تواجه استراتيجية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إفريقيا مزيداً من التدهور، وخطر فقدان مكانة فرنسا في القارة، بعد فشل رهانه على النيجر، بحسب ما أفادت “بلومبرغ” في تقرير، الثلاثاء.
قبل أسبوعين، وقفت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا بجانب رئيس النيجر محمد بازوم في العاصمة نيامي، معلنة عن دور بلادها كشريك رئيسي للنيجر، وتعهدت بتقديم مساعدات مالية جديدة، ولكن الآن، يُحتجز بازوم من قبل قادة عسكريين بعد انقلاب الأسبوع الماضي.
وتحتل النيجر أهمية كبيرة لفرنسا، وتحافظ معها على علاقات تجارية وثقافية وثيقة، كما أصبحت أيضاً القاعدة الرئيسية للقوات الفرنسية التي تحارب المتشددين في المنطقة، بعد انسحابها من مالي.
ومع ذلك، تواجه باريس احتجاجات محلية وانتقادات بسبب وجودها المستمر في مستعمراتها السابقة، مع تفاوت درجات التأثير فيها، في حين تزيد روسيا من نفوذها في المنطقة.
والثلاثاء، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن خططها لإجلاء الرعايا الفرنسيين من النيجر جارية، وأن التنفيذ سيبدأ قريباً، وسط موجة من العداء للوجود الفرنسي في البلاد.
فرنسا كقربان
وقال موسى مارا، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في مالي تحت إدارة إبراهيم بوبكر كيتا، الرئيس الذي أطيح به في انقلاب عام 2020: “يجب على الفرنسيين أن يبقوا هادئين، أن يكونوا صامتين قدر الإمكان، كل كلمة ينطقون بها يتم استخدامها ضدهم”، مضيفاً: “ولكنها العقلية الفرنسية، للأسف، فهم لا يستطيعون البقاء صامتين”.
وأشار إلى أن “فرنسا أصبحت نوعاً من القربان، حيث يسلط القادة الضوء على أخطاء وسلوك فرنسا، لتحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية”.
وكان ماكرون يعول على النيجر لإعادة صياغة استراتيجيته في منطقة الساحل، وهي منطقة قاحلة تمتد عبر دول عدة في غرب أفريقيا. وتمثل هذه المنطقة أيضاً محور طموح الرئيس الفرنسي لبناء جسور بين الدول المتقدمة وجنوب العالم.
وهاجم الانقلابيون في النيجر السلطات الفرنسية، واتهموها بالتخطيط للتدخل من أجل إعادة بازوم للحكم، وأيضاً بالتخطيط لاستخدام القوة للدفاع عن سفارتها، بعد أن حرق متظاهرون أحد أبوابها وهاجموها، وهو ما نفته فرنسا.
وأقدمت الحكومة الفرنسية، التي لديها 1500 جندي متمركز في النيجر، على تعليق المساعدات التي بلغت 132 مليون دولار العام الماضي، وحذرت من أنها سترد بالمثل إذا تعرض أي من مواطنيها للهجوم.
ودعم ماكرون منظمة “إيكواس”، التي حذرت من إمكانية لجوئها للقوة العسكرية لإبعاد الانقلابيين، إذا لم يتم إعادة الرئيس المنتخب ديمقراطياً.
اختلاف النهجان الفرنسي والأميركي
وفي خطوة تشير إلى حساسية وجود القوات الفرنسية في إفريقيا، هاجم وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورني الفيلم السينمائي “Black Panther: Wakanda Forever” من إنتاج استوديوهات مارفل، بسبب إظهاره للجنود الفرنسيين على أنهم مرتزقة يسرقون الموارد.
وقال سيديك آبا، رئيس “المركز الدولي للدراسات حول الساحل”، وهو مركز أبحاث، إن شراكة نيامي مع باريس لم تحقق النتائج التي كان شعب النيجر يتوقعها، رغم وجود آلاف القوات والمنشآت العسكرية الكبيرة.
وأشار إلى وجود اختلافات في النهج والأهداف مقارنة بالولايات المتحدة.
وتابع: “الفرنسيون، على عكس الأميركيين على سبيل المثال، جاءوا هنا لمطاردة المتمردين”، مضيفاً أن “الولايات المتحدة تركز على الوضع في المغرب العربي، وعلى مراقبة تجارة المخدرات في الشمال، وتدريب القوات الخاصة النيجرية”.
وقالت ريم ممتاز، وهي باحثة من باريس في “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية”، إن “نمطاً جديداً آخذ في التبلور، إذ أعقب الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والآن النيجر، هجمات على السفارات الفرنسية ومبان أخرى، بالإضافة إلى رفع الأعلام الروسية، والمطالبة بانسحاب القوات التي كانت حاضرة بدعوة من الحكومات الشرعية”.
ومالي، الدولة التي كانت خاضعة سابقاً للاستعمار، قامت بالتخلص من اللغة الفرنسية كلغة رسمية في الأيام الأخيرة.
حزام الأنظمة العسكرية
وينشئ الانقلاب في النيجر حزاماً من الدول التي تديرها الجيوش، يمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر. ومعظم هذه الدول لها ميولات أقرب لروسيا منها إلى الغرب.
والنيجر كانت من الأصوات النادرة في إفريقيا التي أدانت الغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة.
ولمجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية صلات أمنية مع مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، حيث كانت فرنسا تتمتع بنفوذ كبير هناك، مما يؤكد تزايد تأثير موسكو في المنطقة. كما نقلت “بلومبرغ” عن مصادر مطلعة قولها، إن الحكام العسكريين في بوركينا فاسو الذين طردوا القوات الفرنسية أيضاً، أجروا محادثات أيضاً مع “فاغنر”.
وفي يونيو، شارك محمد بازوم في قمة عُقِدت بقيادة ماكرون في باريس بهدف إعادة توازن العلاقة المالية بين الدول الغنية والفقيرة. وقبل أسبوعين في نيامي، أشادت كاترين كولونا وزيرة خارجية فرنسا بالعلاقة مع النيجر، مشيرةً إلى أنها “تحتاج إلى تعزيزها واستمرارها”.
وينظر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى النيجر، أكبر منتج لليورانيوم في إفريقيا وأكبر مورد للشركات الأوروبية، كشريك موثوق به في منطقة الساحل التي تعاني من التدهور السياسي والاقتصادي.
ويحاول ماكرون تعزيز التواصل مع شركاء جدد في إفريقيا غير ناطقين باللغة الفرنسية، ويحض المجتمع المدني على الدفاع عن مصالح فرنسا في المنطقة بشكل أفضل، خصوصاً وأن فقدان شركائه التقليديين قد يكون له تأثيرات كبيرة على موقف فرنسا دولياً.