميريكا” وثلاثة بنوك أخرى، مستندة إلى تراجع ودائعها وتداعيات ارتفاع أسعار الفائدة وضغوط أخرى تجعل الأمور “صعبة” على تلك البنوك.
جاءت الخطوة بعد أسبوعين من صدور 27 قراراً مفاجئاً من “موديز إنفستورز سيرفس” (Moody’s Investors Service) تتعلق بتصنيفات بنوك أميركية، وقد استندت إلى العوامل التي ستستمر بملاحقة القطاع، مثل تكاليف التمويل الأعلى والربحية الأضعف ومستويات رأس المال التي تتخلف عن أكبر نظيراتها في وول ستريت والمخاطر المقترنة بالإقراض في قطاع العقارات التجارية.
تحديات كبيرة
بيّن الرئيس التنفيذي لشركة “زيونس بانكوربوريشن” هاريس سيمونز، الذي تحتلّ شركته المرتبة 32 بين أكبر المقرضين في الولايات المتحدة وبلغت أصولها في 31 مارس نحو 88.6 مليار دولار، هذه التحديات حين أعلنت شركته نتائجها في يوليو.
وقال في مكالمة هاتفية مع محللين: “رغم أن استنزاف الودائع بدا إلى حد كبير على أنه مرحلة عابرة، فإن الوضع لا يزال كما هو من حيث ارتفاع تكلفة الودائع”. كانت تعليقات سيمونز تتعلق بشركته، لكنها عكست المأزق الأوسع نطاقاً الذي يواجهه القطاع بأكمله.
لن يستمر ارتفاع أسعار الفائدة وضغوط التمويل إلى الأبد، لكن تحديات أخرى ستمتدّ.
في أواخر يوليو كشف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ومعه جهات ناظمة أخرى في القطاع المصرفي عن خطط لفرض متطلبات أكثر صرامة على رأس المال، ما سيدفع البنوك إلى تخصيص مزيد من الأموال للتحصن من الخسائر غير المتوقعة.
ستدفع الخطة مؤسسات متوسطة الحجم مثل “هنتنغتون بانكشيرز” و”كي كورب” و”ريجونز فاينانشيال” إلى الامتثال للمتطلبات الصارمة التي كانت تقتصر على أكبر المقرضين في ما مضى.
قال دايفيد كونراد، المحلل في “كيه بي دبليو” (KBW): “كلما ابتعدت عن مستوى 100 مليار دولار، كان الوزن أفضل وكانت والربحية التي ستحصل عليها أفضل”. نطاق الأصول التي تتراوح قيمتها بين 85 و150 مليار دولار هو الأكثر إشكالية للبنوك، “لأنك تدخل هذا المستوى الجديد بمزيد من المتطلبات التنظيمية”، لأجل المقارنة، حجم الأصول في كل من البنوك الأميركية الأربعة الكبرى يتخطى تريليون دولار.
فرص للمنافسين
يرى المنافسون من خارج القطاع المصرفي فرصة في متاعب البنوك متوسطة الحجم، وتزيد شركات الائتمان الخاصة، التي تعمل كمؤسسات ملكية خاصة لكنها تُقرِض الشركات بدل أن تشتريها، حجم مشاركتها في عالم التمويل الاستهلاكي.
وتشتري تلك الشركات قروضاً من البنوك بتخفيضات وتبني خزائنها استعداداً ليوم تتوقع فيه زيادة مبيعات القروض. قال غال كروبينر، الرئيس التنفيذي لشركة “باغايا تكنولوجيز”: “البنوك تبتعد… أما مديرو الأصول فيُقبِلون”.
تستثمر شركات الائتمان الخاص أيضاً السيولة عبر إقراض الشركات متوسطة الحجم، وهو نشاط هيمنت عليه سابقاً البنوك الإقليمية.
يُرجَّح أن يستمر هذا الوضع، لأن قواعد رأس المال الجديدة ستدفع البنوك إلى سلوك نهج محافظ أكثر في الإقراض.
خلال مكالمة إعلان الأرباح في يوليو، قال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ”جيه بي مورغان”، إن القواعد الجديدة ستجعل الشركات أمثال “بلاكستون” و”أبولو” حول العالم “ترقص طرباً”، لأن تلك القواعد لا تشملها، ويمكنها أن تُقرِض بحرية.
عند بعض البنوك، أموال شركات الائتمان الخاصة هي مجال عمل، إضافة إلى كونها جهة منافسة.
قال دونالد ماكري، رئيس قسم الخدمات المصرفية التجارية في “سيتيزنس فاينانشيال غروب” التي تملك أصولاً تفوق قيمتها 221 مليار دولار: “أموال شركات الائتمان الخاص مهمة لنا، فهي ليست فقط منافسةً لنا، بل إنها من عملائنا أيضاً”.
لا يزال ماكري يعتبر مؤسسات مصرفية مثل “سيتيزنس” جزءاً أساسياً من الاقتصاد.
وقال: “تلعب البنوك الإقليمية دوراً مهماً جداً في قطاع الأعمال الأميركي، فنحن نُقرِض عدداً هائلاً من الشركات متوسطة الحجم، ونحن البنوك التي تتعامل معها، وهي في غاية الأهمية للاقتصاد”.
المصدر: Bloomberg Business week