أكثر من 20 عاما، قضتها الأردنية كريستين فضّول كمحامية وحقوقية ناشطة في قطاع العدالة والدفاع عن الطفولة، والنساء، وحل النزاعات الأسرية، قبل أن يُحدِث تعيينها كأول قاضية كنسية في الأردن بيونيو/حزيران 2020، تحوّلا جذريا في تاريخ القضاء الكنسي في البلاد إلى جانب قضاة مدنيين من الرجال في محكمتي بداية واستئناف الروم الأرثوذكس لأول مرة.
وتُوّجَت مسيرة فضّول بهذا التعيين في المحكمة، بعد سنوات من المناداة بتطوير منظومة التشريعات الكنسية في البلاد، إذ أفضت التعديلات الدستورية في عام 2011 إلى تعديل قانون مجالس الطوائف المسيحية لاحقا في عام 2014 بشكل موسّع.
قانون مجالس الطوائف
وسمح قانون مجالس الطوائف للمرة الأولى حينها، للرئيس الروحي الأعلى لكل طائفة، بالتنسيب لتعيين قضاة مدنيين في المحكمة الكنسية بعد أن كانت حصرا لرجال الدين، وكانت فّضول المرأة الوحيدة إلى جانب قاضٍ مدني قد تم تعيينهما في محكمة الاستئناف، فيما عُينت قاضية مدنية في محكمة البداية، وجاء ذلك كأول تعيينات مدنية ونسائية في تاريخ القضاء الكنسي في البلاد، بعد سنوات من نفاذ قانون مجالس الطوائف.
وتقول فضول في مقابلة مع موقع CNN بالعربية، إنها كانت من أوائل المحاميات المختصات في القانون الكنسي منذ عام 1999، بعد أن أنهت دراستها للقانون في جامعة بيروت العربية، وعملت أيضا رئيسة لقسم حقوق المرأة وقسم الشكاوى في المركز الوطني لحقوق الإنسان.
وترى فضّول أن هذا التعيين يُعتبر نقلة نوعية في القضاء الكنسي بعد دخول محامين وامرأة كقضاة، لاعتبارات تتعلق بالاختصاص القانوني وتطبيق معايير حقوقية وقانونية في القضايا.
محطة مفصلية في القضاء الكنسي
وشاركت فضول إلى جانب 4 محامين رجال في لجنة تعديل قانون العائلة البيزنطي، ووضع مقترح قانون الأحوال الشخصية للأرثوذكس في عام 2018 بقرار من رئيس أساقفة الكنيسة، كما كانت من مؤسسي حركة “محاميات نحو التغيير” في عام 2019 للدفاع عن تطوير القوانين الكنسية.
وتتطلع فضّول كغيرها من القضاة والحقوقيين اليوم، إلى إقرار قانون الأحوال الشخصية المرتقب الذي يمر بمراحله الأخيرة لدى المجمع المقدّس في مدينة القدس، ويرأسه بطريرك الأراضي المقدسة وسائر أعمال فلسطين والأردن باعتباره أعلى سلطة رئاسية للكنيسة، إذ سيشكّل العمل به محطّة مفصلية متقدمة في القضاء الكنسي للطائفة المسيحية الأكبر في البلاد، وفقًا لما ذكرته.
وخلال هذه المسيرة المتجددة، تعتقد فضّول أن تغيير قناعات المجتمع من أصعب التحدّيات التي واجهتها في عملها، خاصة عندما يتعلق الأمر “بالأحكام الأسرية في مواجهة بعض الموروثات الاجتماعية”، مشيرة إلى أنها أخذت على عاتقها الاستمرار في مواجهة أي معارضة في سبيل تحسين حياة الأسر المسيحية اقتصاديا واجتماعيا من خلال التشريعات.
أما فيما يتعلق بإصرارها على التغيير، تقول فضوّل: “إيماني المطلق بالتغيير الإيجابي، كان حافزا لي بالاستمرار في الدفاع عن المساواة في الحقوق وتطوير التشريعات، رغم عدم تقبل البعض خوضي مضمار القانون الكنسي..والآن قطعنا شوطا كبيرا في ذلك”.
وعن أثر تعيينها وزملائها القضاة في محكمتي البداية والاستئناف للروم الأرثوذكس بعد مرور 3 سنوات من العمل، تُوضح فضّول أن العديد من الممارسات الحقوقية تم تطبيقها خلال البت بالقضايا في إطار المعايير الدولية وأحكام النظام العام.
سابقة في المنطقة
ومن تلك الممارسات الحقوقية بحسب ما ذكرته، تعويض الطرف المتضرر من الطلاق، ورفع سن الحضانة وسن الزواج إلى 18 عاما، مؤكدة أن كل هذه المعايير فصّلها مشروع قانون الأحوال الشخصية المنتظر بشكل واضح.
ومن المعايير التي ينص عليها المشروع أيضا، السماح بالتبني للعائلات المسيحية بالطائفة، وهو ما يعد انفراجة كبيرة للعائلات المحرومة من الأطفال وكذلك الأيتام، حيث لا يسمح القانون الوطني سوى “بالاحتضان” للعائلات المسلمة.
وتُوضح فضّول، أن “هذا التعديل من شأنه أن ينقذ الأيتام في الأديرة والعائلات المحرومة من رعاية أطفال فقدوا ذويهم وفق شروط قانونية محددة، بدلا من التحايل على القانون وإحضار ورعاية أطفال من الخارج”.
أما فيما يتعلق بقانون الإرث المسيحي في الأردن، فقد تم التوافق على صيغته المقترحة من الطوائف المسيحية الـ11 المعتمدة في المملكة هذا العام وفقا لما ذكرته فضّول، قائلة إن هذا التوافق هو “سابقة في المنطقة” ودول الجوار، لأنه سيطبّق على كافة الطوائف المسيحية في البلاد.
ويتطلّب دخول قانون الإرث المسيحي حيّز التنفيذ إقراره رسميا، من خلال آلية يتم التوافق عليها بين مجلس رؤساء الكنائس في الأردن والحكومة، لارتباطه بجميع الكنائس.
وعن أهمية إقرار قانون الإرث المسيحي، تشير فضّول إلى أن “أهم ما في القانون صدور الموافقة عليه من كل رئاسات الطوائف المسيحية المعتمدة”، موضحة أن “هناك بعض الأفراد ممن يعارض فكرة القانون، بسبب الموروث الاجتماعي الذي نقدره ونحترمه، لكننا في النهاية مواطنون أردنيون نريد تطبيق أحكام الديانة المسيحية التي تدعو إلى المساواة بين الذكور والإناث”.
ويساوي مشروع قانون الإرث المسيحي، في الأنصبة الإرثية بين الذكور والإناث، كما يمنح المرأة مبدأ الحجب عن الذكور، ويسمح بتقاسم الأبناء الميراث مع الزوجة في حالة وفاة الزوج .
وتتضمن النصوص المقترحة أيضًا، ما ينّظم أحكام جواز الوصية للوارث وغير الوارث بحدود الثلث، والوصية الواجبة بجواز حصول الأحفاد في حياة الأجداد على الإرث من الأم المتوفاة وليس فقط من الأب المتوفي.
وكان تشريع قانون أصول التقاضي وإجراءاته أمام المحاكم الكنسية لعام 2021، من التشريعات التي أسهمت أيضا في سرعة البت بالقضايا الكنسية، إذ دعت فضّول إلى تعميم تجربة مشاركة المرأة في القضاء الكنسي وكل المجالات لانعكاس ذلك على تحسين حياة النساء والأطفال والعائلات عموما.
وعبّرت فضول عن تفاؤلها بمستقبل القضاء الكنسي والتشريعات ذات العلاقة، في ظل التطورات المتتالية خلال السنوات العشرة الأخيرة.