رايت رايتس

بيئة الأعمال الروسية تحتضن الشركات الناشئة في دبي

الديسك المركزي
كتبه الديسك المركزي تعليق 13 دقيقة قراءة
13 دقيقة قراءة
روسيا والإمارات

اتجه وفدٌ من الدبلوماسيين الروس إلى دبي قبل أربعة أعوام لافتتاح المركز الروسي للابتكار الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، المساحة المخصصة لتمكين التعاون بين روسيا ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتمثّل الهدف من المركز في توفير منصة تتيح للشركات الروسية الوصول إلى سوق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واستكشافها، وتشجيع المستثمرين الإماراتيين على الاستفادة من الفرص الاستثمارية التي يقدمها مشهد التطور التكنولوجي في روسيا.

- مساحة اعلانية-

ولم تتحقق هذه الطموحات على أرض الواقع، حيث أدت أزمة كوفيد-19 إلى إغلاق المركز الروسي للابتكار الرقمي وتكنولوجيا المعلومات (قوبل طلب ومضة للتعليق على هذا الشأن بالرفض)، ثم جاءت الحرب الأوكرانية وحوّلت اهتمام روسيا بعيداً عن المركز، لكنها فعلياً حققت أهداف المركز الأصلية من خلال تشجيع مئات الشركات الروسية الناشئة على الانتقال إلى دبي.

وشهد العام الماضي توجه المستثمرين ومؤسسي الشركات الروس لإطلاق أعمالهم في دبي، بعيداً عن أجواء وطنهم المشحونة بالاضطراب وانعدام اليقين، وخلافاً للعديد من الدول الغربية، امتنعت دولة الإمارات عن فرض عقوباتٍ على روسيا، مما عزز العلاقات الثنائية بين الدولتين وجعل من دبي تحديداً وجهة استثمارٍ آمنة للروس ذوي الملاءة المالية العالية.

- مساحة اعلانية-

وبهذا الصدد، يقول إيغور كلوبينكو، مؤسس شركة “ليدرز”، المشروع المشترك في مجال تقنية المعلومات: “أصبحت دبي اليوم وجهةً مفضلة للمستثمرين الروس، إذ توفر فرصاً عديدة لإطلاق الأعمال وبوابةً إلى الأسواق العالمية”.

 وأوضح إيغور أيضاً أن سهولة الحصول على تأشيرة الإقامة الإماراتية تمثل عاملاً إضافياً لجذب الروس.

واستقبلت دولة الإمارات أكثر من مليون زائر روسي العام الماضي، مما يمثل زيادة بنسبة 60% بالمقارنة مع عام 2021، وقرر العديد منهم الاستقرار في إمارة دبي، ويلعب المقيمون الروس دوراً رئيسياً في نمو سوق العقارات المحلية، حيث يستحوذون على الحصة الأكبر من صفقات القطاع بين المشترين الدوليين.

- مساحة اعلانية-

كما سجلت التجارة الثنائية بين روسيا والإمارات نمواً بنسبة 68% العام الماضي لتصل قيمتها إلى 9 مليار دولار، والتي شكلت منها قيمة الصادرات الروسية 8.5 مليار دولار، بزيادةٍ قدرها 71%.

ويؤكد هذا الرأي أليكسي ميليفسكي، الشريك المؤسس لشركة “مالتبلاير” للاستثمار، فيقول: “تمتلك دبي العديد من المقومات التي تجعل منها وجهةً رائعة، بما فيها وفرة رأس المال وصناديق الثروة السيادية والصناديق الخاصة، إلى جانب كونها مركزاً للخدمات اللوجستية ووجهةً للزوار من جميع أنحاء العالم وارتفاع معدلات النمو والأمان فيها”.

وأسهمت هذه العوامل في تشجيع مئات الشركات الروسية الناشئة على نقل مقراتها إلى الإمارات. وما يزال الأثر الكامل لهذا التوجه على البيئة المحلية الحاضنة للشركات الناشئة يتكشّف شيئاً فشيئاً، حيث تعمل البيئتان الحاضنتان بالتوازي مع بعضهما البعض، ويتداخل عملهما في بعض الجوانب بين الحين والآخر.

وتواصل معظم الشركات الروسية الناشئة عملها كالمعتاد في الإمارات، التي توفر فرص استمرارية الأعمال لهذه الشركات بدلاً من اعتبارها سوقاً جديدة.

الوطن، وما بعد الوطن

أخذ عددٌ متزايد من مؤسسي الشركات الروس يستفيدون من الإمارات بوصفها بوابةً لسوق المنطقة، حيث حافظ العديد منهم على حضور شركاتهم في روسيا لاستهداف السوق المحلية، مع تأسيس مقر جديد في الإمارات يركز على السوق الإقليمية والعالمية.

وتندرج ضمن هذه الشركات الناشئة شركة “سيلماتكس”، وهي منصة لتقديم البرمجيات كخدمة للشركات البائعة في الأسواق. وتأسست الشركة على يد داريا تكاتشينكو في الصين، لتعود بعدها إلى روسيا خلال أزمة كوفيد-19، وتنتقل العام الماضي إلى الإمارات قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، سعياً للاستفادة من الفرص التي يحملها نمو التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية.

وتقول داريا تكاتشينكو بهذا الصدد: “أدركنا أن أفضل مجالات العمل أمامنا تتمثل في مشاريع الأعمال والأسواق الناشئة، لذا قررنا التوجه نحو روسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تحمل الأخيرة فرصاً واعدة للنمو والازدهار والاستقرار في ظل المشهد الاقتصادي الراهن”.

وقرر العديد من المستثمرين الروس اعتماد العملات المشفّرة في أعمالهم نتيجة استمرار العقوبات المفروضة على روسيا من قبل دول الغرب وتراجع قيمة الأصول المادية.

وأدى هذا التوجه إلى ازدهار الشركات الروسية الناشئة القائمة على العملات المشفّرة وتقنيات الجيل الثالث من الإنترنت “الويب 3″، والتي انتقل العديد منها إلى دبي، مما أسهم أيضاً في ترسيخ مكانة الإمارة بوصفها مركزاً لشركات الويب 3.

ومن جانبه، يقول نيكيتا يوزيك، المؤسس المشارك لشركة “آر أو آي إيستيت” المتخصصة في التكنولوجيا العقارية القائمة على تقنية البلوك تشين: “تجمع شركتنا الناشئة في عملها بين الرموز غير القابلة للاستبدال والعملات المشفرة والويب 3، لذا قررنا تأسيس مقر الشركة في دبي التي تشكّل أفضل بيئةٍ حاضنة في العالم للشركات الناشئة في مجالنا، نظراً لمشهد أعمالها الحافل بالابتكار والتقنيات المتطورة والشركات الناشئة.

ولفتت انتباهنا وفرة الفرص الاستثمارية في الإمارة، إلى جانب اتساع مشهد الويب 3 وسوق العملات المشفّرة نظراً للتعقيدات الأخيرة في التعامل مع البنوك وصعوبة إخراج الأموال من البلاد”.

رؤوس الأموال الروسية

يتخذ يوزيك من دولة لاتفيا مقراً لشركته حالياً، لكنه توجه لزيارة دبي رغبةً بجمع التمويل من المستثمرين، حيث بات مؤسسو الشركات الروس يرون في دبي وجهةً رئيسية للحصول على التمويل، ولا سيما بعد انتقال حوالي 350 مستثمراً ملاكاً روسياً إلى الإمارة خلال العام الماضي. وتركز النسبة الأكبر من هؤلاء على الاستثمار في شركات ناشئة لمؤسسين روس أو متحدثين باللغة الروسية، مع سعيهم لإيجاد شركاء محدودين من المنطقة، شأنهم في ذلك شأن معظم المستثمرين الأجانب.

ويضيف ميليفسكي قائلاً: “لا أرى في الشرق الأوسط سوقاً كبيرة حتى الآن، فما تزال المنطقة في مراحلها المبكرة ولا تحتضن العديد من القطاعات القابلة للتطوير بالشكل الكافي لتشهد تأسيس شركات تتجاوز قيمتها المليار دولار وتستهدف الأسواق العالمية”.

ويتشارك معظم المستثمرين الروس المقيمين في الإمارات هذا الرأي، وقد يهتم بعضهم بالاستثمار في الشركات الناشئة المحلية، غير أن مؤسسي هذه الشركات أعربوا عن ترددهم في قبول التمويل من المستثمرين الروس وفقاً لاستبيان أجرته ومضة لعدد من رواد الأعمال المحليين.

وتمثلت أبرز الأسباب المذكورة لرفض الاستثمارات الروسية في خوف رواد الأعمال من انعدام الشفافية حول مصدر هذه الأموال، وتجنباً لفرض أي عقوبات أمريكية على شركاتهم، ولا سيما تلك التي تتعامل مع الأسواق والمستثمرين في الغرب.

ولذلك، يتمحور المشهد الحالي للمستثمرين الروس حول وضع أموالهم في الشركات الناشئة الروسية بصرف النظر عن موقعها في العالم.

وعلى سبيل المثال، استثمر كلوبينكو في شركة “جيم جريد” الناشئة للألعاب، التي أسسهما مجموعة من رواد الأعمال الروس في أبوظبي، لكنّه استفاد أيضاً من وجوده في دبي للوصول إلى أسواق ناشئة لم يفكر بالاستثمار فيها سابقاً، ولا سيما الهند.

ويقول كلوبينكو بهذا الشأن: “تتمتع الإمارات بموقعٍ مثالي يتيح للمستثمرين الروس المساهمة في السوق العالمية، حيث يمكنهم التواصل مع الشركات الناشئة من مختلف الدول والاستفادة من فرص العمل مثلاً مع الشركات الآسيوية الناشئة.

ولذلك أرى في دبي مركزاً عالمياً يسمح لي بالعمل مع مختلف الدول والشركات الناشئة وأنا جالسٌ في مكتبي”.

وبدورهم، يؤكد مؤسسو الشركات الناشئة هذه النظرة العالمية تجاه دبي، حيث قرر العديد من رواد الأعمال الروس تأسيس المقرات الجديدة لشركاتهم في الإمارات من خلال الانتقال إليها وحدهم وتركيز فرقهم في وجهات أخرى توفر مستويات معيشة أقل تكلفة.

ويؤكد ميليفسكي بأن معظم مؤسسي الشركات الذين انتقلوا إلى الإمارات كانوا قد أسسوا لهم شركاتٍ ناشئة من قبل، أي يتمتعون بمكانةٍ معروفة ووفرةٍ مالية تتيح لهم الاستقرار بكل راحة في مشهد المعيشة المكلفة لإمارة دبي. ولا ينفي ذلك تركيز مؤسسي الشركات الجدد من الروس على دبي، غير أن معظمهم يسعون حصراً إلى جمع التمويل من المستثمرين الروس المقيمين في الإمارة.

ويضيف بقوله: “لا تمتلك العديد من الشركات مكاتباً كبيرة في دبي، حيث تبلغ تكلفة الموظفين اللازمين لضمان مستوى الجودة المطلوب حوالي ضعفي أو ثلاثة أضعاف تكلفة العدد نفسه من الموظفين في حال إقامتهم في أرمينيا أو كازاخستان أو جورجيا أو صربيا. ولهذا السبب، تشكّل دبي سوقاً مخصصة للموظفين بدرجة تتراوح بين المتوسطة والعالية”.

المواهب التقنية

وفقاً لتقرير أصدرته صحيفة ذا موسكو تايمز، أسفر اندلاع الحرب عن هجرة أكثر من 100 ألف مواطن روسي متخصص بتقنية المعلومات إلى جورجيا وأرمينيا وكازاخستان وتركيا ودبي. كما أصبحت الإمارة بوابة وصولٍ للموظفين السابقين من الشركات العالمية التي تمتلك مقراتٍ لها في روسيا، بما فيها جوجل وجولدمان ساكس ومجموعة بوسطن الاستشارية، الذين انتقل العديد منهم بعدها إلى وجهاتٍ أخرى. ومع ذلك، أصبحت دبي موطناً لعددٍ كبير من المقيمين الروس. ويرى ميليفسكي أثراً إيجابياً مرتقباً لتدفق هذه المواهب على البيئة الحاضنة في دولة الإمارات.

ويبيّن بأن المستقبل القريب سيشهد تعاون مؤسسي الشركات الروس مع الكفاءات المحلية لتأسيس شركات ناشئة مشتركة، مشيراً بهذا الصدد إلى شركة تابي، الشركة الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية والقائمة على طريقة الشراء الآن والدفع لاحقاً، والتي تأسست في دبي عام 2019 بالتعاون بين حسام عرب ودانييل باركالوف، الرئيس التنفيذي لشؤون العمليات في الشركة.

ويقول ميليفسكي: “سنشهد المزيد من مشاريع التعاون مثل تابي قريباً، ولا يستلزم ذلك سوى بعض الوقت لاستقرار مؤسسي الشركات في المنطقة وتواصلهم مع رواد الأعمال المحليين عن كثب”.

ويكشف ليو دوفبينكو، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “يلا هب” الناشئة المتخصصة بالتجارة السريعة والتي تتخذ من الإمارات مقراً لها، بأن اندلاع الحرب أدى إلى موجةٍ من القلق والتردد إزاء التعامل مع مؤسسي الشركات الروس في البداية، ولكن هذا الوضع تغيّر الآن.

ويعلّق قائلاً: “لم يرغب رواد الأعمال بالتعاون مع الروس خوفاً من تعرّضهم للعقوبات، لكنّنا أدركنا اليوم بأن هذا الاحتمال لم يعد وارداً. ويتمتع المستثمرون الروس بثرواتٍ وفيرة، في حين يمتلك رواد الأعمال الروس أموالاً طائلة ونماذج أعمال متينة، فلا ينقصهم إلا التعاون مع الشركاء المحليين المناسبين، وأثق بأن المستقبل يحمل لنا العديد من هذه الشراكات التي ستقدم قيمةً كبيرة للمنطقة”.

وأردف مؤكداً أهمية التقنيات الروسية المتطورة في تعزيز مستويات الجودة للشركات التقنية الناشئة في المنطقة.

التحديات

تحتاج هذه العلاقات وقتاً كافياً للتطور؛ ويبيّن نيكيتا سماجن، محلل يعمل لدى المجلس الروسي للشؤون الدولية، في تقريرٍ لصالح مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، بأن دولة الإمارات لم تفرض أي عقوباتٍ على روسيا، إلا أن مؤسساتها المالية “الخاضعة لإشراف القوانين الأمريكية عن كثب مازالت تتوخى أقصى درجات الحذر في تعاملها مع الشركات الروسية”.

ويضيف قائلاً: “قررت العديد من المصارف الإماراتية العام الماضي منع الروس من فتح الحسابات فيها بالرغم من مساعي الحكومة الإماراتية لاستقطاب المستثمرين الأجانب، حيث تخضع المؤسسات المالية الإماراتية لقوانين أكثر صرامة فيما يتعلق بالتعامل مع رجال الأعمال الروس دون غيرهم. كما يعاني الروس من عقباتٍ عديدة أخرى عند سعيهم لاستئجار العقارات المخصصة لأغراض تجارية في الإمارات”.

وأوضح بعض مؤسسي الشركات الذين حاورتهم ومضة بأنهم عمدوا لاستخدام جوازات سفرهم أو بطاقات إقامتهم الثانية لفتح الحسابات المصرفية دون الحاجة للخوض في إجراءات طويلة ومتعبة.

كما أسهم الاختلاف الثقافي حتى الآن في عرقلة آفاق التعاون بين البيئتين الحاضنتين الروسية والإماراتية.

ويبيّن ميليفسكي بقوله: “يتميّز مؤسسو الشركات من روسيا ودول أوروبا الشرقية بأسلوبهم المباشر في التعامل، فيرغبون بحسم نتيجة الاتفاق في اجتماعهم الأول مع الطرف الآخر، في حين يحب العرب بناء العلاقات على المدى الطويل وخوض النقاشات شيئاً فشيئاً، ثم التعبير عن رغبتهم في التعاون خلال وقتٍ ما في المستقبل”.

وعلى ما يبدو، ما يزال التعاون بين البيئتين الحاضنتين الروسية والإماراتية بحاجةٍ لمزيدٍ من الوقت، إذ سيواصل المستثمرون ومؤسسو الشركات الروس إدارة أعمالهم باستقلالية حتى يدركوا الفرص المميزة التي تحتضنها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

من جانبها، أصبحت دولة الإمارات مركزاً عالمياً يحتضن أبرز التقنيات المتطورة لشركات أمريكية وأوروبية وصينية وروسية، والتي تتنافس مع بعضها البعض ضمن هذه البيئة الحاضنة، ولا بد أن يحمل هذا المشهد المزدهر أثراً إيجابياً كبيراً على المنطقة في المستقبل.

المصدر: ومضة

شارك هذه المقالة
ترك تقييم