كما جرت العادة في معظم الأحيان لا نسمع عن الخلافات بين القادة العرب والدول العربية إلا عندما تتناولها وسائل الإعلام الغربية التي يفضل المسؤولون العرب تسريب هذه الأخبار لها وتوجيه رسائل عبرها، فيما وسائل الإعلام العربية إما تتحدث عن الأخوة والعلاقات الممتازة بين هذه الدول أو تلتزم الصمت.
آخر الأمثلة على ذلك ما يقال عن الخلاف بين المحمدين، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، حيث تصدر هذا الموضوع صفحات بعص الصحف الغربية مؤخراً، فماذا قالت هذه الصحف؟
صحيفة تلغراف البريطانية نشرت في الثاني والعشرين من الشهر الماضي تقريراً حمل عنوان “من رحلات التخييم إلى الجفاء، لماذا انقطع حبل الود بين أقوى صديقين في الشرق الأوسط” ، وتحدثت فيه عن الخلاف بينهما حيث نقلت عن صحيفة وول ستريت جورنال أن بن سلمان لم يتحدث إلى بن زايد منذ ستة أشهر، وأنه خلال لقاء غير رسمي له مع الصحفيين السعوديين هدد بفرض حصار على الإمارات شبيه بالحصار الذي فرضته الدول الخليجية على دولة قطر عام 2017 مهدداً: “سيرون ما يمكنني فعله”.
التنافس بين الحلفاء
ورغم نفي مسؤولي البلدين وجود خلاف بين الجانبين، والتشديد على أن العلاقة التي تربطهما قوية، نقلت الصحيفة عن مصدر مقرب من القيادة السعودية تأكيده أن التنافس بين الحلفاء المقربين ليس بالأمر الجديد، مشيرًا إلى الشراكة العاصفة أحيانًا بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وقال المصدر للصحيفة، إن العلاقة بين الدولتين الخليجيتين لا تزال مستقرة، لكنها قد لا تكون مريحة دائماً.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول أمريكي قوله “هذان الشخصان طموحان للغاية ويطمح كل واحد منهما أن يكون اللاعب الأساسي في المنطقة”.
صحيح أن البلدين لا يزالان يتعاونان في أكثر من منطقة وملف حسب مسؤولين خليجيين وأمريكيين تحدثت إليهم الصحيفة، لكن كلاهما لا يشعران بالارتياح من أن يتبوأ الآخر نفس المكانة التي يتمتع هو بها.
ولعل ما يؤكد وجود جفاء بين الزعيمين غياب السعودية عن قمة أبو ظبي التي دعا إليها محمد بن زايد والتي عقدت في 18 يناير/ كانون الثاني من العام الجاري تحت عنوان “الازدهار والاستقرار في المنطقة”، وضمّت القمة قادة أربع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، هي الإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عمان، إلى جانب الرئيس المصري وملك الأردن.
كما تغيبت الكويت أيضاً عن حضورها.
من جانبه تغيب محمد زايد عن حضور القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية في 19 مايو/أيار 2023، إذ ترأس وفد الإمارات إليها نائب رئيس دولة الإمارات منصور بن زايد، مالك نادي مانشستر سيتي الإنجليزي لكرة القدم.
إن وصول محمد بن سلمان إلى مرحلة الحاكم الفعلي للسعودية كان دونها العديد من التحديات الداخلية والخارجية، ومن هنا كانت حاجته إلى حليف يمكنه تقديم العون والمساعدة له خلال المراحل الأولى من صعوده إلى قمة هرم الحكم.
في عام 2013 وقع البلدان اتفاقية تعاون أمني في مجال الاستخبارات وتطبيق القانون.
وقالت صحيفة واشنطن بوست في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2012 إن دولة الإمارات تجسست على المعارضين السعوديين في الخارج وأرسلتهم إلى السعودية – حسبما نقلت الصحيفة عن منظمات حقوقية وكما تبين في أوراق الدعوى المرفوعة في الولايات المتحدة نيابة عن أحد نشطاء حقوق الإنسان المسجونين في السعودية.
وأكدت الصحيفة أن دولة الإمارات اخترقت هاتف زوجة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حنان العتر التي كانت تعمل مضيفة في طيران الإمارات وهو ما نفته الإمارات.
وحسب الصحيفة، ألقت السلطات الإماراتية القبض على العتر وحققت معها لأيام وكان محور التحقيق علاقتها بخاشقجي.
وصادرت منها هاتفيها الخلويين وجهاز الكومبيوتر الذي كان بحوزتها وأعادت لها الأجهزة بعد عدة أيام من إطلاق سراحها لكن بعد زرع برنامج التجسس الإسرائيلي بيغاسوس فيها، وذلك قبل أشهر من مقتل خاشقجي.
بعد فترة قصيرة من تولي محمد بن سلمان منصب وزير الدفاع عام 2015 أطلقت السعودية حملة عسكرية بالتعاون مع الإمارات وقطر ضد المسلحين الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة اليمنية صنعاء وطردوا منها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والموالية للسعودية.
كانت السعودية بحاجة إلى غطاء عربي لهذه الحرب وهو ما وفرته الإمارات لها عبر إرسال قوات برية للقتال ضد الحوثيين وتقديم المال والسلاح للمجلس الانتقالي الجنوبي.
كما لعب محمد بن زايد دورا ملموسا في فتح أبواب البيت الأبيض أمام الأمير السعودي بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم في عام 2017.
وحتى خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية عام 2016 كان سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة يقود حملة علاقات عامة في الدوائر المقربة من الرئيس ترامب لصالح بن سلمان.
فقد كتب العتيبة عام 2016 إلى توم براك، عضو حملة ترامب الانتخابية ورجل الأعمال الأمريكي المقرب من الإمارات قائلاً: ” إن محمد بن سلمان (أم بي أس) يثير الإعجاب جداً”، في مسعى لترتيب لقاء بين بن سلمان ومسؤولي حملة ترامب الانتخابية، حسب ما قالت صحيفة نيويورك تايمز في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018.
وبعد شهر من الانتخابات وصل محمد بن زايد إلى الولايات المتحدة والتقى بصهر ترامب وموفده إلى الشرق الأوسط جاريد كوشنر وأثنى أمامه على بن سلمان كقائد شاب واعد حسبما نقلت الصحيفة عن شخص حضر اللقاء.
وتكللت الجهود الإماراتية باستقبال ترامب لبن سلمان في البيت الأبيض في شهر 14 مارس/ آذار 2017 بعد أسابيع قليلة من دخوله البيت الأبيض.
كما كانت السعودية أول بلد أجنبي يزوره ترامب حيث زارها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 وأقيم له استقبال حافل أعلن خلاله عن توقيع عقود عسكرية بعشرات المليارات من الدولارات.
وحسب صحيفة تلغراف البريطانية فإن الإمارات ساهمت في الترتيب لتلك الزيارة.
أزمة مقتل جمال خاشقجي
لكن أخطر أزمة واجهتها السعودية وتحديداً ولي العهد السعودي كانت تلك المتعلقة بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل مبنى القنصيلة السعودية في إسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 الأمر الذي أثار ردود فعل عالمية غاضبة.
وفرضت الدول الغربية ما يشبه عزلة دبلوماسية على السعودية، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على عدد من المسؤولين السعوديين لدورهم في مقتل خاشقجي.
لكن الحرب في أوكرانيا التي تسببت في ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط والغاز أنهت هذه العزلة الدبلوماسية حيث اضطرت الدول الغربية إلى طلب مساعدة السعودية لزيادة إنتاج النفط للتعويض عن إمدادات النفط والغاز الروسيين اللذين كانا مصدرين أساسيين للطاقة بالنسبة للدول الأوروبية.
وتكللت نهاية هذه المرحلة العصيبة بزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للرياض في 15 فبراير/ شباط 2022.
كما قام بن سلمان بزيارة عدد من الدول الغربية.
وكذلك، عادت العلاقات بين تركيا والسعودية إلى سابق عهدها حيث تبادل بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزيارات، وتم طي صفحة الخلاف والأزمة التي نشبت بين البلدين بسبب مقتل خاشقجي.
عودة المنتصر
بات بن سلمان في موقف أقوى على الساحة الدولية بسبب حاجة الغرب إلى الدعم السعودي لاستقرار سوق الطاقة حيث تملك السعودية طاقة إنتاج فائضة ويمكنها سد العجز في سوق النفط، ولأنها قوة إقليمية لا يستهان بها وشريك تجاري مهم للغرب.
الغرب الذي بات يرى في الصين أكبر تحد عسكري واقتصادي له ويركز جل جهوده للتعامل مع هذا التحدي، ربما أدرك أن سياسة النأي بالنفس عن التعامل مع محمد بن سلمان قد تؤدي إلى تقوية النفوذ الصيني في الشرق الأوسط وتقوية العلاقات بين السعودية والصين على حساب المصالح الغربية وتعزيز تحالف الأنظمة الأوتوقراطية حول العالم في مواجهة الغرب.
نجح ولي العهد السعودي في نسج علاقات مثمرة ومفيدة مع الصين وروسيا والهند بينما عادت علاقات بلاده مع الغرب إلى سابق عهدها ويمكن القول إن بن سلمان أصبح في موقف أقوى ولم يعد بحاجة إلى مساعدة الإمارات لفتح الأبواب الموصدة أمامه.
لا يرجح أن نرى حرباً إعلامية أو سياسية بين الإمارات والسعودية كتلك التي قادتها السعودية والإمارات ومصر ضد قطر قبل سنوات قليلة لأن ذلك يعني نهاية مجلس التعاون الخليجي، ولأن مثل هذه المواجهة ستضر بمصالح البلدين ولن تسمح الولايات المتحدة بها لأنهما حليفان أساسيان للولايات المتحدة في منطقة تعيش على وقع صراعات وحروب مستمرة منذ عقود.
في حلبة التنافس على زعامة الشرق الأوسط ولعب دور القيادة في الإقليم هناك عدد من الدول التي تتسابق على ذلك.
هناك تركيا وإيران والسعودية وهذه الدول تملك من الإمكانات والقوة العسكرية والنفوذ الإقليمي والتحالفات الدولية ما يؤهلها للقيام بهذا الدور.
لكن في حال وجود تنافس بين السعودية والإمارات على لعب دور الزعامة في منطقة الشرق الأوسط فإن الكفة في صالح السعودية التي تتمتع بإمكانات مالية واقتصادية أكبر ووضع جيوسياسي أفضل.
فإذا كان هناك فراق بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، فما هي الملفات والقضايا التي سببت الفرقة غير المعلنة بينهما؟ هل هي الحرب المجمدة مؤقتا في اليمن أم الحرب المستعرة في السودان أم التنافس على استقطاب الاستثمارات وكبريات الشركات الدولية، أم العلاقة مع إيران، أم كل هذه الملفات والقضايا؟
هل التنافس بينهما ذو طابع شخصي لكونهما شخصيتين طموحتين للغاية حسبما نقلت الصحف عن مسؤول أمريكي ولا يرضى أحدهما بأن يكون له منافس إقليمي؟
المصدر: BBC