خلال 4 أيام، منذ بداية عرضه الجمعة الماضية (30 يونيو)، حقق فيلم “Indiana Jones and the Dial of Destiny”، الجزء الخامس في سلسلة “إنديانا جونز”، ما يزيد عن 130 مليون دولار في شباك التذاكر محلياً وعالمياً، وهو رقم لا يحلم بالاقتراب منه أي فيلم عالمي، ومع ذلك فقد اعتبره خبراء الصناعة فشلاً كبيراً، وصدمة مخيبة لتوقعات وآمال صناع الفيلم.
وهذا ليس فقط لأن الفيلم تكلف إنتاجه 330 مليون دولار، وهو رقم فلكي آخر يبين حجم الرهان المجنون الذي تدخله هوليوود أحياناً، ولكن لإن الايرادات تعتبر “ضعيفة” مقارنة بأعمال أخرى حديثة مثل “Spider-Man: No Way Home” أو “Top Gun: Maverick”، صدرت في التوقيت نفسه تقريباً، الذي يعد الموسم الأعلى للإيرادات السينمائية في أمريكا.
إيرادات فلكية.. محبطة
ايرادات “Indiana Jones and the Dial of Destiny”، الذي يمكن ترجمة عنوانه بـ”انديانا جونز وساعة القدر”، تبدو ضعيفة عندما نقارنها أيضا بالأجزاء الأربعة السابقة من السلسلة، بالرغم من أن الجزء الرابع Indiana Jones and the Kingdom of the Crystal Skull” (2008)” مني بفشل كبير، مقارنة بالأجزاء الثلاثة الأولى التي تعد من أكثر الأفلام جلبا للإيرادات على مر التاريخ.
الفيلم الجديد أفضل بكثير من سابقه، الرابع، من الناحية الفنية، والناحية الفنية أقصد بها هنا عناصر فيلم “المغامرات” الذي ينتمي له “إنديانا جونز”، وهو نوع فني يعتمد على المطاردات والمعارك والمؤثرات الخاصة وكل ما هو كفيل بجعل المشاهدين يجلسون على أطراف مقاعدهم، متوترين، ومتشوقين، يضجون بالصرخات أحياناً، ويقهقهون ضاحكين أحياناً.
على مدار ما يقرب من 140دقيقة يتنقل الفيلم عبر الأزمنة والأمكنة، في سلسلة من المطاردات والمعارك الخيالية، التي لا يمكن تصورها، أو تقبلها، إلا في سلسلة “إنديانا جونز”، أو ما يشبهها من الأفلام، ولكن قبل التعرض للفيلم بالتفصيل، هناك بعض الحقائق التي تحتاج إلى الوضع في الاعتبار.
سلسلة “إنديانا جونز”، التي بدأت منذ أكثر من 40 عاماً بفيلم “Raiders of the Lost Ark”، قامت على أكتاف 3 أسماء تحولوا إلى أساطير سينمائية: صاحب الفكرة والقصة جورج لوكاس، المخرج ستيفن سبيلبرج، والممثل هاريسون فورد.
والثلاثة شاركوا في صنع الأفلام الأربعة الأولى، ولكن “ساعة القدر” لا يحتوي سوى على اسم فورد، إذ يبدو أن كل من لوكاس وسبيلبرج قد نفضا أيديهما عن السلسلة بعد فشل الجزء الرابع.
أما “ساعة القدر” فقام باخراجه جيمس ماجنولد، وعدد من كتاب السيناريو ليسوا من فريق العمل القديم.
هاريسون فورد، بطل السلسلة، عمره الآن 81 سنة، وهو سن غالبا ما يكون صاحبه معتزلاً وعاجزاً، بدنياً وذهنياً، أو على الأقل يؤدي أدوار المسن العاجز، ولكن فورد يؤدي هنا شخصية واحد من أشهر المغامرين، ولا يكف عن الحركة والجري والضرب طوال الفيلم.. شئ ربما لا يصدقه عقل، ولكن صناع الفيلم يحاولون إقناعنا باستخدام شتى الحيل، من السيناريو وحتى المؤثرات الخاصة.
تبدأ أحداث الفيلم في 1944، أثناء الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، وعمر “إنديانا جونز” أقل من 40 عاماً، ثم ننتقل لزمن الأحداث الرئيسي في 1969، حيث تحول جونز إلى أستاذ جامعي متقاعد، يعني تجاوز الستين بعدة أعوام، وهو ما يقل عن عمر هاريسون فورد الحقيقي بحوالي 20 عاماً.
هذا التنقل في الزمن وحساب السنين من شأنه أن يلهي المشاهد عن التفكير في العمر، وهو شيء تفعله السينما بامتياز، ولعله الخاصية السحرية التي تميز فن السينما عن أي وسيط آخر.
الحيلة الثانية، التي تتميز بها السينما أيضا، هي المؤثرات الخاصة، التي تحول هنا “فورد” إلى رجل لم يتجاوز الأربعين، ثم إلى رجل فوق الستين بقليل، والحقيقة أن المشاهد الأولى من الفيلم، التي يبعث فيها إنديانا جونز حيا، كما لو أن أربعة عقود لم تمض على الجزء الأول، منفذة بشكل رائع ومبهر.
من مطاردة لأخرى
تبدأ الأحداث، كما ذكرت، بإنديانا جونز في أوروبا مع قوات تحرير أوروبا من النازي، حيث يتم اعتقاله والبدء في عملية شنقه، كما يتم اعتقال صديقه عالم الآثار بازيل شو، ويظهر أيضا عالم الفيزياء الكيميائية الألماني النازي يورجن فولر (مادس ميكلسون)، وكلهم يسعون وراء خنجر أثري نادر، يتبين أنه مزيف، ولكنهم يعثرون على نصف “ساعة القدر” التي يقال أن، عالم الرياضيات اليوناني أرشميدس، قد اخترعها منذ أكثر من ألفي عام، والتي يمكن من خلالها المرور عبر الزمن.
وبالمناسبة هذه القصة تعتمد على أثر تاريخي حقيقي موجود في متحف أثينا للآثار، لما يشبه أول ساعة ميكانيكية تم اختراعها على الاطلاق، يقال أن مخترعها هو بالفعل أرشميدس!
ننتقل إلى 1969، في نيويورك سيتي، وجونز على وشك التقاعد كأستاذ جامعي، وقد طلق حديثاً من زوجته ماريون (كارين ألين)، عقب وفاة ابنهما الوحيد في حرب فيتنام، تزوره فتاة جميلة اسمها هيلينا (فيبي والتر بريدج)، يتبين أنها ابنة صديقه بازيل شو، التي أصبحت متخصصة في الآثار أيضاً، ولكن كمهربة وتاجرة، وتطلب منه مساعدتها للعثور على نصف الساعة الثاني، وبينما يفحصان نصفها الموجود بأرشيف الجامعة يهاجمهم رجال فولر، الذي يعمل الآن مع وكالة ناسا والمخابرات الأمريكية، باسم مزيف هو الدكتور شميدت.
يهرب جونز ونشاهد مطاردة مبهرة أخرى وسط شوارع نيويورك يمتطي خلالها جونز حصاناً يدخل به محطة مترو الأنفاق، قبل أن يلجأ إلى صديق قديم عربي الأصل، اسمه صلاح، يساعده للذهاب إلى المغرب ليلحق بهيلينا التي استولت على نصف ساعة القدر لتبيعها.
ننتقل إلى طنجة، بالمغرب، وفندق “أتلانتيك” الشهير، لنشهد مطاردة أخرى هائلة عبر شوارع طنجة، بالتوك توك هذه المرة (ولا أعلم هل التوك توك كان موجودا في الستينيات؟ ليس مهما، فالموضوع كله خيال في خيال).
ومن طنجة إلى كازابلانكا، إلى صقليا ومطاردة أخرى بالسيارات، ثم ننتقل إلى البحر واليونان، حيث يظهر النجم أنطونيو بانديراس في دور صديق آخر لجونز، سرعان ما يلقى مصرعه على يد رجال فولر، وهو دور لا يليق باسم بانديراس على الإطلاق.
وتتواصل المطاردات العجيبة نهاية بمطاردة طائرات ينتقل خلالها الأبطال والأشرار إلى اليونان القديمة. فبينما كان يسعى فولر للحصول على الساعة للعودة في الزمن وقتل هتلر ليصبح حاكم ألمانيا ويقودها للنصر، يعود الجميع إلى عام 214 قبل الميلاد، أثناء معركة حاسمة بين الرومان واليونانيين، إذ يتبين أن الساعة السحرية مصممة فقط للعودة إلى هذا التاريخ.
3 أجيال.. ولكن
يضم الفيلم 3 أجيال من الأبطال على أمل مواكبة العصر وأذواق جمهور اليوم: رجل أبيض عجوز له تاريخ، لجذب معجبي إنديانا جونز الكبار، امرأة شابة أوروبية لجذب المشاهدات الإناث وتماشياً مع تمكين النساء، وصبي إفريقي الأصل يلعب دور مساعد هيلينا الشجاع، يؤدي دوره إيثان إيزادور، الموريتاني من أصل إفريقي، ويسعى الفيلم الجديد بشكل واضح لتجنب الأفكار والمشاهد “العنصرية”، “الاستشراقية” التي صبغت الأفلام الأولى من سلسلة “إنديانا جونز”.
ولكن كل هذا الجهد والأموال الطائلة قد لا تنجح في انقاذ “إنديانا جونز” من حكم القدر هذه المرة.
يرى أنطوني أليساندرو محلل موقع Deadline يرى أحد أسباب الإيرادات الضعيفة هو عرض الفيلم في مهرجان “كان” الماضي، حيث تعرض لانتقادات شديدة من النقاد، وهو بالطبع ليس فيلم مهرجانات أو نقاد.
ويرى البعض أن أحد الأسباب قد يكون تراجع نجومية فورد بالنسبة لجيل جمهور السينما الحالي، الذي لديه نجومه الأكثر شباباً بالطبع.
أو ربما يكون “إنديانا جونز” نفسه، هذا العالم المغامر الأكثر قوة من رامبو، والأكثر رشاقة من طرزان، هو الذي تجاوزه الزمن، ولم يعد يقنع أجيال الأبطال الخارقين الحالي.