مازال العديد من رجال الأعمال والشركات ينظرون إلى سوق العراق بعين الخوف والشفقة، غير أن الذين يعملون فيها فعلياً يتمتّعون بآفاقٍ واسعة من الفرص والإمكانات، إذ يحتضن العراق أكثر من 43 مليون نسمة، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لكل فرد فيه 4775 دولار، متجاوزاً في ذلك جميع الدول في شمال أفريقيا، باستثناء ليبيا.
ويصل معدل انتشار الهواتف المحمولة في العراق إلى 102%، مقابل 75% لمعدل انتشار الإنترنت، نظراً لارتفاع نسبة الشباب في العراق الذي يعتبر 60% من سكانه دون الـ 25 عاماً، مع شغفهم الكبير بالتكنولوجيا والخدمات التقنية.
واستقطبت الإمكانات المميزة للعراق عدداً من الشركات الكبرى مثل “روكيت إنترنت” Rocket Internet، التي دعمت تطبيق “بلي” الفائق في البلاد ووسّعت حضور شركة التوصيل العالمية العملاقة “طلبات” في السوق المحلية.
وتركز معظم الشركات الناشئة في العراق عملها على مجال التجارة الإلكترونية، الأمر الذي يعتبر ظاهرةً طبيعية في البيئات الحاضنة التي ما تزال في مراحلها المبكرة، ويترافق تطور السوق العراقية المستمر مع ظهور خدماتٍ تقنية رائدة وجديدة، وفي مقدمتها خدمات البث والمشاهدة.
وتتوفر في العراق خدمات البث المعروفة إقليمياً مثل “شاهد” و”ستارزبلاي”، غير أن الشركة الناشئة المحلية 1001 تسعى اليوم إلى التغلب على جميع المنافسين في المجال، لتصبح منصة البث الرائدة والمفضلة في العراق.
وانطلقت منصة 1001 على يد المؤسس المشارك محسن خير الدين جارسيا قبل شهر رمضان من العام الجاري، واستقطبت مليون مستخدم في أسابيعها الثلاثة الأولى، منهم 80% في العراق، والبقية هم من العراقيين الموجودين في مختلف أنحاء العالم.
ويُعزى النمو المتسارع للمنصة بشكل رئيسي إلى حصولها على الدعم من شبكة قنوات “الشرقية”، الشبكة الأوسع في العراق والمستثمر المؤسس لمنصة 1001.
وتُعد 1001 شركةً مستقلة، غير أنها تستفيد من ترخيصها في عرض باقة البرامج الكاملة لقنوات الشرقية.
ويقول المؤسس جارسيا: “يستلزم إنشاء منصة للبث تزويدها بأسسٍ متينة، ولذلك حرصنا على أن تعرض منصة 1001 بشكلٍ حصري وشامل جميع الأعمال السابقة والمملوكة بحقوق الملكية الفكرية لقنوات الشرقية، إضافة إلى جميع عروضها المشهورة.
كما أن جميع العروض الجديدة التي تنتجها الشرقية عادةً قد أصبحت من إنتاج 1001 رسمياً في رمضان الماضي، وعُرضت حلقاتها على المنصة قبل وصولها إلى قنوات الشبكة، مما أسهم في نقل الجمهور من قناة الشرقية إلى المنصة الرقمية.”
وأضاف قائلاً، بإن كل المحتوى الجديد لشبكة الشرقية أصبح يتوفر بدايةً على منصة 1001 قبل وصوله إلى شاشات التلفزيون.
أما عن السبب الكامن وراء اعتماد الشرقية هذه الاستراتيجية، فيقول جارسيا بإنها “طريقةٌ طبيعية وتقدمية” للتعامل مع جمهور القناة حسب كل فئةٍ وتفضيلاتها.
وأوضح قائلاً: “يرغب بعض المتابعين بمشاهدة المحتوى حال توفره، مما يدفعهم للتوجه إلى المنصة لمشاهدته حسب الطلب، في حين ينتظر باقي المتابعين صدور المحتوى على قنوات التلفزيون حسب مواعيدها المحددة”.
كما يشكّل الاستثمار في المنصة مصدر إيراداتٍ إضافياً لقناة الشرقية باعتبارها بيئة حاضنة رقمية، إذ تمثّل الإعلانات مصدر الإيرادات الرئيسي للشبكة التلفزيونية حالياً.
وأردف جارسيا بقوله: “تعتبر المنصات الرقمية مصدراً فعالاً للإيرادات من خلال اعتمادها على الاشتراكات والإعلانات ونموذج أعمالها الهجين”.
وما تزال منصة 1001 تعتمد حالياً نمط التسجيل المجاني للعملاء بهدف توسيع قاعدة مستخدميها، لكنها تسعى لإطلاق خدمة الاشتراك المدفوع في الوقت المناسب مستقبلاً.
ويقول جارسيا بهذا الصدد: “استطعنا تحقيق نموٍ متسارع لأن المتابعين يحبون محتوى المنصة، كما أننا نعمل في بيئةٍ حاضنة سلسة وخالية من القيود، ونحرص على تحقيق التكامل مع جميع شبكات الاتصالات، ولذلك نرى أنفسنا اليوم في موقعٍ مناسب لإطلاق الخدمات المدفوعة من خلال تشجيع العملاء على الاشتراك شيئاً فشيئاً، بدلاً من حظر الاشتراك غير المدفوع على الفور”.
وفيما يخص المدفوعات، تعتمد 1001 ونظيراتها من المنصات الرقمية على نظام التسديد المباشر للفواتير عبر الهاتف المحمول، نظراً لأن 20% فقط من سكان العراق يمتلكون حساباً مصرفياً، ولا انتشار يُذكر لبطاقات الائتمان.
ولذلك يعتمد نجاح منصات البث في المنطقة بشكل رئيسي على علاقتها مع شركات الاتصالات، باعتبارها البوابة الرئيسية للاشتراكات المدفوعة؛ ويتجلى ذلك في نجاح منصة “أنغامي” اللبنانية بتوسيع قاعدة مشتركيها في البلدان التي تشهد انخفاضاً في انتشار بطاقات الائتمان.
وتحدّث إيدي مارون، الشريك المؤسس لـ “أنغامي”، مع ومضة بعد فترة قصيرة من طرح أسهم شركة البث في بورصة نيويورك، واصفاً العلاقة بين منصات البث وشركات الاتصالات بإنها “عاملٌ محوري للنجاح”، وبدورها، تتيح شركات الاتصالات للمستخدمين الاشتراك في خدمات مدفوعة حسب الطلب على منصات مثل “أنغامي” أو 1001، لاستقطاب المزيد من العملاء إلى هذه المنصات التي توفر خدمات المشاهدة مباشرةً عبر الإنترنت، وتعزيز دور شركات الاتصالات نفسها بما يتجاوز كونها مجرد مؤسساتٍ وسيطة.
ويقول مارون: “استطعنا توسيع حضورنا وزيادة عدد المشتركين من خلال توفير مزايا متنوعة، حيث نقدم أحياناً باقات إنترنت مجانية للعملاء عند الاشتراك في منصة ’أنغامي‘، مع إمكانية الدفع بشكل يومي أو شهري”.
وتعتمد 1001 استراتيجيةً مشابهة لمنصة “أنغامي”، حيث تعاونت مع شركة كورك تيليكوم للاتصالات، التي تعمل بشكل رئيسي في إقليم كردستان بالعراق، بحيث تتيح لعملائها الاشتراك في المنصة دون استهلاك باقات الإنترنت لديهم.
وتسعى المنصة إلى زيادة عدد الاشتراكات المدفوعة من خلال إنشاء محتوى خاص بها يركز على الجمهور من “الجيل زد”.
كما تعتزم استضافة بطولة للرياضات الإلكترونية في بغداد وإنتاج برنامج تلفزيوني واقعي حولها، إضافة إلى التعاون مع المشاهير والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي محلياً.
ويقول جارسيا بهذا الصدد: “كشفت السوق العراقية عن مستوىً من النمو والنضج لم نكن نتوقعه عندما أطلقنا المنصة في البداية، ولكن التحدي الأكبر يتمثل في التعاون مع شركات المحتوى العالمية، حيث خضعنا لفترة تعليمية وتدريبية تتراوح بين ستة إلى تسعة أشهر لإقناعهم بالعمل معنا في العراق. ويحمل هذا التعاون فرصاً كبيرة لهذه الشركات، إذ يمكنها الوصول إلى سوقٍ جديدة بالكامل، ومواجهة قرصنة المحتوى التي يتعرضون لها في الوقت نفسه”.
وتعاونت المنصة مع شركة كورية رائدة في مجال البث لعرض أعمالها من مسلسلات الدراما الكورية في العراق، ويُعد شراء حقوق البث في دولة واحدة أرخص بكثير من البث على مستوى منطقة كاملة، لذا تسعى 1001 إلى الاستفادة من هذا النموذج لمنافسة منصات “نيتفلكس” و”شاهد” التابعة لقنوات “إم بي سي” وغيرها، مع توفير باقات واسعة ومتنوعة من العروض للمشاهدين العراقيين.
ويضيف جارسياً بالقول: “نسعى إلى تعزيز تنافسية المنصة من خلال تركيزها حصراً على العراق، وبالتالي توفير محتوى مميز وحصري للمتابعين وخفض تكاليف البث. ونرى اليوم منصات ’نيتفلكس‘ و’شاهد‘ تنفق مئات الملايين على إنتاج الأعمال وشراء التراخيص، لكننا نقوم بالأمر ذاته مقابل تكلفة أقل بكثير، وهذا أسلوبنا في تحقيق النجاح”.
وما يزال المنافس الأكبر لمنصة 1001 يتمثل في القرصنة الإلكترونية، إذ تفتقر العراق إلى القوانين الكافية لحماية الملكية الفكرية، وتعاني من ضعف تنفيذ القوانين القليلة المفروضة بهذا الشأن.
فيقول جارسيا: “تنمو المنصة اليوم لتصبح إحدى القنوات الرئيسية لعرض المحتوى المرّخص قانونياً في العراق، ولذا سنعمل على المطالبة بشكلٍ أكبر وأشد بتطبيق الوسائل التنظيمية والحكومية اللازمة لمواجهة مشكلة القرصنة الإلكترونية بصورةٍ فاعلة ومؤثرة”.
وتستعد منصة 1001 اليوم لإطلاق جولة التمويل الأولي الخاصة بها سعياً لجمع 15 مليون دولار.
ويقول جارسيا بهذا الصدد: “تتشارك المنصة مع شبكة قنوات الشرقية في المالك المستفيد النهائي نفسه، لكننا لا نتعامل معها على أنها مملوكة للشبكة التلفزيونية. ويستلزم نجاح المنصة وتعزيز تنافسيتها على المديين المتوسط والبعيد، تنويع المساهمين فيها بعيداً عن المجموعة الإعلامية”.
ويُعد استقطاب الاستثمارات إلى شركة ناشئة في العراق عمليةً متعبة، لا سيما أن رؤوس الأموال المغامرة في المنطقة ما تزال قلقة تجاه دخول السوق العراقية، لذا يعتمد جمع التمويل للشركات الناشئة العراقية بشكل رئيسي على المستثمرين الملاك في الخارج.
ويضيف جارسيا: “لا يرغب أيّ من رؤوس الأموال المغامرة الإقليمية بالاستثمار في الشركات الناشئة العراقية، إلا إذا كانت الأخيرة تسعى للعمل في المملكة العربية السعودية”.
وبدلاً من ذلك، ستركز 1001 على استقطاب التمويل من مشغلي الاتصالات ومزوديّ خدمات الإنترنت وصناديق الاستثمار في وسائل الإعلام المدعومة من الحكومة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، التي يقول جارسيا بإن “جميعها أصبحت اليوم تركز على العراق، سعياً لتعزيز حضورها في السوق المحلية وترسيخ قصة مختلفة في العراق”.
المصدر: ومضة