تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون استيراد كميات كبيرة من الوقود النووي من روسيا، ما يوفر لروسيا عائدات بمئات الملايين من الدولارات، على الرغم من العقوبات التي فرضها الغرب على مجالات أخرى في موسكو بسبب غزو أوكرانيا.
وباعت روسيا بحوالي 1.7 مليار دولار من الوقود النووي والمنتجات الأخرى النووية للشركات في الولايات المتحدة وأوروبا، وفقاً لبيانات التجارة، في الوقت الذي يشدد فيه الغرب عقوباته ضد موسكو رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.
وفرض الغرب عقوبات صارمة على الواردات الروسية، في محاولة لعزل موسكو وإضعاف اقتصادها، شملت النفط والغاز وحتى منتجات غذائية مثل الكافيار، غير أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين لم يستهدفوا واردات الوقود النووي الروسي.
وتعمل روسيا على تخصيب أكثر من 40% من حجم اليورانيوم في العالم، وما زالت تمد المفاعلات النووية الأميركية، البالغ عددها 93 مفاعلاً، بنحو ربع الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء، بحسب “بلومبرغ”.
هيمنة روسيا
وتعتمد الدول الغربية بشكل كبير على روسيا في وارداتها من الوقود النووي نظراً لهيمنة روسيا على السوق، ويهدد حظر الواردات الروسية بتعطل عمل محطات الطاقة النووية في أوروبا والولايات المتحدة.
وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، زودت روسيا صناعة الطاقة النووية الأميركية بحوالي 12% من اليورانيوم الذي استخدمته في 2022، فيما أفادت أوروبا بحصولها على حوالي 17% من احتياجاتها من اليورانيوم من روسيا في العام ذاته، بحسب وكالة إمداد الطاقة النووية التابعة للاتحاد الأوروبي (يوراتوم).
وبلغت قيمة الوقود النووي الروسي والمنتجات التي تم تصديرها إلى الولايات المتحدة 871 مليون دولار العام الماضي، مقابل 689 مليون دولار عام 2021 و 610 ملايين دولار عام 2020، وفقاً لمكتب الإحصاء الأميركي.
ومن حيث الكمية، تضاعفت واردات الولايات المتحدة من منتجات اليورانيوم من روسيا من 6.3 طن تقريباً عام 2020 إلى 12.5 طن عام 2022، وفقاً لبيانات التجارة من شركة “ImportGenius” الأميركية.
وأنفقت أوروبا ما يقرب من 828 مليون دولار، العام الماضي، لشراء منتجات الطاقة النووية من روسيا، بما في ذلك عناصر الوقود والمفاعلات النووية والآلات، وفقاً لمكتب الإحصاء الأوروبي Eurostat.
وتجد أوروبا نفسها مجبرة على الاعتماد على روسيا في إنتاج الطاقة النووية، نظراً لاستخدام 5 دول أوروبية 19 مفاعلاً روسية التصميم، تعتمد بشكل كامل على الوقود النووي الروسي، ولدى فرنسا أيضاً تاريخ طويل في الاعتماد على اليورانيوم الروسي المخصب.
وأفادت منظمة “غرين بيس”، في تقرير نُشر في مارس الماضي، نقلاً عن قاعدة بيانات الأمم المتحدة (كومتريد)، أن الواردات الفرنسية من اليورانيوم المخصب من روسيا زادت من 110 أطنان عام 2021 إلى 312 طناً عام 2022
يأتي ذلك في وقت يتزايد فيه الاهتمام العالمي بإنتاج الطاقة النووية النظيفة بدلاً من الاعتماد على الوقود الأحفوري، ضمن مساعي لتخفيف الانبعاثات، وهو ما يمنح روسيا خط عائدات مستدام.
وتستورد معظم البلدان الـ30 المنتجة للطاقة النووية في الوقت الحالي، مواد مشعة من شركة “روساتوم” الروسية للطاقة النووية، التي تعتبر أكبر مصدر للمفاعلات والوقود النووي في العالم.
أين تذهب العائدات الروسية؟
وكشف إحصاء لمعهد الخدمة الملكي المتحد في لندن أن حجم صادرات “روساتوم” من الوقود النووي والمواد المرتبطة بالطاقة النووية، بلغت 2.2 مليار دولار في 2022، فيما رجح المعهد أن يكون الرقم أكبر من ذلك، نظراً لصعوبة تعقب مثل هذه الصادرات.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “روساتوم” أليكسي ليخاتشيف، لصحيفة “Izvestia” الروسية إن الشركة تستهدف بلوغ حجم تعاملاتها التجارية مع الخارج 200 مليار دولار خلال العقد المقبل.
وتثير المبيعات الروسية من الوقود النووي، والتي تعتبر قانونية وغير خاضعة للعقوبات، قلق خبراء في مجال منع الانتشار النووي، الذين يقولون إن الواردات تساهم في تمويل وتطوير ترسانة موسكو النووية وتعقيد جهود الحد من قدرات روسيا على تمويل الحرب في أوكرانيا، بحسب “أسوشيتد برس”.
وقال هنري سوكولسكي، المدير التنفيذي لمركز تعليم سياسة منع الانتشار في واشنطن: “لماذا علينا أن نعطي المال للأشخاص الذين يصنعون الأسلحة؟ هذا أمر غير معقول”.
وبحسب تقرير لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تستخدم عائدات شركة “روساتوم” في تمويل أنشطتها الأخرى المتعلقة بتصميم وإنتاج الأسلحة النووية لروسيا.
تحرك غربي
وفي أبريل الماضي، تعهدت القوى النووية في “مجموعة السبع” بإنهاء هيمنة روسيا على أسواق الوقود النووي العالمية، على الرغم من صعوبة التوصل إلى اتفاق بسبب التداعيات المتوقعة على القطاعات النووية الغربية.
وتعهدت كندا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، خلال مؤتمر بشأن قطاع الطاقة النووية عُقد على هامش الاجتماع الوزاري لمجموعة الدول السبع في اليابان، بالتعاون للإطاحة بروسيا من سلاسل التوريد النووية العالمية.
وقالت “بلومبرغ” إن التعهد الغربي “قد يؤدي إلى قطع مصدر هام للعملات الأجنبية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أكثر من عام من غزو أوكرانيا”.
وتدرس الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون فرض عقوبات صارمة على القطاع النووي الروسي منذ أكثر من عام، لكنهم يجدون صعوبة في التوصل إلى اتفاق، ويكمن القلق في أن عزل قطاعاتهم النووية عن الإمدادات الروسية “سيكون مؤلماً للغاية من الناحية الاقتصادية”.
وقال دان بونمان، الرئيس التنفيذي لشركة “سينتروس إنرجي” التي تعمل على إعادة تشغيل صناعة تخصيب اليورانيوم في الولايات المتحدة، للوكالة: “لقد تركنا أنفسنا نعتمد على مصادر إمداد قليلة للغاية”.
وأضاف: “سيستغرق الأمر 4 أو 5 سنوات لاستبدال تلك القوة التي أصبح العالم يعتمد عليها”.
المصدر: الشرق