فلنحتفل بما أنجزناه.. نستحق ذلك. ما حققناه هائل ونريد الاحتفال بثقافتنا، من دون أن ننسى ما جرى”، هذا ما قالته كارينا الحلو، مديرة متحف سرسق لموقع CNN بالعربية، على هامش إعادة افتتاح المتحف في لبنان خلال شهر مايو/ أيار 2023، بعدما نفض عنه غبار انفجار مرفأ بيروت.
وانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020، لم يسلم من عصفه لا البشر ولا الحجر، وطال الدمار أصرحة ثقافية وتربوية، بينها متحف سرسق الذي تضرّر بنسبة تقارب الـ 70%، بالإضافة إلى 55 عملًا فنيًا قيّمًا.
وهذه المرة الرابعة التي يشرّع فيها هذا المتحف أبوابه مجدّدًا منذ إنشائه في عام 1961، ويضمّ أكثر من 3 آلاف عمل فني، و1600 عمل فني من مجموعة الأغراض الدائمة لـ150 فنانًا لبنانيًا، و990 عملًا فنيًا على سبيل الإعارة، و11 عملًا فنيًا معارًا لمتاحف أخرى، وأكثر من 30 ألف صورة لمجموعة فؤاد دباس معارة على المدى الطويل، و12 ألف مادة مؤرشفة.
وفاقت ليلة الافتتاح توقعات المنظمين، إذ حضر إلى المتحف نحو 4 آلاف شخص، واستمروا يتنقلون بين أعماله الفنية حتى ساعات متأخرة من تلك الليلة.
وهذه المرة الأولى التي ينبض فيها قلب المتحف بهذه القوة بعد انفجار المرفأ، وكأنه ينفذ وصية نقولا إبراهيم سرسق، واهب القصر الساحر، الأشبه بقصور الروايات المتخيلة ذات الطرازين المعماريين الإيطالي والعثماني، الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1912.
وأوصى سرسق، وهو صاحب جزء من المجموعات الفنية والداعم للفنون وتعزيزها، بتحويل قصره بعد وفاته (1952) إلى متحف للفن.
وأوضحت مديرة المتحف أنّ المتحف يفتتح أبوابه بـ”رؤية جديدة تسعى لمزيد من التطور كي يكون مؤسسة طليعية، ومنصة عامة مفتوحة للنقاش، والتفكير النقدي، والتعلّم، والمعرفة، وتحديث المعرفة وتطويرها، ورعاية الذاكرة الجماعية لمدينة بيروت بهوياتها المتعدّدة وتعقيداتها في قلب لبنان والمنطقة”.
والحلو التي تسلمت زمام الإدارة في المتحف منذ أيلول 2022، بالتزامن مع بدء المرحلة الثانية والأخيرة من مشروع إعادة إعمار المتحف والترميم، بدأت التنسيق مع فريق العمل لافتتاح المتحف بـ26 مايو/ أيار، والمعارض الخمسة التي توزّعت بين طبقاته.
وقالت مديرة المتحف: “كان الانطباع جميلًا جدًا. انتظرنا أن يحضر المدعوون حفل الافتتاح فقط، لكن ما أن فتح المتحف أبوابه أمام الجمهور بدءًا من الساعة 7:30 مساء، حتى غصّت قاعاته بالمتعطشين للفنون”.
ورأت الحلو أنه لم يهاجر الجميع من لبنان في السنوات الثلاث الماضية. موضحة: “هناك شباب وصبايا يتوقون للعيش ويرغبون بإكمال حياتهم هنا، لذلك من الضروري أن نفتح لهم أبوابنا ونعمل، ونستمر بمهمة هذه المتحف”، ومؤكدة: “نحن منصة مجانية مفتوحة للجميع. وهذا المكان ضروري اليوم أكثر من زمن السلم في هذا البلد”.
ومنذ الافتتاح، يقصد المتحف بين 250 و300 شخص خلال أيام العمل.
وسألت مديرة المتحف نفسها بعد الانفجار: “هل سيكون باستطاعتنا إعادة الحياة؟”، موضحة أن “الإجابة أتت بعد أقل من ثلاث سنوات من العمل الدؤوب لفريق عمل المتحف الصغير”.
وقالت: “نعم، يجب أن نصفّق لأنفسنا لأننا تمكنا من استعادة الحياة وألا نخجل من هذا الأمر لأنّ ما اختبرناه في هذه المرحلة من تاريخ لبنان كان بغاية الصعوبة. ولا يزال الأمر كذلك. أمامنا الكثير لننجزه. ولكن ما تحقق حتى الآن، يُعتبر إنجازًا كبيرًا”.
كيف يموّل المتحف نفسه؟
وباتت الإجابة معقدة لكن مختصرة، إذ أوضحت الحلو: “نحن نعتمد على الدعم من القطاع الخاص. لأن التمويل الذي كنا نحصل عليه من القطاع العام من خلال الضرائب المفروضة على البناء في نطاق بلدية بيروت لم يعد يكفي كما في السابق، بسبب التضخم وفقدان الليرة اللبنانية لقيمتها”.
وأشارت مديرة المتحف إلى أنّ إعادة إعمار المتحف وترميم الزجاج والأعمال الفنية في أقل من ثلاث سنوات استلزمت أكثر من مليوني دولار أمريكي، قدّمت بفضل دعم من الحكومة الإيطالية التي خصّصت عبر “الوكالة الإيطالية للتعاون التنموي” (AICS) منحة لمبادرة “يونسكو – لبيروت”، ووزارة الثقافة الفرنسية، والتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع” (ALIPH)، ومؤسّستي “سان غوبان” (Saint-Gobain) و”سان جوست” (Saint-Jusrt) لتبرعّهما العينيّ بالزجاج الملوّن لنوافذ واجهة المتحف والمواد المستخدمة في الأسقف الجبسية، فضلًا عن مساعدات أخرى من الأصدقاء وعشاق الفنون في العالم والدول العربية.
ولفتت الحلو إلى أنّ “الخطة المتبعة ستعتمد على سياسة الانفتاح فيما يخص المناطق اللبنانية والعالم العربي، لا سيّما أن متحف سرسق كان أول متحف في بلادنا العربية يروج للفن الحديث والمعاصر منذ تسعينيات القرن المنصرم مع انطلاق موجة هذه الفنون”.
كما ذكرت أنّ “هذا التعاون بدأ بحيث أن لدينا اليوم 11 عملًا فنيًا من متحف سرسق في متحف قطر، وذلك في إطار معرض ’بيروت وحقبة الستينيات الذهبية‘ (Beirut and the Golden Sixties) للقيّمَين سام بردويل وتيل فيلراث، وقد حقق نجاحًا كبيرًا”.
“أنا جاهل!” الذي يبرز إرث صالون الخريف في بيروت منذ افتتاح متحف سرسق عام ١٩٦١، أي العام الذي تحوّلت فيه ڤيلا نقولا إبراهيم سرسق الخاصّة إلى أوّل متحف عامّ ووحيد للفن الحديث والمعاصر في بيروت، حتى يومنا هذا.
“موجات الزمن” الذي يستطلع ثلاثة جداول زمنية في سرد تاريخي لمتحف سرسق، ولمعارِضه، وللأحداث الاجتماعية السياسية المحلية البارزة الموازية للإنتاج الفني في البلاد.
“طريق الأرض”، من تنظيم ماري-نور حشيمه. إنطلاقاً من التّفكُّر في قضيّة استملاك الأراضي وملكيتها في لبنان، يدمجُ هذا المعرض الجماعي بين ثلاثة أعمال تسعى إلى التّحقُّق من النماذج السائدة للملكية الخاصة.
“إيجيكتا” لزاد ملتَقَى، تجهيز سمعي-بصري غامر يحول الصُّوَر الرقمية لأعمال مجموعة متحف سرسق الدائمة إلى عَنصورِيّاتٍ پكسليّة تتطوّر، وتتوالى عبر سلسلةٍ من الأوضاع والحالات، كأن تنبثق على شكل مقذوفاتٍ بركانيّة ضوئيّة، لتعود وتتدفّق عبر إطار الشاشة كالماء أو الحُمَم.
“رؤى بيروت”، يجمع هذا المعرض صوراً فوتوغرافية من مجموعة فؤاد دباس وفيديو ICONEM الرقمي، متّبعاً نهج أحد الاختراعات المدهشة التي، غيّرت الطريقة التي نتصوّر بها المدينة وكيفية رؤيتنا لها، والتي حوّلت وجودها إلى صور أكثر تعقيداً.