يستعد يعقوب ذاكرييف، ابن شقيقة الزعيم الشيشاني رمضان قديروف الثلاثيني المقرّب، الذي سبق أن شغل منصب وزير الزراعة في جمهورية الشيشان وعمدة عاصمتها غروزني، ليرأس تابعة مجموعة “دانون” لإنتاج الألبان في روسيا، فقد عينته حكومة روسيا في هذا المنصب إثر قرار الرئيس فلاديمير بوتين في 16 يوليو بتأميم أصول شركة الألبان الفرنسية.
زار ذاكرييف، 32 عاماً، مقرّ الشركة في موسكو ليلتقي طاقم العمل وليتعرف على شركته الجديدة، بحسب مصدر مطّلع على الاجتماع الذي حصل في وحدة “دانون” الروسية السابقة، طلب عدم كشف هويته بسبب حساسية المسألة.
في غضون ذلك، تتحسّب الشركات الغربية التي ما تزال تعمل في روسيا لاحتمال أن تلاقي المصير عينه، إذ تواجه شركات صناعة السلع الاستهلاكية من “بيبسي” إلى “مارس” و”نستله” و” ريكيت بنكيزر” التي غزت الأسواق الروسية قبل عقود واستثمرت ملايين الدولارات في بناء المصانع وتوظيف السكان المحليين وتطوير العلامات التجارية المحلية، خطر فقدان كلّ شيء.
قالت أليكسندرا بركوبينكو، الباحثة غير المقيمة في مركز “كارنيغي روسيا أوراسيا” في برلين: “لم تعد الأصول الغربية في روسيا آمنة… هذه جبهة جديدة في الحرب، وإذا ذهب الكرملين إلى أبعد من ذلك، يعني ذلك العودة إلى التسعينات، أي إعادة توزيع الأصول إلى مالكين من ذوي الحظوة”.
تعزيز موقع بوتين
وقع بوتين في أبريل على مرسوم يجيز للحكومة السيطرة مؤقتاً على أصول شركات وأفراد من الدول غير الصديقة، وتضمّ الولايات المتحدة وحلفاءها، رداً على خطوات مشابهة أو على التلويح بذلك في تلك الدول، ومع ذلك، صدمت مصادرة عمليات “دانون” وعمليات شركة الجعة “كارلسبيرغ” (Carlsberg) الأسبوع الماضي مالكيها الأوروبيين الذين كانوا يخططون لبيع عملياتهم في روسيا إلى شركات روسية، تحت وطأة ضغوط المساهمين الغربيين وحكومات بلادهم.
يمكن لتوزيع الأصول القيّمة على رجال الأعمال الروس المتنفذين والحلفاء السياسيين أن يساعد على تعزيز قاعدة قوّة بوتين في أعقاب محاول التمرّد المحرجة التي قام بها قائد المرتزقة يفغيني بريغوجين في يونيو.
وقال وليام بوميرانز، مدير معهد “كينان” التابع لمركز “ويلسون” في واشنطن: “سيعمد بوتين في إطار سعيه للحفاظ على السلطة إلى تقسيم كثير من الأصول الاقتصادية في روسيا وتوزيعها على أتباعه لتدعيم مكانته السياسية”.
رفض متحدثون باسم “دانون” و”نستله” و”بيبسي” و”ريكيت” و”يونيلفر” الإدلاء بتعليق عند إعداد هذا التقرير، ولم تستجب “مونديليز” لطلب التعليق.
تبحث الشركات متعددة الجنسيات المتوجسة من المستقبل مع مستشاريها عن أدلة حول الأسباب الكامنة خلف استهداف الكرملين لتابعتي “دانون” و”كارلسبيرغ”، إذ تملك كلتا الشركتين علامات تجارية واسعة الشعبية يمتد تاريخها في روسيا لعقود.
لبن “بروستوكفاشينو” الرائب من “دانون” هو العلامة التجارية رقم واحد في مجال الألبان في روسيا، كما أن جعة “بالتيكا” من “كارلسبيرغ” منتج رائد آخر، حيث طُرحت هذه العلامة التجارية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحوّلت لاحقاً إلى إحدى أشهر أنواع الجعة في البلاد، ومنافسة قوية على الصعيد الأوروبي.
عينت الحكومة الروسية رئيساً جديداً للشركة في يوليو هو تيموراز بولييف، الذي سبق وقاد الشركة لأكثر من عقد في السابق حتى 2004، وهو أيضاً زميل لبوتين في نادٍ للجودو.
أصول أجنبية مجانية
يُرجح أن تستقطب العلامات التجارية القوية المتأصلة في روسيا التي تملكها شركات أجنبية جلّ اهتمام حلفاء بوتين، ومنها “بيبسي” التي اشترت شركة “ويم بيل دان للألبان والعصائر”الروسية مقابل 3.8 مليار دولار في 2011، لتصبح بذلك أكبر شركات المواد الغذائية والمشروبات في روسيا، وتعتمد بشدّة على الإنتاج المحلّي.
في حال كان المتنفذون الذين يتولّون الأصول الأجنبية المصادرة يملكون خبرة سابقة في القطاع، فذلك سيدعم موقف الحكومة ويبرر توليتهم هذه المسؤولية، بحسب نابي عبدلاييف، الشريك في الشركة الاستشارية المتخصصة بالشؤون الأمنية “كونترول ريسكس”في لندن.
قال عبدلاييف: “الشركات المحلية تماماً، التي لا تعتمد على تقنيات أو معدّات من خارج البلاد، ستخضع على الأرجح لإدارة من خارجها”.
تراقب شركات مثل مجموعة “ريكيت بنكيزر” التي تصنع واقيات “ديوركس” المصادرات عن كثب، فمثل “كارلسبيرغ” و”دانون” كانت أعربت عن عزمها مغادرة روسيا تماماً وهي تسعى للبيع، في حين أن “ريكيت” كشفت عن خطتها في أبريل 2022، لم يعد واضحاً الآن ما الذي قد يدفع حلفاء بوتين لشراء أي أصول أو الموافقة على أي من شروط إعادة الشراء إذا كان هناك احتمال أن يتمكنوا من السيطرة على الشركات التي تملكها جهات أجنبية مجاناً.
قال بروكوبينكو: “تغير نهج الكرملين، في الماضي كان يمكن للأجانب المغادرة وكان لا بدّ من تعويضهم، الآن تخلّت روسيا عن الشكليات وقررت أن تأخذ الأصول مجاناً”.
ينصح محامون، ومنهم ديفيد بينكسي، الشريك في شركة المحاماة “كوفينغتون وبورلينغ”، الشركات بأن تجعل ملكية أعمالها في روسيا عبر دول لديها اتفاقيات استثمارية قوية مع موسكو، وفي هذا الإطار، تستطيع “دانون” أن تحاول استخدام اتفاقية الاستثمار الثنائية بين روسيا وفرنسا لتطالب بتعويض عن أصولها المصادرة.
لكن المسار القضائي لن يساعد كثيراً في طمأنة الشركات الأجنبية، نظراً لتاريخ روسيا في عرقلة تنفيذ الأحكام الصادرة في قضايا مماثلة، حصل المساهمون السابقون في “يوكوس”، التي كانت أكبر شركة نفط في روسيا، على حكم قضائي لتعويضهم بمبلغ 50 مليار دولار بعدما صادرت موسكو الشركة في 2014، إلا أن روسيا طعنت في صلاحيات المحكمة ولم تسدد أي مبلغ حتى الآن.
تداعيات المدى الطويل
من ناحية أخرى، لا يبدو أن البقاء في روسيا يستحق العناء، إذ يُحظر على الشركات متعددة الجنسيات تحويل أرباحها إلى الخارج لأن ذلك يتطلب موافقة الكرملين، كذلك، فإن أي تقليص في عدد الموظفين أو تخفيض للعمليات قد يسترعي انتباهاً سلبياً من الكرملين.
برغم أن “كارلسبيرغ” قالت الأسبوع الماضي إن الاستيلاء على عمليات “بلتيكا” لم يكن متوقعاً، إلا أنها كانت قد حذّرت المستثمرين في فبراير من خطر احتمال تأميم روسيا للشركات لإبقاء معدلات العمالة عند مستويات ما قبل الحرب إذا ما اشتبهت بتعمد خفض قيمة الشركة.
يعني ذلك أن الشركات التي تعهدت للمساهمين الغربيين بخفض عملياتها قد تكون مستهدفة، وكانت “مونديليز انترناشونال ” صانعة شوكولا “ألبين غولد” قالت إنها خفضت إلى حدّ كبير عدد منتجاتها المباعة في روسيا في 2023، فيما انخفض حجم الإنتاج بما يفوق عُشره منذ يناير.
كما خفّضت “يونيلفر” كميات منتجاتها المباعة في روسيا 15% عام 2022، وقد رفض رئيس “يونيلفر” التنفيذي الجديد هاين شوماخر التعليق خلال اتصال مع الصحافيين في 25 يوليو على وضع “كارلسبيرغ” و”دانون” تحديداً، إلا أنه قال: “في ظلّ المعلومات المتوفرة لديّ وأيضاً التطورات الأخيرة في روسيا، نستنتج أنه لا توجد خيارات جيدة، لكن الخيار الأخير القائم على تشغيل الشركة تحت القيود هو الأقل سوءاً، وهذا ما نفعله حالياً”.
في المقابل، يتحدّث آخرون عن خطّ فاصل رفيع بين التعامل مع الرأي العام والحفاظ على رضا الكرملين.
مثلاً، توقفت “نستله” عن إنتاج ألواح شوكولا “كيت كات” ومسحوق الشوكولا بالحليب “نسكويك” في معاملها في روسيا، ولكنها تستمر في صنع علامات تجارية محلية مشابهة وبيعها في البلاد.
كذلك، توقفت “بيبسي” عن إنتاج مشروبات “بيبسي” وسفن أب” و”ماونتن ديو” في روسيا، واستبدلتها بأخرى تحت أسماء علامات تجارية محلية.
لم يطرأ أي تغيير يذكر في أسعار أسهم “كارلسبيرغ” بعد الاستيلاء على أصولهما في روسيا، ما يؤشر إلى أن المستثمرين كانوا قد قيّموا الأسعار بما يعكس السيناريو الأسوأ الذي قد تواجهه الشركات الأجنبية التي ما تزال تعمل في روسيا، إلا أن موسكو قد تواجه تداعيات على المدى البعيد.
بيّن بوميرانز، أن هذه الإجراءات ستضر روسيا إذا كانت ترغب باستقطاب المستثمرين الأجانب مجدداً في المستقبل.
وقال: “ذاكرتهم طويلة الأمد، ولن ينسوا كيف استحوذت الحكومة الروسية على أصولهم دون تعويض… لا تستوعب روسيا الضرر الذي تسببه لنفسها”.
المصدر: Bloomberg Business week